بعض الدروس مما يحدث دوليا

بعد الذي جرى ويجري في فلسطين واليمن والسودان ولبنان وسوريا وأوكرانيا، وبعد ملاحظة السياسات الغربية والأمريكية تحديدا تجاه بعضها البعض وتجاه بقية دول العالم، وبالأخص تجاه الدول العربية والإسلامية مثل مصر والأردن وإيران… يمكن استخلاص بعض الدروس لضبط علاقاتنا الدولية المستقبلية بما يمكّننا من بناء قدرات اقتصادية ومؤسسات نستطيع من خلالها الدفاع عن النفس وتحقيق مزيد من التطوّر في مختلف المجالات.
في تقديري، ينبغي أن يتم بناء أي سياسة مستقبلية في المجال الدولي على افتراضات أهمها:
– أن الغرب لم يتخل ولن يتخل في المستقبل المنظور عن طابعه الاستعماري، بل وعن نظرته القائمة على التمييز العنصري بين الرجل الأبيض وبقية الشعوب الأخرى.
– هناك حقد أعمى لدى الغربيين تجاه أي امتلاك لأي من عناصر القوة لدى غيرهم سواء أكانت عسكرية، اقتصادية أو علمية أو تكنولوجية.
– يمنع الغرب أي انتقال للمعرفة لبقية الشعوب إلا إذا تم ذلك من غير إرادته.
– المصالح المشتركة وفكرة “رابح – رابح” غير واردة بالنسبة له إلا للتغطية والتمويه في حدود معينة وهي مدروسة بدقة.
– أن كل تعاون مع الغرب بحسن نية وقبول ببعض شروطه يؤدي به إلى احتقارك واستغلالك أكثر.
– من السهولة تماما أن يتخلى عنك الغرب عندما يستنفذ تحقيق أهدافه، ويعتبر ذلك أمرا طبيعيا وتستحقه تماما.
– لا اكتراث لديه للنفس البشرية – غير الغربية- وغير البيضاء – يموت الآلاف في غزة أو الكونغو يوميا يعد أمرا طبيعيا أو لا حدث!
في المقابل:
– يعترف الغرب بمن يستطيع ضربه ويوجعه عند الضرب -روسيا- وبمن لديه إمكانية الرد القوي ولو كان محدودا (إيران)، ويتجنّب مواجهة من هو ند له ويستطيع تدميره (الصين).
– يضطر إلى التعامل على مضض مع من تفوّق تكنولوجيا أو اقتصاديا عليه، ولا يتردّد في العمل على تحطيمه كلما وجد الفرصة (نموذج التعامل مع الصين).
– يرصد كل الموارد البشرية التي تمكّنت محليا من بلوغ درجة من الكفاءة العلمية، ويسعى لمنعها من البقاء في بلدها بجميع الوسائل أو يمنع عنها التطور إن أصرّت على البقاء.
– لا يتوانى في تشجيع الحروب الأهلية والنزاعات المحلية بكافة الوسائل خاصة بين الدول المتجاورة، ويبيع السلاح للطرفين المتنازعين ويؤجج الصراع بينهما مباشرة أو عن طريق وكلائه (السعودية-اليمن) (الدعم السريع – الجيش السوداني).
– يرفض قيام أنظمة شرعية في غيره من الدول، وإن قامت، يكون أول من يعمل للإطاحة بها بحجة أو بأخرى.. (مرسي في مصر، حماس في فلسطين، أردوغان في تركيا…إلخ).
– وعلى خلاف ما يعلنه، يفضّل الغرب الأنظمة الاستبدادية والدكتاتوريات على الأنظمة المنتخبة بالطرق السلمية (أمريكا الجنوبية)، ويقبل التعامل مع الوصول للسلطة بالقوة (سوريا)، مع قيادة تصل إليها بالانتخابات والتداول (مصر).
– لا يثق الأمريكي والغربي في أي نظام سياسي إذا لم يقبل بوجود قواعد عسكرية به (دول الخليج)، ويرصد أي محاولة للاستقلال بالقوة لدى هذه الدول ليمنعها من ذلك.
– يعتبر أي مساعدة على التطور منّة مؤقتة ينبغي إيقافها في حدود معينة حتى مع دفع الثمن!
وعليه، ما العمل؟
لا مجال اليوم لبناء سياسات دولية إلا على اعتبار هذه الافتراضات حقيقة قائمة لا مجال لنكرانها، وكل عمل خلاف ذلك إنما هو أوهام بأن الغرب تغيّر والعالم تحكمه القيم والقانون الدولي ومجلس الأمن والشرعية الدولية…إلخ، جميع هذه المبادئ بات واضحا اليوم أن عكسها هو القائم والمطبق مبدئيا..
ومن أبى إدراك هذا وأصر على اعتماد غيره من الأساليب، فإنه إما يوهم نفسه بالسراب أو هو جزء من لعبة الغرب عن وعي أو عن غير وعي، وإن كانت الثانية، فتلك المصيبة!!!