بل هو خيرٌ لكم

ربّما يرى المتشائمون وأهل الخور في التكالب الصهيو-صليبيّ- الذي اشتدّ واحتدّ بعد طوفان الأقصى، نذير شرّ على الأمّة، ولكنّه -بإذن الله- نذير خير يذكّر الأمّة بذروة سنام دينها، بالجهاد والتضحية والشّوق لدخول الجنّة تحت ظلال السّيوف، ونذير خير يلوي أعناق شباب الأمّة نحو أسودها، في زمان كادت تنقرض فيه الأسود.. ربّما لن تمرّ سوى بضع سنوات حتى نرى كتائب العزّ تجوب أرض فلسطين كلّها لا تخشى إلا الله وحده، كما تجوب الآن قطاع العزّ بعد حرب تمنّى مسعروها أن تنهي المقاومة!
الأمل في الله واجب، ووعد الله آت لا محالة، ونحن إن كنّا نريد الخير لأنفسنا في الدّنيا والآخرة، فينبغي لنا أن نسعى لنكون جزءًا من النّصر القادم؛ بأيدينا إن استطعنا، وإلا فعلى الأقلّ بعودتنا الجادّة والصّادقة إلى ديننا، وبدعواتنا التي نخلطها بدموعنا ونرفعها بالليل والنّهار، وبأموالنا التي ينبغي أن نخصّص جزءًا منها لإخواننا المرابطين ونحن مقبلون على شهر الجود والجهاد، وربّما ليس يخفى علينا أنّ جُلّ آيات الجهاد قدّم فيها الجهاد بالمال على الجهاد بالنّفس.
رمضان قادم وما عادت تفصلنا عنه سوى أيام قلائل، ورمضان هذا العام ينبغي أن يكون مميّزا ومختلفا، لأنّه يتزامن مع الأحداث الحاسمة والمفصلية التي تعيشها الأمّة في بيت المقدس وحوالي بيت المقدس، أحداث لا تترك لكلّ واحد منّا سوى خيارين؛ إمّا أن ينضمّ إلى معسكر الإيمان، أو يميل إلى معسكر النّفاق.
رمضان هذا العام يقول لكلّ مسلم: هل يليق بك أيها المسلم أن يكون همّك الوحيد في أيام وليالي شهر الفتوحات هو ما تملأ به مائدتك وما تتخم به معدّتك، وإخوانك في الأرض المقدّسة يقاسون الجوع والعطش لأجل أن تظلّ فلسطين مسلمة، ولأجل أن يبقى الأقصى مسجدا ولا يتحوّل إلى هيكل يهوديّ؟ هل يليق بك أيّها المسلم أن ترصد 5 ملايين أو أكثر لمائدة رمضان، ولا تخصّص ولو ألف دينار لإخوانك المسلمين في غزّة وأنت تراهم يأوون إلى بيوت مهدّمة، ويجتمعون حول كسر يابسة، ويلبسون ثيابا بالية، ويشربون من مياه ملوثة؟
رمضان هذا العام ينادي فينا جميعا أنْ قد آن أوان التوبة الصادقة والجادّة، لوجه الله أولا، ثمّ لأجل أن يكون كلّ واحد منّا سببا في تعجيل النّصر لإخوانه، ولا يكون سببا في تأخيره عن المرابطين الذين ينوبون عن الأمّة في الدّفاع عن شرفها ومقدّساتها.. رمضان هذا العام سينادي فينا جميعا أن اخفضوا أصوات اللهو واللّعب وقلّلوا مصاريف الكماليات وأنقصوا من ساعات السّهر في المقاهي، لأجل الله، ثمّ لأجل إخوانكم.
هذه الأيام التي بقيت تفصلنا عن رمضان حاسمة ومهمّة في إعداد قلوبنا وأرواحنا وتهيئتها لاستقبال الشهر الفضيل.. من كان عليه قضاء من رمضان الماضي، فليصمه هذه الأيام، ومن أراد أن يتطوّع بالصيام فليتطوّع فالصيام بعد انتصاف شعبان جائز، وقدوتنا كان يصوم شعبان إلا قليلا.. ومن نسي الصّدقات طول العام فليحرّك يده إلى جيبه في هذه الأيام بمدّ يد العون لإخوانه في الأرض المباركة، ولإخوانه أهل الحاجة من حوله.. ومن حرم قيام الليل بعد رحيل رمضان الماضي، فليعد هذه الأيام، وليعوّد نفسه طول القيام، وقبله ليجدّد عهده مع الصلوات الخمس وليعوّد نفسه المحافظة عليها في بداية وقتها.. ومن سوّلت له نفسه هجر القرآن، فليعد إلى كتاب ربّه هذه الأيام، وليهيئ له قلبه وروحه، حتى يلتذّ به في رمضان.