-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بن الشريف والتاريخ المفترى عليه!

بن الشريف والتاريخ المفترى عليه!

برحيل العقيد أحمد بن الشريف قبل أسبوع، تأكد مرة أخرى أن التاريخ في الجزائر لا يزال حلبة سجال، جعلت منه النعراتُ والجهويّات والحسابات الضيقة، للأسف، كلأً مستباحًا، يصول ويجول فوق مضماره الوعر كلّ من هبّ ودبّ، ولو كان زاده من التاريخ مجرّد أباطيل وإشاعات، تكرّرت حتّى تقرّرت في نظر قائليها!
لا يعنينا إطلاقا سيْلُ الكتابات والتعليقات التي رافقت فقدان الرجل، لا قدحًا ولا مدحًا، حتى لا نسقط في فخّ المتقوّلين على التاريخ، ولا نملك إلاّ أنّ نسجل أنّ مؤسس جهاز الدرك الوطني هو ضابطٌ سابق في الجيش الفرنسي إلى غاية جويلية 1957، وتلك حقيقة لا يُماري فيها أحد، لكنه بعد ذلك، صار بطلا من كبار مجاهدي الثورة وصانعي مؤسسات الاستقلال، والباقي متروكٌ لشهادات الفاعلين الصادقين وتقرير المختصِّين من الباحثين المؤهَّلين.
والأمر في هذه الحالة لا يخصّ شخصًا بعينه، كائنًا منْ كان، بل يشمل وقائع ومنعرجات وخيارات وقرارات، حدثت في سياقات تاريخيّة حسّاسة، وملابسات غامضة، وظروف ثوريّة في غاية التعقيد والتشابك.
لكن الغريب، أنّ عصر التواصل الاجتماعي قد كشف عن اتجاهات خطيرة في التعاطي مع محطات التاريخ وأحداثه الجسام، سقطت معه كل الرموز والمرجعيّات، ولم تسلم من الغمز والهمز حتّى الثورة التحريريّة، كأهمّ منجز حضاري في مسيرة الشعب الجزائري على مرّ التاريخ.
لقد سجّل عميد المؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القاسم سعد الله قبل 30 عامًا أنّ ثلاثة مُعيقات ذاتيّة تحول دون توثيق موضوعي للتاريخ في الجزائر، وهي الثقافة الشفهية لسكان المغرب العربي، وسلوك المجاملة، ثم تسييس التاريخ في إطار الصراع والتنافس على السلطة، لكن يبدو أنّنا اليوم أمام مُعطى آخر أكثر خطورة، وهو بروز “الأنا” المعبّر عن الدشرة والدوّار والعرش والجهة، إذ يسعى كلّ طرف إلى تلميع سيرة الآباء والأجداد، واحتكار البطولات والأمجاد، مقابل تجريم “الآخر” لأجل الانتصار للقريب على حساب البعيد.
هذا ما تكشفه هذه الأيام ثنائيّة شعباني وبن الشريف، وقبلها قضية لغرور وعجّول وعبان ومؤتمر الصومام، ثمّ واقعة ملّوزة في بني يلمان، وما يُثار حول ثورة المقراني ودور بعض الطرق الصوفيّة خلال حقبة الاحتلال…!
لقد تحوّل الجميع، في إطار الاتهامات والاتهامات المضادّة بين الأعراش والمناطق، إلى ناطقين باسم الحقيقة التاريخيّة، يبرِّئون ويجرِّمون على مقاسهم القبَلي، ويضعون الأعلام البشريّة بين منزلتين لا ثالثة بينهما: شيطان أو ملاك!
صحيحٌ أنّ الدولة، بمؤسساتها العلميّة والثقافية والسياسية، عاجزة بعد نصف قرن من استرجاع السيادة عن تحقيق كتابةٍ مُحايدة لفصول التاريخ الوطني، أو تعوزها الإرادة السياسيّة في تنفيذ هذه المَهمَّة الأساسيّة، قصد الاستمرار في توظيف الشرعيّة التاريخية كقاعدة للانفراد بالسلطة، لكن يجب الإقرار كذلك أنه قد تُوجد نقاط قاتمة في بعض زواياه الحادّة، ربّما تقتضي المصلحة العليا الإبقاء عليها طيّ البحث الضيّق والدقيق للمؤرخين، بدل تداولها شعبويًّا على قارعة الطريق، مثلما يتناول روّاد المقاهي ونسوة الحمّام أعراض الناس في حديثهم الخاصّ!
ذلك أنه ليس كلّ ما يشاع على الألسن أو يتواتر بين المتكلمين هو حقيقة مطلقة لا يرقى إليها الشكّ، حتى لو صدّقته روايات المجاهدين، بل يبقى مجرد مذكرات في أحسن الأحوال، فيها الكثير من الذاتية والانطباعات وتصفية الحسابات، حتّى يغربلها المؤرخ المستقلّ بالمنهج العلمي الرصين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • الشيخ عقبة

    تقول بكل قلة حياء ( ففي نظر المصابين بالغرور الثوري ان الفضل كل الفضل يعود للاوراس وجرجره لو لاهما ما استقلت الجزائر ) فعلا وفي نظر الغير المغرورين من أمثالك ( الحركى وعملاء العدو ) يعتبر شهداء الأوراس وجرجرة والشمال القسمطيني والهضاب العليا عامة وجبال امسيردة وكل شهداء الجزائر من المغرر بهم ؟ سجلات العدو الفرنسي السرية تؤكد أنك على خطإ عظيم والتاريخ الحديث - سنوات الإرهاب - يبرهن على عكس ماتقول .من واجه الإرهاب ؟ لولا الوطنيين وعلى رأسهم أبناء الأوراس وجرجرة ومن معهم من أمثال خالد نزار والعماريين وتوفيق ومن معهم من ابناء الجزائر لكانت جماجم أمثالك في مزابل كابول تلعب بها الكلاب والضباع .

  • الشيخ عقبة

    ( بعض المسؤولين الفاسدين الأحياء حاليا أفسد وأخطر من كل الذين سبقوهم ) المهم مات الله إيرحمو ومهما تكن مستوى سلطته لا ترقى إلى قوة االتسلط وغطرسة بن بلله وبومدين وغيرهم كونه مجرد منفذ لا أكثر ( ربي سبحان الوحيد الذي يعلم خفايا ونوايا وكل أفعال البشر ما ظهر منها وما بطن وهو الوحيد الذي يملك حق مساحبتهم بعد وفاتهم حسب ماتعلمنا في ديننا ) سبق أن قلت عبارة ردا على تعليق في مقال سابق وندمت ايما ندم عن قولها . ( أنا انحب الرجال من اصحاب الجلفةوهم موجودين )

  • Lamouri

    القضيه لا تمس بن شريف وحده بل تمس منطق شاسعه في الجزائر ( الوسط الجزائري والجنوب ) وكان هاتين المنطقتين كانتا في سباه عميق اثناء الثوره ففي نظر المصابين بالغرور الثوري ان الفضل كل الفضل يعود للاوراس وجرجره لو لاهما ما استقلت الجزائر اما اهل الوسط والجنوب لم يساهموا لا من بعيد ولا من قريب والدليل اين موقعهما من الاعراب في سياسه التوازن السياسي .
    لنلق نظره على سبيل المثال اغلبيه ضباط فرنسا لاي منطقه ينتمون ؟ بن شريف من ضباطها تمرد عن الاستعمار بمحض ارادته عام 1957 والتحق بجيش التحرير بالولايه الرابعه .
    نسبه الحركى وعملاء فرنسا لاي جهه ينتمون ؟
    احداث ملوزه ماهي اسبابها الحقيقيه ؟

  • ترمب

    هؤلاء الكائنات ..سيبقون مجرد كائنات عثت في مستقبل وآمال ومال الشعب مالم يتجرأ عليه المحتل الفرنسي...لأن المحتل الفرنسي يخجل من انتماءه البشري..ويحترم الى حد التقديس مبادءه وأخلاقه ..التي منعته من ارتكاب الحماقات التي أرتكبها(هؤلاء)الكائنات التي تتساقط مثل أوراق الخريف...الشعب قدم النفس والغالي والنفيس وهؤلاء الكائنات استولوا على كل شيئ وتركو الشعب يعيش ومازال الحرمان والفقر وضياع ماله وعرضه

  • أستاذ

    ما تفضلت به يا كاتب المقال أاو ما أصاب تاريخنا لا يقتصر فقط على تاريخ الثورة التحريرية أو الفترة الفرنسية بل على تاريخ هذه الأرض بفتراته وحقباته المختلفة من التاريخ القديم الى الوسيط الى الحديث الى المعاصر والكارثة أننا رفضنا أن نتعلم من هذه الأخطاء حيث لا نزال نرتكب حماقات ستدفع ثمنها الأجيال المستقبلية

  • الحقيقة توجع

    الاوائل الذين كتبوا التاريخ ليسوا منزهين تماما او معصومون انما ارادوا ان يخبرونا بقولهم لنا نتحداكم الا تفترفوا الاخطاء ذاتها ولاننا نكره ان نخيب ظن الاباء والاجداد الاولين فينا اقترفنا نفس الاخطاء وجين اثلتنا لهم ولنا باننا لسنا اقل غباء منهم رددنا بنشوة المنتصر ( التاريخ يعيد نفسه ) وبها يؤكدون انهم الكائنات الوحيدة التي لا تتعلم من اخطائها

  • عبدو

    اقترح ان نمحو كل التاريخ قبل 1962 ونبدا صفحة جديدة

  • صالح بوقدير

    دسائس فرنسا واختراقاتها للثورة والثوار جعل التاريح حقلا ملغما إذا نجوت من لغم انفجر عليك آخر فلو كان للإستقلال طعما مميزا لكانت عظمة دولتنا من عظمة ثورتنا لكن الدسيس سطا على السطح وغمر الاصلى فصرنا قوم تبع تستهويناشطحات المندسينن وتجلبنا صيحاتهم وليس لنا هم إلا البكاء على الاطلال ننتشي باستقلال موهوم.

  • الناقد

    أعجبني قول وزير الثقافة عز الدين ميهوبي في إحدى الحصص عندما سؤل عن مسلسل ابن باديس و ما تعرّض له من نقد فقال أن الجزائريين عنهدم صفة مميّزة و هي أنهم يحسنون صناعة التاريخ لكنهم لا يحسنون كتابته.
    مشكلتنا أننا لا نتقبل النقد و لو كان صادقاً و نقره في أنفسنا !
    الإنسان ليس ملكاً فهو يصيب و يخطأ و هذا شيء عادي لكن في الجزائر، كل منطقة تريد توثيق ملاحم و بطولات و نجاحات الشخصية الوطنية التي تنحدر و تلهب الدنيا إذا خرج إلى الإعلام من يبرز بعض أخطاء تلك الشخصية ! التريخ يجب أن يكتب بحلوه و مره و الأجيال القادمة هي من ستحكم في النهاية !

  • صالح الاوراسي

    نعم يا استاذ ولكن هل يمكن التشكيك في بعض الوقائع التي تطابقت عليها شهادات المجاهدين مثل واقعة اعدام العقداء الثلاثة (لعموري-نواورة -عواشرية)؟

  • المجرب..

    انا لا اشك في مسيرة الرجل .لاني ركبت سيارات الاجرة التي تمر على الجلفة الى البليدة و سمعت باذني بعض السائقين من كبار السن يتكلمون عن بطولات بن سريف في هذه المناطق ..لكن الثورة مشتعلة منذ 1954 بالاوراس وبقاؤه في الجيش الفرنسي الى غاية 1957 ثم ليلتحق بالثوار يحتاج الى توضيح واثباتات ودلائل خدم فيها الجيش الجزائري سريا عندما كان في صفوف العدو ...لان نية الغائب او التائب مستقبلا هي من تعطي الحقائق.

  • سليمان

    ربما المقال جانب الصواب لأنك لا تجد اختلاف بين معظم الجزائريين حول الكثير من الطغاة