-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
سجلت ثورة تنموية أنست قاطنيها سنين الجمر

بن طلحة .. نموذج للعيش معا في سلام

سعيد باتول
  • 3163
  • 1
بن طلحة .. نموذج للعيش معا في سلام
ح.م
بن طلحة

باتت منطقة بن طلحة ببراقي بالعاصمة، تعد بمثابة منطقة إستراتيجية هامة بامتياز، ويعود ذلك إلى المشاريع الهامة التي سطرتها الدولة لإخراجها من الخراب والدمار الذي لاحقها خلال العشرية السوداء، لتتحوّل إلى أكثر المناطق ازدهارا بعاصمة البلاد، وتحوّلت إلى مقصد لعشرات العائلات القادمين من مختلف نواحي الوطن.

.. قبل عشرين سنة أي في سنوات التسعينيات، لم يكن لأحد من سكان منطقة بن طلحة وبراقي وسيدي موسى والأحياء المجاورة لها، يتصور أن تصبح هذه المنطقة التي عانت طيلة سنوات من الإرهاب وسجلت مجازر مروعة، كمكان آمن يستقطب عشرات السياح من كافة أنحاء الوطن وحتى من الأجانب، ناهيك عن تزاحم الجزائريين على السكن بها، لما وفرته السلطات من مرافق عمومية هامة كالمدارس والملحقات الإدارية وقاعات العلاج وغيرها.

مشاريع سكنية وأخرى تنموية كسرت حاجز العزلة

الزائر لحي بن طلحة يلفت انتباهه للوهلة الأولى التعايش الدائم بين كافة مكوّنات المجتمع، فهذا الحي أضحى يقطنه جزائريون من 48 ولاية، مسجلا “رحيلا” جماعيا نحوه من مختلف مناطق العاصمة سواء من باش جراح والجزائر الوسطى وحيدرة. مواطنون أبوا إلا أن يسكنوا هذه المنطقة لما توفره من سبل للراحة والطمأنينة والسكينة، كما سجل قدوم مواطنين من ولايات أخرى شاءت لهم الأقدار أن يستقروا، ويعود هذا إلى الأمن المستتب بهذا الحي، بعد إقرار مبادرة الوئام المدني وما صاحبها من إقرار للسلم والمصالحة الوطنية بين أبناء الحي الواحد، وهي المبادرة التي أضحى بفضلها أبناء المنطقة من أهالي ضحايا المأساة الوطنية سواء المغرر بهم أو أهالي الشهداء يتعايشون فيما بينهم وتجمع بينهم حتى علاقات صداقة متينة، ذابت معها نيران الانتقام والأحزان.

“الشروق” انتقلت إلى حي بن طلحة، للوقوف عن كثب عند حال المنطقة التي عانت من ويلات الدمار والخراب طيلة سنوات، حيث لفت انتباهنا تغيرا ملحوظا في الوجه العام للحي، في ظل استفادته من مشاريع إستراتيجية، قضت نهائيا على العزلة التي صاحبته لعقود من الزمن، فعشرات المدارس والابتدائيات والثانويات تم تشييدها بالأحياء الواقعة بها، على غرار حي 2004، أو حي الجيلالي وغيرها من الأحياء، وهو ما ساهم في تقريب الحي من منطقة براقي، والأكثر من ذلك تمت برمجة عشرات المشاريع السكنية التي عادت بالفائدة على المنطقة، على غرار الحي السكني الجديد ببن طلحة وحوش الميهوب وغيرهما من الأحياء المحاذية للحي، كل هذه المشاريع استدعت توفير مرافق عمومية، على غرار قاعات علاج وعيادات متعددة الخدمات ورفع عدد وسائل النقل التي تربط الحي بالمناطق المجاورة له على غرار الكاليتوس وبراقي وسيدي موسى والحراش.

وقد أصبحت بن طلحة اليوم مدينة تقترب شيئا فشيئا من براقي، لاسيما بعد تشييد ما يسمى “الحي الجديد” ليقابل “الحي القديم”. أما الحياة، فقد عادت إلى مجراها العادي، شارعها الرئيسي يعيش على وقع أقدام الرجال والنساء الذين يقتنون حاجاتهم اليومية من المتاجر والمحلات الكثيرة الموزعة على أطرافها. وفي آخر هذا الشارع، يقع حيا الجيلالي وبودومي اللذان وقعت فيهما مجزرة 1997.

من حظر التجوال إلى منطقة سياحية بامتياز

عندما دخلنا حي الجيلالي، وجدنا رجالا مجتمعين حول طاولة قرب مدرسة ابتدائية وهم يلعبون “الدومينو” لقضاء وقت الفراغ في انتظار صلاة المغرب. وكان شاب في الثلاثين بالقرب منهم فسألناه عن ضحايا المذبحة، فرد قائلا: “الكل هنا تضرر منها، كل عائلة فقدت أحد أبنائها” وكان وسط هؤلاء الرجال مسعود، أحد ضحايا وشهود أحداث بن طلحة.

وفي دردشة مطولة مع هؤلاء، أقر عمي مسعود بأنهم عاشوا سنوات من الرعب، ولكن إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، مكنهم من التخلص من الرعب الذي عاشوه، فقد تحوّلت المنطقة “الميتة” حسب تعبيره إلى مكان حي وآمن ومليء بالنشاط صيفا وشتاء.

ويضيف محدثنا أنه في سنوات التسعينيات لم يكن أحد يجرؤ على البقاء خارج البيت بعد السادسة مساء، حيث كان مفروض علينا حظر التجول، ولكن بعد 1999، تحوّلت المنطقة شيئا فشيئا إلى مكان للنشاط، وما زاد في ازدهار المنطقة هو إنشاء منتزه بن طلحة في إطار مشروع تهيئة وادي الحراش، الذي أضحى يضم مرافق رياضية وترفيهية، حوّلته إلى متنفس للعائلات، فكثير من قاطني المنطقة صاروا يتوجهون يوميا للتفسح به، وقضاء سهراتهم على ضفاف الوادي، ناهيك عن نقل أبنائهم للاستمتاع بالمناظر الخلابة والتسلية في المرافق المنجزة به، ففي الوقت الذي كان الخوف يتملكنا كلما ارخى الليل سدوله، صرنا نمضي ساعات بالمنتزهات، وما زاد من إحياء المنطقة السهرات الفنية والترفيهية التي تسطرها السلطات خلال موسم الاصطياف أو في رمضان.

بن طلحة .. المدينة البيضاء

أما سليم الذي عايش الأحداث عندما كان في السابعة من العمر، فقال “الحمد لله بن طلحة أضحت مكانا للنشاط التجاري، فأبناء المنطقة تخلصوا من العزلة التي صاحبتها والشيء الجميل أنها باتت مقصدا للعائلات من كافة أنحاء العاصمة والولايات المحيطة بها”، وأردف “حقا، الأمن الذي ننعم به نعمة افتقدناها طيلة عشرية، ويعود هذا بفضل إقرار سياسة السلم والمصالحة الوطنية من طرف الرئيس بوتفليقة، وهو ما جعلنا نتطلع إلى مستقبل مشرق”.

ونحن بصدد الخروج من منطقة بن طلحة لفت انتباهنا الحلة الجديدة لهذه المدينة، التي خرجت من النفق المظلم، مكتسية حلة بيضاء، بعدما تم تسطير برنامج ضخم لإعادة تهيئة العمارات والمباني القديمة، على غرار عمارات حي 2004، ما سمح بإعطاء جمالية للمحيط، خاصة أن العملية تلتها تهيئة شاملة للحي ووضع أعمدة عصرية للإنارة العمومية وغيرها، لتتحوّل بن طلحة إلى مدينة بيضاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عليلو الوهراني

    اتركوا الإسلام والله يساعدكم وتتغير حياتكم للابد