-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بهذا تدوم أفراحنا بعد رمضان

سلطان بركاني
  • 436
  • 0
بهذا تدوم أفراحنا بعد رمضان

كان عيد الفطر هذه السّنة مختلفا، تحامل فيه المسلمون على آلامهم التي تعاظمت في شهر رمضان مع تجدّد الإرهاب الصهيونيّ المسلّط على أخيار الأمّة في قطاع العزّة غزّة، وأظهروا الفرح بما وفّقوا له من الصيام والقيام، وكلّهم رجاء وأمل في أن يتقبّل الله منهم صالح الأعمال والأقوال والأحوال، ويجيب دعواتهم التي رفعوا بها أكفّهم في ليالي العشر الأواخر، بإعزاز الدّين ونصرة المجاهدين.

حتّى المكلومون في أرض الرباط، تحاملوا على آلامهم واستعلوا على جراحهم، وأظهروا للأمّة بسمة تخفي خلفها غصصا لا تسيغها أنهار الدّنيا! وكلّهم أمل في أن يعود العيد في قابلٍ وهم في عِزّة ومنعة ونصر وتمكين.

مطلوب من كلّ مسلم أن يكتم أحزانه ويظهر الفرح بالعيد، وفي خَلده حديث النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم-:  “لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمه”. وهذا الفرح عبادة يؤجر بها العبد المؤمن، ويظلّ باقيا في قلبه يغمر روحه سعادة وطمأنينة متى ما دام العبد لله على ما كان عليه في رمضان. فالله شكور حليم، يجازي بالإحسان إحسانا: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون)). ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب)) (الرعد :28).

إنّه لا يليق بالعبد المؤمن بعد أن وجد راحة قلبه وأنس روحه في الصلاة والصيام والقيام، إلا أن يدوم على ما كان عليه في رمضان.. هو ما رأى من ربّه الكريم إلا الخير والبركة والإحسان، فليس يليق أبدا أن يعود إلى حياة الغفلة والتّفريط بعد رمضان، ويهجر المسجد ويعمر المقهى، ويترك المصحف ويعكف على الهاتف.

أمدّ الكريم –سبحانه- في أعمارنا حتى أدركنا رمضان ونحن في صحّة وعافية وأمن وأمان، ووفقنا للصيام والقيام، وألقى الطمأنينة والسعادة في قلوبنا، فليس يليق أبدا أن نقابل إحسانه بأن نترك طاعته بعد رمضان: ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان))؟

إنّ الله غنيّ عنّا وعن طاعاتنا، وإنّما يريد –سبحانه- أن يُسعدنا في الدّنيا بطاعته، وفي الآخرة برضوانه وجنّته، يقول –جلّ وعزّ- كما في الحديث القدسي: “يا عبادي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلاَّ مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَه”.

إذا كان رمضان قد رحل، فإنّ ربّ رمضان حيّ قيوم لا يموت ولا يغيب؛ المساجد لن تغلق أبوابها بعد رمضان. قيام الليل لن ينقطع بعد رمضان وسيظلّ الودود –سبحانه- ينادينا في الثلث الأخير من كلّ ليلة: “هل من سائل فأعطيه، هل داع فأستجيب له”. الصيام لن تنقطع أجوره بعد رمضان؛ هناك الستة من شوال، وهناك الإثنين والخميس من كل أسبوع، وثلاثة أيام من كلّ شهر. باب الصدقات لن يوصد بعد رحيل رمضان؛ فالفقراء ينتظرون الإحسان في كلّ شهر، وبيوت الله تنتظر الباذلين والمتطوّعين في كلّ وقت؛ فإياك أخي المؤمن أن يشتاق المسجد إلى جبهتك. إياك أن يشتاق المصحف إلى أناملك. عِش رمضان آخر في شوال وذي القعدة وذي الحجّة، وفي كلّ الشهور، وستجد -بإذن الله- السّعادة والطمأنينة التي وجدتها في رمضان تصبغ حياتك كلّها.

عندما تحدّثك نفسك بترك الصلاة في المسجد بعد رمضان، وتغريك بالتهاون في صلاتك، فذكّرها بحال إخوانك القابضين على الجمر في أرض العزّة غزّة؛ إخوانك عاشوا في رمضان هذا العام محنة تنهدّ لها الجبال، ومع ذلك لم يفرّطوا في دينهم؛ كانوا يصومون من دون سحور ويفطرون على الماء والكسر اليابسة إن وجدوها، هدمت مساجدهم وما عادوا يسمعون أذانا، ومع ذلك صاموا وصلوا صلاة القيام.. فهل يليق بك أنت أن ننقض غزلك وأنت الذي تعيش الأمن والأمان وتغدق عليك الخيرات من كلّ جانب؟! إنّنا جميعا مسؤولون عن النّعيم الذي نعيش فيه، خاصّة وأنّه في وقت يعيش فيه خيرتنا وأخيارنا محنة الجوع والخوف والتشريد والقتل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!