بوادر الفيدرالية

أصبحت الإغتيالات السياسية هي التي تلون المشهد اللبناني منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وبالتالي لن يكون اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيير أمين جميل، آخر من يغلق قائمة الإغتيالات السياسية التي فتحتها الحرب الأهلية منذ ثلاثين سنة، وكأن هذه الحرب الملعونة قد تواصلت بطريقة أخرى.
لقد أصبح من السهل جدا أن يتبادل الفرقاء السياسيون في لبنان التهم المجانية بعد كل عملية اغتيال سياسية، وهي التهم التي تزيد من الاحتقان والذي من شأنه أن يعود بأبناء الوطن الواحد إلى حرب أهلية أخرى. ولكن السؤال الذي يطرح في كل مرة من المستفيد من الجريمة؟
والحقيقة، إذا كان اغتيال رفيق الحريري قد فتح الأبواب على مصراعيها لتدويل الأزمة اللبنانية، حيث أقر مجلس الأمن الدولي إخراج قوات الجيش السوري من لبنان وتجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها وفتح تحقيق قضائي في اغتيال الرئيس الحريري، فإن اغتيال وزير الصناعة ابن الرئيس الأسبق أمين الجميل يأتي في سياق ملابسات دولية لتؤكد أن الساحة اللبنانية قد تحولت خشبة مسرحية جاهزة لكل السيناريوهات، أصبح اللبنانيون يتحركون فوقها مثل عرائس الڤراڤوز!!
كان من الطبيعي أن يستشعر حزب الله قوته بعد الحرب التي خاضها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، وهي الحرب غير المتكافئة والتي اعترف القادة الإسرائيليون فيها بهزيمتهم النكراء، ومن الطبيعي أيضا أن يطالب هذا الحزب باستقالة الحكومة التي وصفها بالعاجزة ويسحب ممثليه في هذه الحكومة ويطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ولكن عندما يخترق الرصاص رأس أحد وزراء هذه الحكومة والذي ينتمي إلى الفريق الذي يعارض التواجد السوري في لبنان، يغذي الانطباع ويقوي الشكوك الظاهرية أن النظام السوري يقف وراء هذا الاغتيال، بل إن ابن الرئيس رفيق الحريري قد راح مباشرة يشير بأصابع الاتهام إلى النظام السوري!
صحيح أن اغتيال الوزير بيير أمين جميل، يكون إلى حين قد أوقف إسقاط الحكومة ومنع حزب الله من احتلال الشارع، ولكن أن يسارع مجلس الأمن الدولي إلى إقرار تشكيل محكمة دولية في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، يؤكد أن الأمور قد فلتت من اللبنانيين أنفسهم بما في ذلك أولئك الذين يستنجدون بالقوى الأجنبية التي ماانفكت تتدخل في الشؤون الوطنية باسم الشرعية الدولية!
لقد أصبح السفيران الأمريكي والفرنسي يصولان ويجولان في شوارع بيروت وكأنهما يتسوقان في شوارع واشنطن وباريس. وإذا ما كانت أمريكا قد خفت لهجتها الدبلوماسية تجاه سوريا على عكس فرنسا، فالظاهر أن مخطط التقسيم الأمريكي الذي نفذته أمريكا في العراق قد أصبح جاهزا في لبنان.
وبالفعل، فإن بوادر الحكم الفيدرالي قد بدأت تلوح في سماء بيروت، حيث ينقسم اللبنانيون إلى سنيين وشيعيين ومسيحيين، بل إن المسيحيين أنفسهم يكادون ينقسمون إلى طائفتين.
لقد قسمت فرنسا لبنان إلى طوائف في زمن الاحتلال، فهل تتحول الطوائف إلى دويلات مثلما تريد ذلك أمريكا في العراق. وفي أسوأ الأحوال، تبقى إسرائيل المستفيد الأكبر سواء من تقسيم لبنان أو تقسيم العراق. فالعراق لم يعد قوة إقليمية تهدّد إسرائيل التي أصبح شغلها تأمين حدودها الشمالية!