-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الاحتلال المغربي للصحراء والاحتلال الصهيوني لفلسطين

بين الاحتلال المغربي للصحراء والاحتلال الصهيوني لفلسطين

أظهر العدوان الصّهيوني على غزة خرقا فاضحا لشرعية منظمة الأمم المتحدة والأجهزة التّابعة لها، فالكيان الإسرائيلي– بالنسبة إلى السّياسة الخارجية الأمريكية– هو أداتها لتحقيق أمنها القومي، وما التطبيع العربي– الإسرائيلي إلا خيانة لتلك القيم والمبادئ الإنسانية، إذ في جوهره عمل دولي يظهر استبدال المبادئ الأممية بالمصالح ضمن اصطفاف الدّول إمّا إلى المعسكر الشّرقي الأكثر انسجاما وقربا من تلك المبادئ الثّابتة أو إلى المعسكر الغربي، الذي أصبح يتبجح بالقوة إلى جانب القوى الإمبريالية، فمن الدول من قايضت المبدأ بالمصلحة وهذا على حساب القضايا العادلة كالقضية الفلسطينية، والقضية الصحراوية.
كانت القضية الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر 2023، قد تأخرت على سلم أولويات العالم، إذ كانت اتفاقات التطبيع تجري على قدم وساق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لولا “طوفان الأقصى” الذي استعاد مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والعالمي وبعثر أوراق اتفاقيات أبراهام، وأجهض مسار التطبيع العربي مع إسرائيل وأقبره، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من إسقاط الدولة العربية الأهم من الناحية الاقتصادية والرمزية الدينية في فخه، وبعدما كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تأخذ خطوات في السنوات الأخيرة لإتمام صفقة تقضي على حقوق الفلسطينيين، بعد أن تراجعت حتى عن موقفها التاريخي بخصوص مدينة القدس ونقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس، اعترافًا منها بأحقية دولة الاحتلال بالمدينة.
وبالرغم من الثمن الباهظ وحرب الإبادة البشعة، يقف العالم اليوم على حقيقة أن السلام لكي يكون دائما لا بد أن يكون عادلا، وأن الالتفاف على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، من خلال مسار “أوسلو” الموقع برعاية الولايات المتحدة 13 سبتمبر 1993، لم يكن ليؤسس للسلام المرجو، بل العكس، المزيد من الحيف والاستيطان والقتل.
فقد قلب “طوفان الأقصى” كل موازين العالم شرقا وغربا، وأسقط كل الأقنعة المزيفة والدعايات الأنجلوصهيونية، وجرف أكاذيب حملات المحبة والسلام والتمكين العسكري والأمني لمن يتحالف ويطبع مع تل أبيب.
وأصبح صوت فلسطين المقاوم يتردّد داخل ردهات البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي، وأنصار الصهيونية محاصرون بصوت الأحرار في أمريكا وأوروبا وبريطانيا وكندا والعالم كله.
العدوان الإسرائيلي على غزة أحرج الأنظمة الخائنة المطبّعة، وحشرها في الزّاوية، فكانت جميع صفقات واتفاقيات التطبيع التي تم إبرامها مع الأيادي الملطخة بدماء الأطفال والعزّل في فلسطين وفي الصحراء الغربية، بمثابة صدمة للشعوب العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع بكل أشكاله، ولكن تبقى المسؤولية هنا هي مسؤولية هذه الشعوب في مواجهة هذه الخيانات التّاريخية لأنظمة تبحث عن تحقيق البقاء ولو على حساب رغبة شعوبها كنظام المخزن الذي لم يكتف فقط بقمع الاحتجاجات الشعبية داخل البلاد، بل استغل القضية الفلسطينية كوسيلة للابتزاز الدولي، تمامًا كما يستخدم الاحتلال الإسرائيلي “مكافحة الإرهاب” كذريعة لاضطهاد الفلسطينيين.
النظام المغربي الذي يستمد قوته من علاقته الخفية مع أكبر آلة قمعية في العالم ويروج لخطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية للحصول على دعم مالي وسياسي من أوروبا، هو نفسه يمارس قمعا وحشيا ضد شعبه المغلوب على أمره من خلال قمع المسيرات المليونية والوقفات اليومية التي أسقطت التطبيع شعبيا وأدانت جرائم الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن يسقط رسميا حتى يكون هناك تناغم بين الرسمي والشعبي لأن التطبيع مع إسرائيل أدخل نظام المخزن في مأزق سياسي كبير، جراء إمعانه في التطبيع وتجاوزه لكل الخطوط الحمراء في علاقاته مع الكيان الصهيوني المحتل، بإبرام اتفاقيات عسكرية والدخول في تحالفات خطيرة، تهدّد مستقبل المملكة والمنطقة برمتها، وسط رفض شعبي كبير وتصميم على توقيف هذا المسار الخائن الذي وصل حتى المساجد، ومنع المصلين من الدعاء لأهل غزة وصلاة الغائب على شهداء العدوان.
لقد أوضحت أغلب الأحزاب في المغرب بأنه على الرغم من الاحتجاجات العارمة، مازال نظام المخزن يرفض التفاعل مع المطلب الشعبي الداعي إلى فك الارتباط مع الكيان الصهيوني المحتل، وإلغاء اتفاق التطبيع المشؤوم، لأن استمرار التطبيع لا يزيد الكيان الصهيوني إلا تعنتا وغطرسة وإمعانا في القتل والتهجير والإجرام وتخريب المنطقة وزرع الفتن وزعزعة استقرارها، رغم التحذيرات المتصاعدة من خطر الاختراق الصهيوني لمفاصل الدولة المغربية.
وعلى عكس رغبة الشّعب المغربي المسلم الذي يعيش بين مطرقة المخزن وسندان العرش الملكي الخائن، حفاظا على البقاء في الكرسي ضاربا بالقيم المغربية المتضامنة مع فلسطين أشدّ التضامن عرض الحائط.
يذكرنا تاريخ 07 أكتوبر 2023 الفلسطيني، بتاريخ 07 أكتوبر 1989 الصحراوي على حسب شهادة ضباط مغاربة منشقين، عندما تمكّن مقاتلو جيش التحرير الشعبي الصحراوي من تجاوز الجدار الأمني والانقضاض على الجنود المغاربة، وكانت هزيمة نكراء لم يعرفها الجيش المغربي من قبل، مما دفع بالملك الحسن الثاني إلى التفاوض مع قيادة جبهة البوليساريو من أجل وقف إطلاق النار، ولولا ذلك لكانت مهزلة كبيرة للجيش المغربي (سريان وقف إطلاق النار كان في 06 سبتمبر 1991). وهو ما دفع نظام المخزن وقتها إلى استبدال المبدأ الذي يعطي حقّ الشّعب الصّحراوي في تقرير مصيره بسياسة الهروب إلى الأمام، منتهجا إستراتيجية التكتّلات والشّراكات والاستثمارات كجانب اقتصادي تقني مع الحاجة إلى الجانب السّياسي الذي جاء به في مظهر عنيف، وهو التّطبيع للحصول على اعتراف بكل أطماع الإقليم في التّمدّد.
جاء إعلان تطبيع المغرب مع الاستعمار الصهيوني مرفقا بالاعتراف الأمريكي بالسيادة اللاشرعية للاحتلال المغربي على الصحراء الغربية، وهو موقف يترجم علاقات قديمة بين هذه الكيانات الاستعمارية، فالمملكة المغربية ومنذ السنوات الأولى لاختراع الكيان الصهيوني الاستعماري دخلت معه في علاقات تبادل للمصالح سياسيا وعسكريا وإرساء الاستعمار الإحلالي لهذا الكيان مقابل المساعدة في الإبقاء على الملكية المغربية والمشاريع التوسعية والاستعمارية التي قادها المغرب في شمال إفريقيا وآخرها استعمار أرض الصحراء الغربية والحرص على تقوية العلاقات مع الحلفاء كما أن أمريكا راعية هذا الاتفاق ظلت دومًا القوة الداعمة للاستعمار في إفريقيا والشرق الأوسط.
ولكي نفهم العلاقة بين هذين الاستعمارين لابد وأن نرجع لسياق العلاقة بينهما تاريخيا، فقد ساهم المغرب في إرساء المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة من خلال إرسال هجرات استيطانية لليهود المغاربة نحو الأراضي المحتلة بداية الخمسينيات، وساعد الكيان في التجسس على القمة العربية في المغرب سنة 1965، وما تلا ذلك من مساعدة في بسط علاقات الكيان مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة مثل تمهيد الاتفاق بين السادات والصهاينة في لقاء سري احتضنه المغرب سنة 1977، كما نظم المخزن لقاء بعض الدول العربية برجال أعمال صهاينة في قمة الدار البيضاء سنة 1994 التي أعلن فيها عن نهاية مقاطعة إسرائيل عربيا.
كان هذا في مقابل خدمات الكيان الصهيوني للمغرب بداية باغتيال المعارضين المغاربة مثل بن بركة سنة 1967، وصولا لصفقات السلاح التي كان أولها سنة 1963 ثم مساعدة المغرب عسكريا ولوجستيا في استعماره للصحراء الغربية سنة 1975 وبناء الجدار الذي يفصل بين الأراضي الصحراوية المحتلة والمحررة سنة 1987.
ورغم أن الإعلان لم يأت بشيء جديد على مستوى موقف أمريكا من القضيتين الفلسطينية والصحراوية، وهو موقف مضاد لحق الشعبين في الحرية ومساند للمستعمرين من حيث التسليح والدعم السياسي، فإن العودة العلنية للعلاقة بين الاحتلالين الصهيوني والمغربي مقابل الاعتراف بسيادة الأخير على الأراضي الصحراوية يضع القضيتين في ترابط ومصير مشترك مثل ترابط أعدائهما – الكيان الصهيوني والملكية المغربية.
فقد استعانت الملكية في المغرب بسياسات الاستعمار الصهيوني في فلسطين بداية بسياسة الاستيطان مثلما حدث في المسيرة الخضراء وهي الهجرة الاستيطانية التي جاء فيها 350 ألف مغربي إلى الصحراء الغربية إلى جانب الغزو العسكري سنة 1975، مرورا بجرائم الإبادة، ووصولا لاستنساخ تجربة جدار الفصل العنصري، وقمع المقاومة وتقنيات التجسس.
ولعل أكبر تأثير للتعاون بين الاستعمارين المغربي والصهيوني وراعيتهما أمريكا على الشعب الصحراوي كان ولا يزال هو التعاون العسكري وصفقات السلاح، حيث استعان نظام المخزن في حربه ضد الصحراويين طيلة سنوات الحرب الأولى 1975-1991 بدعم غربي، كما يستعين به اليوم بعد خرقه لاتفاقية وقف إطلاق النار التي كان وقعها مع الدولة الصحراوية في 1991 وعودة الشعب الصحراوي للكفاح المسلح يوم 13 نوفمبر 2020 بعد هجوم قوات الاحتلال المغربية على صحراويين كانوا يتظاهرون سلميا من أمام ثغرة الكركرات غير الشرعية، حيث وقع المغرب صفقة لطائرات استطلاع بقيمة 48 مليون دولار مع الكيان الصهيوني لتعزيز قدراته العسكرية، إلى جانب دعم عسكري أمريكي وفرنسي بالمجان للحماية.
إذا لا يمكن قراءة إعلان عودة التطبيع بين الكيان الصهيوني والمملكة المغربية بمعزل عن تتمة الاتفاق، وهو الاعتراف الأمريكي بالاستعمار المغربي للصحراء الغربية، أي تبادل الدعم بين احتلالين برعاية المستعمر الأول أمريكا التي قامت بالأساس على الغزو والإبادة والتطهير العرقي للسكان الأصليين وكانت دوما الحامية للكيان الصهيوني والداعمة لسياسات الاستيطان والاحتلال والحرب التي مارستها وتمارسها المملكة المغربية ضد الشعب الصحراوي الأعزل، إلى جانب إسبانيا وفرنسا مؤخرا وتأييدهما للطرح المغربي المخالف للقانون والشرعية الدولية.
إن مثل هذه الصفقات التي تترجم تواطؤ كيانات الاحتلال في انتهاكات ومصادرة حقوق الشعبين الفلسطيني والصحراوي مقابل غض الطرف عن الممارسات، تضعنا الآن كشعبين يتجرعان مرارة الاستبداد أكثر من أي وقت مضى فالمصير المشترك نفسه، مما يستوجب علينا معا ضرورة توحيد النضالات والجهود وبناء علاقات تضامن ودعم لبناء نضال مشترك ضد عدوين لم يعد تعاونهما ضدنا سرا.
كما يجب على أي حركة مناهضة للتطبيع مع العدو الصهيوني والخيانة لحقوق الشعب الفلسطيني ونضالاته من أجل الحرية والاستقلال على كامل التراب الفلسطيني أن تشمل أيضا دعما وتضامنا مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال التام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!