-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
دعوات لمنع "التيك توك" بسبب "تراندات" خطيرة

بين الحجب والتقنين.. جزائريون يبحثون عن بدائل رقمية آمنة

مريم زكري
  • 856
  • 0
بين الحجب والتقنين.. جزائريون يبحثون عن بدائل رقمية آمنة
ح.م

تتعالى الأصوات المحذّرة من تزايد التأثير السلبي للمواقع والتطبيقات في الجزائر، خاصة على الأطفال، وسط دعوات متكررة لحجبه أو تقنين استخدامه، بالنظر إلى ما يروج له من محتويات خطيرة نفسيا وتربويا على الأطفال، حيث لم تعد هذه المنصات مجرد وسيلة ترفيهية، بل تحولت إلى قوة جذب تستدرج المراهقين والتلاميذ نحو شهرة زائفة وسلوكيات خطيرة مقابل رفع نسبة المشاهدات والربح السهل، والتسبّب في انحرافات خطيرة وصلت حتى مقاعد الدراسة.
في سؤال كتابي وجهه النائب البرلماني عبد الباسط بوهالي إلى الوزير الأول، يطالب فيه السلطات باتخاذ قرارات لحجب منصة “التيك توك” في الجزائر لما لها من خطر على المجتمع، كما أصبح يشكّل خطرا حقيقيا على مستخدميه، من فئة الأطفال، خاصة فيما يتعلق بـ”الترندات” التي يتم الترويج لها من قبل مواقع أجنبية، واستعمال قرار الحجب كحماية لهم مستقبلا من التأثيرات السلبية لهذه المواقع.
وتتباين آراء المختصين والخبراء حول طريقة معالجة مثل هذه الظواهر ما بين قرارات الحجب أو المنع كحلول استعجاليه لتجنّب المزيد من المخاطر، وضرورة تجاوزها بالبحث عن بدائل آمنة، تتضمن محتوى تربوي هادف، وتشريعات وقوانين صارمة، لحماية الأطفال ومرافقتها افتراضيا، وعدم حرمانهم من مزايا التحول الرقمي ومواكبته.

خلق محتوى جزائري وتفعيل “اليقظة التنافسية”
وفي هذا الموضوع، اعتبر رئيس شبكة “ندى” لحماية الطفولة، عرعار عبد الرحمان، أن ما يشهده المجتمع من تأثيرات متزايدة لمواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تطبيق “التيك توك”، بات جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للجزائريين، مشدّدا على دعم جميع المقترحات التي تهدف إلى الحماية والتقليل من وتيرة الانحراف والمخاطر، وتساءل عرعار عن أهمية بعض هذه التدابير على المدى البعيد، خاصة فيما يتعلق بحجب المواقع، قائلا أن هذه الإجراءات غير كافية، على حد قوله، لأن التكنولوجيا والتحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي في تطوّر متسارع وكبير -حسبه- وسيكون لها في المستقبل القريب تأثير شامل على مختلف جوانب الحياة بما في ذلك الأطفال، ومن غير المنطقي، حسبه، أن يتم منعها كليا، خاصة وأننا بحاجة إلى مواكبة هذه التطوّرات الرقمية في العالم.
وشدّد رئيس شبكة “ندى”، على ضرورة البحث من الآن في بدائل مستقبلية واستباقية، تعتمد على إجراءات وقائية، منها تفعيل “اليقظة التنافسية” والتي تركّز على جودة ونوعية المحتوى، وتأمين الولوج السلس والآمن للأطفال إلى الأنترنت، إضافة إلى الحاجة الماسة لإنتاج محتوى جزائري موجه للصغار عبر مختلف المنصات الرقمية، وهي الإجراءات التي تغيب حاليا بمختلف المنصات في الجزائر.

تفادي تخويف الأطفال من التكنولوجيا
وأضاف المتحدث أن التحولات الرقمية في الجزائر بدأت في أخذ مسارها الصحيح حاليا، غير أنها -حسب عرعار- بحاجة إلى تشريع قوي لتدعيم هذه التحولات، من خلال الاستعانة بموارد بشرية جزائرية قادرة على المنافسة في فضاء مواقع التواصل.
وحذّر المتحدث من تخويف الأطفال من التكنولوجيا، بدلا من حمايتهم من خلال تمكينهم منها وتعليمهم الطرق الصحيحة للتعامل معها عبر إشراك كل الفاعلين والسياسات العمومية في رسم إستراتيجية وطنية شاملة ترتكز على الحماية، وتعمل على التكيّف مع التحوّلات الرقمية والتعايش معها، بما تحمله من محاسن ومخاطر، على حد قوله.

الحلول التقنية لا تكفي…
ويرى الخبير في التكنولوجيا والرقمنة، علي كحلان، أن الجزائر تمتلك القدرة التقنية لحماية فضائها الرقمي من أي محتوى مضر أو موجه، من خلال ما يعرف بالحجب الشبكي، وهي آلية تعتمد على منع الوصول إلى البيانات المرتبطة بتطبيقات معينة، على غرار “التيك توك”.
وأوضح كحلان، في تصريحه لـ”الشروق”، أن تطبيق هذا النوع من الحجب يكون بالتنسيق مع مزودي خدمة الأنترنت عالميا، مثل ما تفعل بعض الدول في حالات خاصة، معتبرا أن هذه الإجراءات الخاصة هي استجابة للمخاطر الرقمية، خصوصا عند ظهور محتويات تهدّد المجتمع أو تؤثر على الفئات الهشة فيه كالمراهقين وتلاميذ المدارس.
وبالمقابل، نوّه المتحدث إلى أن الحلول التقنية لوحدها لا تكفي بما أن التطور التكنولوجي اليوم يجعل من السهل تجاوز الحجب من خلال استعمال بعض الطرق منها “VPN” أو “البروكسي”، لهذا من الضروري -حسبه- أن ترافق هذه الخطوة حلول أعمق تتماشى مع متطلبات المجتمع، خاصة فئة الشباب.
وبخصوص تطبيق “التيك توك”، أشار كحلان إلى أن خوارزمياته القوية قادرة على خلق ارتباط نفسي شديد بالمحتوى، الأمر الذي يستدعي الحذر في طريقة عمل هذه المنصات، مشيرا إلى إمكانية فرض قيود عمرية وزمنية بالتعاون مع متاجر التطبيقات والمنصات نفسها، على غرار ما هو معمول به في النسخة الصينية من التطبيق “Douyin” التي تقيد زمن الاستخدام بالنسبة للقصر، بالإضافة لاستخدام تقنيات متقدمة مثل تحليل البيانات العميق لرصد استخدام التطبيق، مع ضرورة وضع إطار قانوني واضح لذلك.
وأكد كحلان، أن الدولة تتجّه نحو بناء سيادة رقمية حقيقية، على حد تعبيره، من خلال تعزيز الوعي الرقمي، والعمل على خلق محتوى محلي آمن، وتنظيم التعامل مع المنصات العالمية، مع الدعوة إلى الشفافية في الخوارزميات، كما أشار إلى أهمية التربية الرقمية، قائلا إن الحماية لا تعني المنع فقط، بل تعني التوجيه والتعليم وتوجيه العائلات إلى الطرق الصحيحة لمتابعة ابنائهم، بالاعتماد على حلول عملية منها تحديد أوقات الاستخدام بالتعاون مع المنصات.
من جهة أخرى، وفي تحليله لآلية عمل هذا التطبيق، قال كحلان، إن “التيك توك” يعتمد على خوارزميات معقدة تتابع كل سلوك المستخدم، من وقت المشاهدة والتفاعل، إلى أدق التفاصيل مثل التوقف عند جزء معين من الفيديو، بهدف إبقاء المستخدم أطول وقت ممكن داخل التطبيق، واعتبر أن هذا الأمر يعمل تلقائيا على التحفيز المفرط لدى المراهقين، كما يضاعف التركيز ويؤدي إلى الإدمان، ناهيك عن خطر الوقوع في فقاعات المحتوى السلبي أو العنيف وهو ما يتسبّب، حسب المتحدث، في مضاعفة الاضطرابات النفسية أو التصرفات الخطيرة.

ميثاق أخلاقي لضبط محتوى المواقع الافتراضية
وبدوره، حذر عضو الاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ، عز الدين زروق، من خطورة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تطبيق “التيك توك”، على تلاميذ المدارس، مؤكدا أن هذه الوسائط تحولت إلى هوس لدى الشباب، يغريهم بالمال والشهرة على حساب الدراسة والقيم التربوية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الانحراف عن مسارهم الدراسي، بل ويدفع بعضهم ثمن هذا الانجراف في أروقة المحاكم والسجون، بعد ترويجهم لمحتوى مخل بقيم المجتمع الجزائري.
وأوضح زروق، أن الظاهرة تفاقمت إلى درجة أن بعض الأولياء باتوا يشجعون أبناءهم على الانخراط في هذا العالم الرقمي، بدافع تحقيق مكاسب مالية، غير مدركين للعواقب النفسية والتربوية والاجتماعية لمثل هذا السلوك، وكشف المتحدث أن طبيعة المحتويات التي يروّج لها على هذه المنصات، يشجع معظمها على التهريج، السخرية من الشخصيات العامة، الافتراء ونشر التسجيلات التي تمس بخصوصيات الناس وقيم المجتمع، من أجل جذب التعليقات والمشاهدات، والحصول مقابلها على مكافآت مادية، وهو الأمر الذي جعل المراهقين يتعلقون بها أكثر مع مرور الوقت، مؤكدا أن هذا الانجراف ينذر بخطر كبير يهدّد التلاميذ ويبعدهم عن مقاعد الدراسة، ويجعلهم يلهثون وراء شهرة زائفة.
ودعا المتحدث إلى تدخل عاجل وحازم من الجهات المعنية، من خلال إطلاق حملات تحسيسية واسعة تستهدف التلاميذ وأوليائهم، لتعريفهم بالمخاطر الحقيقية لهذه المنصات، كما ثمّن بعض الدعوات بالبرلمان مؤخرا إلى حجب منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تطبيق “التيك توك”، مؤكدا أن ما تشهده هذه الوسائط من تجاوزات خطيرة يستدعي تدخلا صارما من السلطات، وضرورة وضع ميثاق أخلاقي يضبط محتواها ويمنع المساس بقيم المجتمع وخصوصيات أفراده.

“يوتيوب كيدز”… بديل آمن للأطفال
وفي تعقيبه على الانتقادات الموجهة إلى صناع المحتوى عبر منصة “التيك توك” وغيرها من التطبيقات، أكد “التيكتوكر” معرف محمد رمزي، أن مسؤولية حماية الأطفال من المحتوى غير المناسب تقع أولا وأساسا على عاتق الأولياء، وليس على صنّاع المحتوى، قائلا أن الأبناء هم مسؤولية أوليائهم، وأضاف رمزي أنه ضد الاستخدام والتصفح العشوائي للهاتف النقال من قبل الأطفال دون السن القانوني، أين أصبح الأولياء يتركون أبناءهم يتنقلون بين التطبيقات الخاصة بالكبار ومشاهدة كل ما يتم بثه، وانتقد المتحدث هذا التصرف قائلا بما انه توجد بدائل أخرى يمكنها أن تكون آمنة على أطفالنا، فلم لا يتم توجيههم إليها مثل تطبيق “يوتيوب كيدز”، المخصّص للأطفال.
واعتبر المتحدث أن الحل يكمن في توجيه الأطفال نحو منصات آمنة، بدلا من تحميل صناع المحتوى وزر ما يشاهده القصر عبر هواتفهم من دون رقابة، مضيفا أن “يوتيوب كيدز” تطبيق خاص بالأطفال، وهو بديل مناسب وأفضل من تركهم يتنقلون بحرية في محتوى مخصّص للبالغين، ودعوته إلى ضرورة تحمل كل طرف مسؤوليته، سواء الأسرة من خلال التوعية والرقابة، أو الدولة عبر سن القوانين الرادعة، بدلا من اللجوء إلى قرارات عامة كحجب “التيك توك”، التي قد تحرم شريحة واسعة من الشباب من فرص اقتصادية ومهنية مهمة عبر هذه المنصة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!