-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
صيام الأطفال أول مرة

بين العادات المتوارثة والإسراف والبذخ

نسيبة علال
  • 782
  • 0
بين العادات المتوارثة والإسراف والبذخ
ح.م

يحتفل الجزائريون، منذ مئات السنين، بالصيام الأول لأطفالهم، وباختلاف المناطق تختلف العادات وتتغير الطقوس.. كانت بسيطة تهدف لتشجيع الصغار على الطاعات والعبادات، وتحولت مع العصرنة إلى تقاليد استعراضية تستنزف الجيوب والقلوب.

 تقوم عائلات متيجة، وبخاصة البليدة وما جاورها، بطقوس خاصة، عرفت منذ القديم على أنها بذخ يصاحب صيام الأطفال لأول مرة، ويزداد هذا البذخ مع مرور السنوات، بحيث كان الوالد يصطحب طفله أو طفلته الصائمة، إلى إحدى أسواق البليدة الشعبية، ومرورا بمحلات الفواكه والمكسرات إلى محلات الثياب والألعاب والورود، يقتني الوالد ما لذ وطاب من أطعمة تشمل لحم العجل وفواكه مجففة على رأسها التين والزبيب والبرقوق.. والأهم من كل هذا، أن يحصل على بدلة أنيقة، يفضل أن تكون تقليدية، يمكن أن يشعر بها الطفل الصائم بالتميز والمكافأة نظير الإنجاز، لتحتفظ بها الأم للعيد، فلا يشتري بدلة ولا حذاء آخر.. في وسط الدار، تنصب مائدة متنوعة، لا تشهدها العائلات إلا في المناسبات الخاصة جدا، يترأسها الطفل الصائم. وفي هذا اليوم، يمكنه أن يحل مكان أبيه أو تحل الفتاة مكان أمها.. بعض هذه العادات تلاشت في مناطق من الأطلس البليدي، وزادت ترسخا في مناطق أخرى، فاستمر البليديون يحيون إفطارا خاصا للطفل الصائم أول مرة، ولكن ليس بشراء بعض الغرامات من لحم العجل، وإنما بذبح خروف، وعادة ما يصادف هذا الطقس ليلة النصف من رمضان، وتحضر لهذه السهرة حلويات محلية شهيرة كالبقلاوة والقطايف والصامصة، دون أن ننسى رمز المنطقة، معجون الحمضيات.. كلها باستعمال مكسرات على غرار الفستق واللوز والجوز. أما اللباس الذي يستقبل به الطفل الصائم المحتفلين به من العائلة والجيران، فيتم خياطته وطرزه يدويا بمقاسه ولونه المفضل. للإشارة، فإن هذه الطقوس التي تتسم بالإسراف لا تقتصر على العائلات البليدية الغنية فقط، فأبسط الناس يمكنهم إحياؤها والتحضير لها مسبقا.

في المنطقة الشمالية الشرقية، وبالتحديد في منطقة القبائل، تحتفي العائلات بصيام أبنائها بأسلوب أقل إسرافا، مهما استمرت العصرنة في نحت وتعرية العادات العريقة، فللصيام الأول هناك احتفالات معنوية روحية أكثر مما هي مادية، إذ إن أهم عادة أن يتم إفطار الصائم الصغير في أعلى المنزل، حتى وإن كان السقف قرميدا، وإن تعذر الأمر، فإن والده يرفعه فوق سلم عال، كدليل على رفعة ما قام به الطفل وسمو مقامه بين المحيطين به، ويصبح بإمكان الولد الجلوس إلى مجالس الكبار. أما الفتاة، فيسمح لها بعد ذلك بالتنقل مع أمها ومشاركتها تجمعات النسوة، وحتى استعمال حليها الفضية. وكثاني إنجاز يقوم به الطفل في رمضان، يطلب منه والداه ويشجعانه على حفظ كتاب الله- عز وجل-.

لعل الغرب الجزائري الأكثر بذخا في الآونة الأخيرة، بخصوص احتفالاته بصيام الأطفال أول مرة، ففي وهران، يجب أن تقوم عزومة كبيرة للعائلة والأحباب، يفطرون ببيت الصائم، ويسهرون على الحلويات والمكسرات وجلسة طربية لإحدى الفرق الفلكلورية المحلية حتى الفجر. كما أن الصائم يجب أن يحظى بهدايا، هي عبارة عن ألعاب أو مبالغ مالية. وغير بعيد عنها، في تلمسان، للفتاة الصائمة الذهب والجوهر، فلابد من أن تتنازل الوالدة عن قطعة من صندوق مجوهراتها لابنتها، التي تصوم أول مرة، ويستحسن أن تكون حليا ذهبية متوارثة، جاءتها هدية عن أمها أو جدتها، كما أن التلمسانيين يحتفلون بهذه المناسبة بإحياء ما يصطلح عليه بـ”الوعدة”، فيطهون كميات لا بأس بها من الكسكسي، ويقدمونها كصدقة للجيران، مزينة بقطع من اللحم والكثير من الفواكه الجافة كالزبيب والمكسرات، طمعا في أن تكون بقية أيام الطفل الصائم مباركة وحلوة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!