-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين العُطلة والعَطالة!

سلطان بركاني
  • 453
  • 0
بين العُطلة والعَطالة!

العطلة فرصة سانحة لإجمام الفؤاد والتّرويح عن النّفس والأهل والأولاد، بأنواع المباحات، وما أكثرها.. وتسليةُ النّفس بين الحين والآخر، أمر مطلوب شرعا، تندفع إليه النّفوس طبعا. وليس حراما أن يغيّر المسلم في أيام عطلته الجوّ الذي يعيشه في أيام عمله ويطلب لأهله أجواءَ مختلفة ترتاح لها النّفوس ويُنسى معها عناء العمل وأجواؤه.. لكن هل يليق أن يأخذ الترويح أشهر الصّيف كلّها؟ وهل يسوغ أن تُقضى أيام العطلة الصّيفية من أوّلها إلى آخرها بين الشواطئ وكرة القدم والمهرجانات والحفلات؟

لقد أصبحت العطلة عند كثير منّا لا تتوقّف عند حدّ التّرويح المباح عن النّفس، بل تعني التملّص من كلّ الواجبات والالتزامات وكلّ ما هو جديّ في هذه الحياة.. بل ربّما أصبحت تعني عند بعض منّا إضاعة الصّلوات والتفلّت من القيود وغشيان المحرّمات.. أصبح فصل الصّيف فصلا تتهاوى فيه كثير من الهمم ويسود فيه الكسل والخمول وتتعطّل المصالح.. كثير هم أولئك الذين تمضي معهم أيام الصّيف وهم بين همّ وغمّ وقلق ونكد؛ بسبب الفراغ.. ثلاثة أشهر كاملة تضيّع فيما يضرّ ولا ينفع؛ نوم إلى منتصف النّهار، ثمّ جولات ومباريات، ثمّ سهر إلى آخر الليل في حفلات الأعراس، أو في المقاهي أو مع مواقع التواصل.. لا غاية ولا برنامج ولا هدف!

في فصل الصّيف، يطول النّهار ويصل عدد ساعاته 17 ساعة، أي ما يفوق 1000 دقيقة في النّهار؛ فهل يجوز وهل يسوغ أن تضيع كلّ هذه السّاعات والدّقائق فيما لا ينفع في دين ولا دنيا؟ هل يجوز أن تقضى أيام الصّيف وساعاته كلّها على الشّواطئ وفي اللّعب ومتابعة مباريات كؤوس البطولات هنا وهناك؟ هل يجوز أن ينسى شبابنا محن أمّتهم وإخوانهم وتتعلّق قلوبهم إلى حدّ الهوس والجنون بمباريات وبطولات لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟

من حقّنا أن نروّح عن أنفسنا في عطلة الصّيف، لكنّه ربّما يكون من الغفلة أن ننفق 3 أشهر كاملة في اللّعب والرّاحة والاستجمام، بعيدا عن أيّ هدف نسطرّه في هذه العطلة الطّويلة.. عطلة الصّيف فرصة عظيمة لكلّ واحد منّا لينظّم حياته ويصحّح مساره، ويجعل لنفسه وزنا في هذه الحياة. يستطيع الواحد منّا أن يتقدّم بنفسه وحاله ومستواه خطوات إلى الأمام. يرفع عن نفسه الجهل بدينه وواقعه. يتعلّم ضروريات دينه؛ يتعلّم أصول عقيدته، وأحكام التيمّم والوضوء والغسل والصّلاة، وأحكام ترتيل القرآن. يتعلّم تفسير الجزء الأخير من كتاب الله، ويطالع كتابا نافعا.. يتعلّم شيئا من قواعد اللغة العربية وأبجدياتها. يكتب أفكاره في شكل مقالات. يختار نوعا من أنواع الخطوط العربية ويتعلّمه بدل أن يقضي حياته كلّها وهو يكتب بخطّ لا يكاد يقرأ. يبحث عن عمل في الحلال يكسب من ورائه مصروفه بدل أن يبقى عالة على والده. ينظّم غرفته وبيت أسرته. يصلح ما أمكنه إصلاحه من أثاث البيت… المهمّ أن يقضي على الفراغ؛ فالنّفس إن لم تشغل بما ينفع شَغلت صاحبها بما يضرّ.

لو اجتنب المؤمن الحرام في عطلة الصّيف هذه؛ لو اجتنب التعرّي على الشّواطئ، والسّهر في حفلات الأعراس أو مع الإنترنت وفتات القنوات، والنّوم عن الصّلاة، واستغلّ ساعة واحدة كلّ يوم فيما ينفعه في دنياه وأخراه؛ لو فعل ذلك لجنى في نهاية العطلة خيرا كثيرا.. كيف لو استغلّ 03 ساعات أو أربعا كلّ يوم؟

كان عبد الله بن مسعود –رضـي الله عنه- صحابيّ رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلّم- يقول: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي”.. فيا أحبابي الشّباب: اتّقوا الله في أوقاتكم وأيامكم.. لا ينبغي أبدا أن تضيع 90 يوما كاملة أو أكثرُ من أيام الصّيف في غير ما ينفع.. لا ينبغي أبدا أن يضيّع الواحد منكم أكثر من ألفي ساعة في عطلة الصّيف في غير ما ينفعه في الأولى والآخرة.. دينكم وأمّتكم في أمسّ الحاجة إليكم.. وأنتم تستطيعون أن تقدّموا الكثير.. على الأقلّ أن تحافظوا على الواجبات وتتركوا المحرّمات وتعرفوا قدر الأعمار والأوقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!