-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين جزيرة “مايوت” المسلمة و “أوكرانيا”.. تناقض الاتحاد الأوربي!

بين جزيرة “مايوت” المسلمة و “أوكرانيا”.. تناقض الاتحاد الأوربي!

من بين تداعيات الحرب في أوكرانيا على العالم الغربي، والإشارات الحاملة للمستقبل على التبدل الحاصل في النظام العالمي الراهن الأحادي القطب، ما يحصل الآن في جزيرة “مايوت” (ماهوري) المسلمة، الفرنسية! إن وضع هذه الجزيرة مقارنة بما يحدث في جنوب أوكرانيا يُعيد طَرح مسألة مدى شرعية احتلال أقاليم أجنبية وضمها للوطن الأم باسم الاستفتاء. وضع الاتحاد الأوروبي برمته يعيش التناقض بعينه؟
كيف يُصادق الاتحاد الأوربي في سنة 2014 على اعتبار جزيرة “مايوت” البعيدة بألاف الكيلومترات (أكثر من 8000 كلم بالطائرة) على أوروبا جزءا من الاتحاد الأوربي، ومن منطقة اليورو، وجزء من إقليم الدولة الفرنسية، وولاية من ولاياتها، بحجة أن سكان هذه الجزيرة قد رفضوا الاستقلال عن فرنسا عن طريق الاستفتاء سنة 2009، وهم الذين كانوا محتلين من قبلها منذ سنة 1846… في حين لا يعتبر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وإقليمي “لوغانسك” و”دونتسك “بعد الاستفتاء ضما مشروعا وينبغي تعبئة كل القوى العسكرية الغربية لرفضه؟؟
أليست جزيرة “مايوت” جزء من دولة جزر القمر ـ الاتحاد القمري ـ (التي هي عضو في جامعة الدول العربية)؟ ألم ترفض دولة جزر القمر انفصال إحدى جزرها الأربعة عنها والانضمام لفرنسا؟ ألم تُصادق الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتبار جزر القمر وحدة واحدة ينبغي ألا تنفرد فرنسا بإحدى الجزر منها وتضمها إليها ولو عبر الاستفتاء؟ لماذا لم يقف الغرب مع جزر القمر لاستعادة إحدى جزرها ويقف مع أوكرانيا رغم أن كل مكونات جزيرة “مايوت” لا علاقة لها لا بفرنسا ولا بالغرب. على خلاف شبه جزيرة القرم مثلا التي هي ملتصقة ترابيا بروسيا وتتكلم معها نفس اللغة وتشترك معها في نفس الثقافة، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المناطق في أوكرانيا؟
يبدو أن ما يحدث اليوم بجزيرة “ماهوري” سيتطور وفق التبدلات الأخيرة الحاصلة في العالم، بالرغم من محاولة السلطات الفرنسية تهدئة الأوضاع في هذه الجزيرة البعيدة عنها والتي ضمتها لها “بالقانون” في السنوات الأخيرة، بخاصة هذه الأيام. لقد أدى تسارع الهجرة غير النظامية نحوها (عبر القوارب بحكم أنها جزء من الاتحاد الأوروبي)، وازدياد الولادات بها من قبل سكان الجزر الأخرى القريبة منها (لاكتساب الجنسية) إلى تسارع الأحداث بها وإعادة طرح مسألة الاحتلال من جديد. هل يعقل أن يجد السكان المحيطون بالجزيرة جزء من شعبهم يعيش في منطقة اليورو، ويستفيدون من مزايا الاتحاد الأوروبي ولو جزئيا دون ردة فعل؟ هل يعقل أن يمنع جزء من الشعب القمري من إحدى جزره رغم الروابط الثقافية واللغوية والدينة المشتركة؟
إن هذه الجزيرة التي توصف بالخلابة والغنية بالبترول و”البن” و”الفانيلا” و”جوز الهند” والتي بدون زهرة “اليلانج” العطرية التي تنفرد بها، لن تتطور صناعة العطور الباريسية وستنهار علامات شهيرة مثل “بيار كاردان “و”نينا ريتشي” وغيرها… لم تكن فرنسا لتضمها لإقليمها لولا هذه الثروات، وبرغم أنها تعرف كون 97 بالمائة من سكانها يدينون بالإسلام منذ سنة 632م (وفرنسا بلد اللائكية)، وأنهم يتكلمون القمرية أو العربية، أي لا يعرفون اللغة الفرنسية، وتاريخيا و ترابيا وحضاريا وثقافيا لا تربطهم أية علاقة مع فرنسا، ومع ذلك حدث الضم واعتبره الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مشروعا وبطلب من السكان… ولا أحد طرح مسألة وحدة أقاليم الدول.
إنه الكيل بمكيالين الذي أصبح اليوم محل سؤال مع ما يحدث بأوكرانيا… لذلك فإن المعايير التي تحكم العالم بالفعل ستتغير، ولن يكون ما بعد هذه الحرب القائمة في أوروبا أبدا مثل ما قبلها… أما ملف جزيرة (ماهوري) فسيبقى مفتوحا على كافة الاحتمالات… ألم تكن هذه الجزيرة قبل الاحتلال الفرنسي تسمى “جزيرة الموت”؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!