-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بيوتٌ غير مطمئنّة!

سلطان بركاني
  • 317
  • 0
بيوتٌ غير مطمئنّة!
ح.م

يُجمِع الأئمّة، عبر كافّة مساجد الوطن، على أنّ المشاكل الأسرية في البيوت الجزائريّة، قد تفاقمت خلال السّنوات الأخيرة بصورة رهيبة، حتى لا يكاد يمرّ بالإمام يوم لا يسمع فيه شكوى زوج من نشوز زوجته واستئسادها، أو شكوى زوجة من إهمال زوجها وفضاضته وقسوته، أمّا قضايا الطّلاق التي تعرض على الأئمّة وعلى المحاكم، فإنّعددها قد تخطّى كلّ الخطوط الحمراء، ولا أدلّ على ذلك من أنّ الأرقام الرسمية تشير إلى تجاوز عدد حالات الطّلاق 70 ألف حالة وعدد حالات الخلع 13 ألف حالة، كلّ سنة، وهي الأرقام التي تدعو إلى إعلان حالة الاستنفار بين الأئمّة والمتخصّصين والدّارسين، للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة التي تزداد استفحالا، وتهدّد كيان المجتمع برمّته.

يفترض في البيوت المسلمة أن تكون بيوتا مطمئنّة، تغشاها الرّحمة ويسود بين أفرادها الودّ والتفاهم والتّراحم، ولكنّ كثيرا من البيوت المسلمة في العقود والسّنوات الأخيرة، مع الانفتاح الإعلاميّ على المسلسلات الأجنبية، والتغيير الحاصل على مستوى قوانين الأسرة، إضافة إلى تحوّل العمل في نظر أكثر النّساء إلى ضرورة لا غنى عنها! وما نتج عنه من إحساس المرأة بالاستقلال الماديّ وعدم الحاجة إلى قوامة الرجل وسلطته.. هذه الأسباب وغيرها أدّت إلى تحوّل أكثر البيوت إلى ساحات للخصومات شبه اليوميّة التي تنشب لأتفه الأسباب؛ ارتفاع للأصوات وسباب ولعان، وكلام بذيء في كثير من الأحيان، يتردّد صداه عند الجيران، وتتفطّر له قلوب الأبناء الذين أصيب كثير منهم بالكآبة وبعقد نفسية مستحكمة، بسبب حالة عدم الاستقرار التي يعيشونها في بيوتهم، ما أدّى ببعضهم إلى ترك البيوت، بينما أصبح بعضهم الآخر يأوي إليها في آخر اللّيل، بعد أن يقضي أغلب ساعات اللّيل في الأوكار والزوايا المظلمة.

الأسباب التي أدّت إلى هذا الواقع غير المبشّر بالخير كثيرة، لكنّنا لو أردنا أن نضع اليد على أصل هذه الأسباب وأهمّها، فإنّنا -لا شكّ- سنجد أنّ غياب الدّين هو السّبب الأهمّ؛ حينما غدا الاهتمام بتحكيم شرع الله داخل البيوت آخر ما يفكّر فيه أفراد الأسرة، حتى في الجوانب التعبدية، أصبحت الواجبات الدينية آخر ما يهتمّ به الأفراد.

إضاعة للصّلوات وهجر للقرآن واتّباع للشّهوات

يتحدّث كثير من المهتمّين بـ”التغيير” عن أنّ أهمّ سبب لكثرة المشاكل في البيوت هو تراكم “الطّاقة السلبية” التي تؤثّر على الأفراد وعلى تصرّفاتهم! ولا شكّ في أنّ الحديث عن الطّاقة السلبية هو نزعة غربية علمانية، تسمّي الحقائق بغير مسمّياتها، ولا تستطيع أن تتحدّث عن شياطين تعشعش في البيوت، وتشارك الأفراد في مآكلهم ومشاربهم وأفرشتهم، وتؤزّهم إلى المعاصي، وتذهلهم عن الطّاعات، وتغري بينهم العداوات لأتفه الأسباب.

ليس غريبا أن تمتلئ البيوت التي يهجر فيها القرآن، وتصدح فيها الألحان؛ بالمشاكل والخصومات، بعد أن تهجرها الملائكة وتحل فيها الشياطين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “إنّ البيت ليتّسع على أهله وتحضره الملائكة وتهجره الشّياطين ويكثر خيره، أن يُقرأ فيه القرآن، وإنّ البيت ليضيق على أهله وتهجره الملائكة وتحضره الشّياطين ويقلّ خيره أن لا يقرأ فيه القرآن” (صحيح سنن الدّارمي).

ليس غريبا أن تتفاقم المشاكل بين الزوجين ويعلو في البيت الصراخ، عندما يصرّ أحد الزّوجين أو كلاهما على معصية الله؛ على إضاعة الصّلاة وهجر القرآن وإدمان التفاهات على مواقع التواصل الاجتماعيّ. كثير من الأزواج يشكون نشوز الزّوجات وما دروا أنّهم ابتلوا بما كسبت أيديهم، عندما فتحوا على أنفسهم باب الفتنة على الفايسبوك والماسينجر وتوسّعوا في محادثة النّساء الأجنبيات وممازحتهنّ ومضاحكتهنّ، في الوقت الذي يعاملون فيه زوجاتهم بجفاء وجفاف قاتلين.. وفي المقابل تشتكي كثير من الزّوجات تسلّط الأزواج وما درين أنّهن أُتين من توسّعهنّ وتساهلهنّ في الحديث مع زملاء العمل، حتى أصبحت بعض الزّوجات، تملك الواحدة منهنّ شخصيتين؛ شخصية سبعية غضبية في البيت مع الزّوج، وشخصية مثالية ضحوكة لعوبة مع زملاء العمل وعلى مواقع التّواصل! على النّقيض تماما ممّا يفترض أن تكون عليه المرأة المسلمة التي تخشى الله والدّار الآخرة، والتي لخّصت علية بنت المهديّ أخت هارون الرّشيد سَمتها وشخصيتها بقولها: “نحن رجال مع الرّجال، ونساء مع أزواجنا”.

المعاصي التي تُقترف بين أسوار البيوت وخارجها، سبب من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تفاقم المشاكل الأسرية، وهو السّبب الذي لا يقف عنده ولا يهتمّ به علماء الاجتماع، على أهميته. يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: “إنّي لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي”، وعندما يصرّ أفراد الأسرة على اقتراف المعاصي وغشيان المحرّمات، فإنّ الوحشة تزداد بينهم يوما بعد يوم، حتى يشعر كلّ فرد بأنّ البيت هو أبغض مكان إلى قلبه، وأنّ أفراد أسرته هم سبب قلقه وضجره وتعاسته!

وقلوب تعلّقت بالرواتب والأموال!

من أهمّ أسباب استفحال المشاكل الأسرية، طغيان المادّة على القلوب عامّة، وعلى قلوب النّساء خاصّة، حيث أصبح الراتب عند كثير من النّساء أهمّ من الزّوج والأبناء، وأصبح سببا في إحساسهنّ بعدم الحاجة إلى الأزواج، وتبرّمهنّ من القوامة، ورغبتهنّ في الاستقلال بقراراتهنّ وبكلّ حياتهنّ عن الأزواج؛ فما دامت الواحدة منهنّ تعمل وتتقاضى راتبا وتملك سيارة وتنفق على البيت، فهي تتساءل عمّا يُلزمها بطاعة زوجها وأخذ رأيه في دخولها وخروجها وسفرها؟! وتنسى أنّ القوامة حقّ أعطاه الخالق العدل سبحانه الرّجل، مقابل حقوق أخرى أعطاها المرأة، وأنّ استقلال المرأة الماديّ وتقصير الرّجل في واجبه وفي لوازم حقّه في القوامة؛ كلّ هذا لا يسقط قوامته، إذا لا بدّ لكلّ سفينة من ربّان، وكما تتعامل المرأة العاملة برَوية مع تسلّط وتسيّب مسؤول العمل، حفاظا على منصبها، فينبغي لها من باب أولى أن تتعامل بحكمة مع نقائص الزّوج حفاظا على كيان الأسرة، إلا أن يبلغ التسيّب والتسلّط حدًّا لا يحتمل.

مع غزو النّساء لسوق العمل واستئثارهنّ بأغلب الوظائف في كثير من القطاعات، في العقدين الأخيرين، تفاقمت المشاكل الأسرية، بعد أن زاحمت الزّوجات الأزواج في لوازم القوامة، وأصبح الحديث الغالب بين جدران كثير من البيوت هو حديث “الدّينار” وأصبح الحدث الأكثر تكرارا هو الخصام غير المنتهي حول الرّاتب وصرفه!

إنّ الواجب الأهمّ لعلاج هذا الواقع المرير، هو واجب الأئمّة والدّعاة والعلماء الذين ينبغي لهم أن يولوا أسباب استفحال المشاكل الأسرية اهتماما أوسع ووقتا أكبر في دروسهم ومحاضراتهم، ويتوسّعوا في الأسباب المذكورة، ويركّزوا على تشريح وتبسيط مفهوم القوامة، حتى يكون سببا لإصلاح ذات البين، لا سببا في اتّساع الخرق وزيادة المشاكل، ويهتمّوا بالحديث عن أسلمة الحياة الأسرية، وتحكيم شرع الله بين البيوت، منطلقين من قول الله تعالى: ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!