تجاوز الظالمون المدى
في الوقت الذي ترتفع فيها درجة حرارة المحارق الصهيونية في غزة، في ضوء انتظارها الرد القادم لا محالة، من الشرق ومن الشمال والجنوب، تزداد ضراوة التهديدات باحتمال اتساع رقعة النار إلى خارج هشيم غزة هاشم، لاسيما شمالا مع الحدود الجنوبية للكيان. غير أن الرد الأقسى المنتظر، هو من الجانب الإيراني، الذي لن يفوت حتما الفرصة ليرد على تطاول الكيان الصهيوني واستفزازه لخلية النحل النائمة، بإقدامه على تنفيذ جريمته الشنعاء بحقّ الراحل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وفي الداخل الإيراني، لا بل اغتياله وهو ضيف على الدولة المضيفة في دار الضيافة.
هذه الجريمة، ما كانت لتحدث لولا الضوء الأخضر الذي جاء به رئيس وزراء الكيان من واشنطن والدعم الذي حظي به لاسيما في الكونغرس، من أجل مواصلة حرق ما تبقى وحرق كل الأشرعة وكل السفن الذي تعيد الكيان إلى المربع الأول. غير أن هذا التهور، الذي لا يخدم بالتأكيد مصالح الولايات المتحدة ولا الرئيس بايدن، لم يكن هذا الأخير على وفاق دائم في هذا الأمر بالذات، بل نكاد نجزم بأنه لم يطلع على الأمر إلا في آخر لحظة قبل التنفيذ أو حتى بعده بقليل. إنه الصلف الصهيوني المتمرّد حتى على جزء من القوة التي تسانده بكل ما أوتيت من قوة ودبلوماسية وسلاح وقوانين وردع وتحالف وتغطية وحماية قانونية في المحافل الدولية والقضائية.
مع ذلك، الكيان، هو يقدم على مثل هذه الجرائم التي تهز كيان العالم، وعلى مرأى أعلى المنظمات الإنسانية والحقوقية التابعة للأمم المتحدة، يكون بذلك قد أحرق أوراقه كليا، وتعرى بالمطلق أمام شعوب العالم، ليكتب بعد سنوات من الآن في كتب التاريخ الحديثة: نظام وكيان مجرم، أحرق الأطفال والنساء والشيوخ ودور الأيتام وبيت الله والمدارس والآبار ومنابع الماء وأهلك الحرث والنسل، أباد شعبا أعزل وجيلا قادما بأكمله من أطفال أو أجنة في البطون. كيان نفذ المحارق في شعب، بصورة أفظع وألعن مما صوره التاريخ العالمي الصهيوني من محارق النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ولا حرب إجرامية، عرفها التاريخ الحديث، يمكن أن تقارن بما فعل الصهاينة ويفعلون في الضفة وغزة، وعلى العالم أن يتهيأ للصحو على صبح لم يكونوا يتوقعونه، إن استمر هذا التصعيد في العلاقات الدولية شرق وغربا، ونكرانا للقوانين التي أعدتها ونسجتها هذه الدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن.
العالم كله يتجه إلى حرب شاملة عالمية، وكأن زعماء العالم يرغبون، بعدما استعصى عليهم حل مشاكل العالم بسبب الأنانيات الفردية، في إيجاد حلول عبر الدبلوماسية والتفاهمات، تبدو وكأنها تسعى الآن للوصول إلى “حافة الهاوية” النووية، عبر تنافس وعدم تراجع وتصلب في المواقف في شكل صراع كسر عظام. هذا التوجه يبدو واضحا عبر المكاييل المتعددة للبضاعة نفسها، وتفسير القوانين والقفز عليها عبر إجراءات إنشاء “قواعد” سلوكية، تنشئها الدول العظمى، لاسيما الولايات المتحدة وحلفاؤها، مما يدفع الأطراف الأخرى النووية، وعلى رأسها روسيا ثم الصين إلى اتخاذ القواعد ذاتها لحماية مصالحها ولو اقتضى الأمر إلى أن يصل إلى حدود الحافة النووية.
كل هذا، من جراء التقاعس في تطبيق القوانين الدولية على المقاس نفسه وليس قياسا على مقاسات خاصة بكل دولة وكل قوة، مما يفقد النظام الدولي توازنه وشرعية وجوده أصلا، مع عدم قدرته على المضي قدما في التماسك والتعايش وينذر بانفجار كارثي.