-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تجديدُ الخطاب الديني بين الوهم والحقيقة 

بقلم: كمال أبوسنة
  • 374
  • 0
تجديدُ الخطاب الديني بين الوهم والحقيقة 

في البداية أودّ أن أضبط المصطلح حتى يفقه القارئ ما أرمي إليه فلا ندخل في التيه الفكري بسبب تشعُّب الفهوم في تحديد المصطلحات، ولهذا أقول: إن الموضوع يتحدث عن “الخطاب الديني” الذي يختصّ بالتبليغ عن الله ورسوله فيجمع بين القطعي الثابت الذي لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير لأنه واضح الدلالة، والمتغيّر الذي يكون محلّ اجتهاد المجتهد في ثبوته ودلالته، فتتنوع الآراء وتختلف الرؤى والنتائج اقتضاءً لتغيُّر المكان والزمان والحال، ويجعل الدين الإسلامي مرجعية لمنطلقاته الفكرية.

الأمر الخطير الذي يجب أن ننتبه إليه هو دعوة بعض الداعين إلى تجديد الخطاب الديني من دون التفريق بين الثابت القطعي والمتغيّر الاستنباطي، والحكم الإلهي الذي لا اجتهاد فيه والتفسير الاجتهادي الذي يحتمل أكثر من وجه، فيصبح النص القطعي الدلالة والثبوت في حد ذاته قابلا للنقد والتأويل والإلغاء.

هناك فريقٌ واسع من الكتاب والباحثين يرى أن “الخطاب الديني المعاصر” يعاني خللا كبيرا ساهم في تأخر النهوض الحضاري، وشوّه صورة الإسلام في الداخل قبل الخارج، وعطّل عودته منهجا في الحياة العامة، وفي هذا المذهب النقدي بعمومه ما يبرر بعضا من محاذيره، ولكن الأمر الخطير الذي يجب أن ننتبه إليه هو دعوة بعض الداعين إلى تجديد الخطاب الديني من دون التفريق بين الثابت القطعي والمتغيّر الاستنباطي، والحكم الإلهي الذي لا اجتهاد فيه والتفسير الاجتهادي الذي يحتمل أكثر من وجه، فيصبح النص القطعي الدلالة والثبوت في حد ذاته قابلا للنقد والتأويل والإلغاء، بل وفي بعض الأحيان يصبح النص الضعيف والموضوع المردود، والتفسيرات الشاذة لبعض النصوص التي أهملها جمهور كبار أهل العلم المعتبرين أصلا لهذا التجديد المراد في الخطاب الديني، وهذا الاتجاه هو الذي تتزعمه فئة من المستشرقين وتلاميذهم من العرب، إلى حد محاولة “تغريب الخطاب الديني” وتمييع محتواه!

لا خلاف على أن خطابنا الديني المعاصر أحوج ما يكون إلى التجديد، ولكن السؤال المطروح هو: ما محل هذا التجديد وما هي حدوده؟ وهنا مربط الفرس كما يقال.

نتفق على أن الدين الإسلامي الكامل الشامل المحفوظ بالوحيين هو مرجعُ الخطاب الديني، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.[ المائدة:3 ]، من هنا كان من المهم التعامل مع دعوة التجديد بنوع من الحيطة والحذر حتى لا نسقط في هاوية الاجتهاد في مساحة الأصول التي لا تقبل اجتهادا، أو محاولة “توأمة تفكيرنا الديني” بالديانات الأخرى لإنتاج خطاب يقبله الآخر ومن يسير في ركابه.

والدقة تقتضي أن تكون الدعوة إلى تجديد وسائل الخطاب الديني وآلياته حتى يتوافق مع متطلبات العصر، فيصبح الخطاب الديني أكثر تفاعلا وتأثيرا في الأمة، وفي غير المنتمين إليها من الأمم الأخرى.

إن خطاب القرآن والسنة الصحيحة صالحٌ لكل زمان ومكان، وهذا من الإعجاز الإلهي، غير أن المشكلة التي قد تواجه قدرة الخطاب الديني الحالي على أداء دوره المنوط به يتحمَّل الجزء الأكبر من وجودها في الواقع “المُخَاطِبُ الديني” الذي لا يُعبّر بحق في كثير من الأحيان عن مدلول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بسبب عدم تأهيله الفكري والنفسي، أو لارتباطه بإيديولوجيات تستخدم النص خارج مدلوله الصحيح عن دراية أو جهل فتَضل وتُضِل، فيلتصق خطابها بالإسلام، ويتحول إلى عنوان له فيتحمل وزرها وهو بريء منها!

إننا نعيش عصر التقنية العالية ووسائل الاتصال القادرة على الوصول إلى أبعد نقطة من الأرض، وللأسف نحن المسلمين ما نزال لم نبرع في تسخير التكنولوجيا في سبيل نشر ما نملكه من حق، وما ننشره يفتقد إلى كثير من عناصر الابتكار والجمال أسلوبا وهيأة، كمثل الذي يقدِّم أشهى المأكولات على صينية صدئة يتقزَّز منها الناظرون، وكم من بضاعة ذات جودة عالية متكاملة لا ينقصها شيءٌ ولكنها معلبة بطريقة سيئة فلا تلقى رواجا عند الناس، فإذا جرى تغيير التعليب وإعداده بشكل جيد ومبدع فإن البضاعة ذاتها تلقى رواجا كبيرا. والأمثلة على هذا المعنى في الواقع كثيرة.

أعتقد أننا لا بد أن نبذل جهدا كبيرا في التفكير في تجديد الوسائل والآليات في خطابنا الديني والإبداع فيها وتحسينها لتواكب العصر، وأن نحذر من إعادة التفكير باسم التجديد في الدين خارج إطار النصوص الهادية، فمن اعتمد على عقله فقط ضل، ولا بد أن نهتم بإعداد “المُخَاطِب الديني” المعبِّر بحق عن وسطية الإسلام واعتداله الذي يعتمد منهج التبشير والتيسير الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم خير من خاطب الناس فأحسن التبليغ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!