-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تجويع العقول

تجويع العقول

من الأساليب غير الإنسانية البشعة أن يمنع أناس -أفرادا وجماعات- من نيل ما يقيم أودهم من الطعام، وهذا ما اصطلح على تسميته “التجويع”. ولبشاعته، يلجأ إليه بعض المساجين -أفرادا وجماعات- لإخراج سجّانيهم، خاصة من الدول الطاغية التي تنتهك “إنسانية الإنسان” في سجونها، فيجبرونهم على تغيير سياستهم القذرة.

من صفات المسلمين الصادقين التي وصفهم بها القرآن الكريم هي إطعام الطعام حتى لأعدائهم، حيث جاء فيه عنهم: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا”، (سورة الإنسان – الآية 8-9). والشاهد هنا في كلمة “وأسيرا”، التي لا تعني في الغالب إلا الأعداء من غير المسلمين، والأجمل والأروع أن هذه الآية هي من القرآن المدني، أي في مرحلة قوة المسلمين، وليست من الفترة المكية حيث كان المسلمون قليلا مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس.

فالتجويع لا يمارسه إلا أكثر الناس -أفرادا وجماعات- خسّة ودناءة، وهو الوسيلة التي لجأت إليها قريش عندما حاصرت الرسول – صلى الله عليه وسلم- وعشيرته وأصحابه ومنعت عنهم ما يحفظ حياتهم، وقد استمر هذا التجويع ثلاث سنوات.

وعندما ابتلينا – نحن الجزائريين- بأخس الناس وأنذلهم – وهم الفرنسيون- كان من أساليبهم التجويع، حيث مارسوا ما سموه “الأرض المحروقة”، بحرق المحاصيل الزراعية، وإتلاف المؤن مما يدّخره شعبنا.

وها هو الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض على يد من وصفهم القرآن الكريم بـ”القاسية قلوبهم”، وهم الصهاينة، يتعرض لأبشع عملية تجويع تحت أنظار العالم وأسماعه.

ولكن فرنسا المجرمة لم تكتف في محاربتها لأسلافنا بفرض سياسة تجويع البطون فقط، ولكنها ابتدعت – وهي أم البدع اللاإنسانية والمتوحشة – سياسة أشد إيلاما للكرامة البشرية هي سياسة التجهيل، وعندما اضطرّت للسماح بما سماه أحدهم “التعليم بالتقطير”، كان هذا التعليم أشد وقعا، لأن صاحبه تزداد شهيته لهذا التعليم بعد أن يذوق حلاوته، وقد سمى الإمام الإبراهيمي هذه السياسة الإجرامية الفرنسية “تجويع العقول” أو “التجويع العقلي والفكري”، حيث قال أمام بعض الصحافيين المصريين زاروا الجزائر: “إن الاستعمار أراد أن يجوّع عقولنا بنزع العلم من صدورنا، فلم يفلح.. فقلنا له: كلا إنك لن تستطيع إلى ذلك سبيلا”، (جريدة البصائر في 11-12-1950، ص: 2)، وقد سمى الإمام المعلمين الذين واجهوا سياسة “التجويع العقلي والفكري”، سماهم “المجاهدين”، وسمى المدارس “ميادين جهاد”.

أوحى لي بهذه الكلمة ما رأيته من إقبال أبنائنا -ذكرانا وإناثا- على مراكز امتحانات شهادة البكالوريا الذين ندعو لهم بالتوفيق والنجاح ليرفعوا رأس الجزائر علميا كما رفعها آباؤهم وأجدادهم في الجهاد المسلّح، فـ”العلم هو وحده الإمام المتّبع في الحياة”، كما يقول إمام الجزائر وموقظها من سباتها عبد الحميد بن باديس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!