-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحوّلات المرآة الزرقاء

حنين عمر
  • 1289
  • 5
تحوّلات المرآة الزرقاء

أتذكر أولّ صفحة شخصية لي على تطبيق فايسبوك عام 2004، كان التطبيق أنذاك حكرا على طلاب الجامعة الأمريكية، وكان لي صديق طفولة يدرس في جامعة ولاية ميشيغان، ورغبة منه في أن يجمع كل أصدقائه في التطبيق الذي كان مخصصا وقتها لجمع الأصدقاء الشخصيين فقط ومنع انقطاع العلاقات بينهم بعد انتهاء الجامعة، قام بمساعدتي وإدخالي إلى هذا العالم.
كان الفايسبوك وقتها بدائيا جدا، وقائمة أصدقائي لا تتجاوز 25 شخصا جميعهم من أصدقاء صديقي القديم أو من عائلته التي أعرفها، ويمكنني أن أصف بدقة كيف كان شكل المكان أشبه بقرية صغيرة جدا يعرف الجميع فيها بعضهم شخصيا، يقضون الوقت في التحيات ووضع صور بسيطة وبدائية، وفي نشر معلومات عن الثقافة أو الجامعة أو المناسبات والتهاني، كانت المراسلات قليلة وفي مناسبات معينة، حيث يمكن أن يمضي أسبوع كامل دون أن تظهر أخبار جديدة في الصفحة الرئيسية.
في ذلك الوقت كان هذا كل ما أعرفه عن فايسبوك، تطبيق لطيف ظريف خفيف نظيف، قرية صغيرة سكانها في غاية الاحترام والتهذيب، صور جميلة وبريئة، لم أقرأ خلال ثلاث سنوات أي شتيمة من أحد لأحد، لم أشهد أي حرب بين شخصين، لم أصادف أي محتوى سيء، وكانت أنذاك الصفحات كلها مفتوحة على بعضها ويمكن حتى لمن ليسوا في قائمتنا مشاهدة ما نكتب.
لا أعرف ماذا حصل في صفحتي الأولى، غالبا تم مسحها بعد أن فقدت إيميلها وكلمة السر، وحينما عدت وفتحت صفحة جديدة عام 2010 لاستخدامات أدبية وثقافية محضة، كان المكان مختلفا بعد أن أصبح التطبيق للجميع، وفوجئت بأن القرية الصغيرة قد أصبحت مدينة كونية كبيرة فيها بشر من كل الأنواع والجنسيات، لقد اختفت ملامح تلك القرية المليئة بالحدائق، لتظهر عمارات إسمنتية مسلحة رمادية بدأت تزحف وتزحف على الصفحات الزرقاء.
إن فايسبوك عام 2004 ليس إطلاقا فايسبوك 2018، ورغم أني شخص حريص إلى أقصى درجات الحرص في قبول أي صداقات جديدة، بحيث لا أضيف الغرباء إطلاقا ولا من ليس لهم علاقة بالأدب أو الثقافة أو الإعلام، إلا أني لابد أن أعترف أن حرصي هذا ليس كافيا، وأني أحاول الابتعاد قدر الإمكان عن هذا التطبيق الذي شهدت بنفسي تحوّله المروّع من مكان هادف يجمع أناسا في قمة الرقيّ إلى مكان أشبه بمستشفى المجانين الذي ترتاده جيوش من المرضى النفسانيين الذين نسمع عنهم قصصا مخيفة أو نشاهد لهم منشورات أو تعليقات عجيبة غريبة، ناهيك عن قلة الأدب المنتشرة التي أصبحت أمرا معتادا ومألوفا بالنسبة للناس ولا أحد يستهجن تلك العبارات التي يطلقها – أحيانا – مثقفون! مع أن القانون نفسه يعاقب عليها، وهناك قانون جرائم الكترونية يجرّم أي عبارة تكتب على وسائل التواصل الاجتماعي سواء كانت شتيمة أو قذفا أو تشهيرا بعقوبات تصل حتى ثلاثة أعوام وبالتعويض المادي.
لكن عن جهل بالقانون أو عن تجاهل له، كلُّ شيء مباح في شوارع الفايسبوك… وشيئا فشيئا راح الأشخاص المحترمون ينعزلون في صفحاتهم في حين بدأت التفاهة تتمدد والرُّعونة ترفع صوتها فوق صوت الحكمة والأدب، وبدأ غزو الحمقى والمهووسين يتسّع بتطبيل خرافي للرذيلة وتعتيم مؤلم على الفضيلة.
إنني أتساءل فقط… هل الفايسبوك هو مرآة لتغيُّر الزمن أو لتغيُّر البشر؟ هل هو مرآة نفسية واجتماعية لتحوّلات هذا العالم؟ أم أن العالم لم يتحول… بل فضح نفسه فقط في مرآة زرقاء عكست أشياء سوداء كانت موجودة ولم نكن نراها؟ لا أعرف… كلّ ما أعرفه هو أنّ المكان لم يعد إطلاقا جميلا مثلما كان قبل أربعة عشرة عام!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • هشيمالهاشمي

    المؤسف أن الكل تبدل وانقلب رأسا على عقب ، رداءة وفسادا وميوعة ووقاحة وعبث واجترار ما كان للأخر وياليته مما يليق وينفع ويسر وهذا بكل الوسائل ، و السعية البصرية على رؤوس الموبيقات والأعاجيب " لمكرفسة لمرنكه" التي أرجعتنا الى ما كنا اتقزز منه عن الأجانب فصرنا أوقح منهم و... ابكي يا عين الطيبين الذين لايزالون يحتفضون ببقايا من دموع الحرقة وا..

  • شخص

    ما تركه البارابول، أكمل عليه الفايسبوك !

  • RHU

    صراحة ...منذ حاولت نشر شبئ من الفضيلة في فايسبوك...هجم السنافر على قريتي و ربوتي المنسية و شيدوا ناطحات حمام السلام....و رموا بقذارات أستهلاكهم على أشجار الزيتون و كسروا ما غرست من شجر التين.....فلا حول و لا قوة الا باله العلي العظيم....بداوتي الساذجة و لا للمدنية الصهيونية الخبيثة......لم يبقى لي الا هجر ربوتي المنسية لأن الأنسان ابن بيئته....لكن البئة تغيرت و تلوثت و تسلحت بالأسمنت و الجرائم التي لم تكن تعرفها ربوتي.........

  • فتح الله

    ما يسمى بشبكات التواصل و على رأسها فايسبوك، امست مراكز لتجميع المعلومات عن الجميع، فالكل يدخلها ليكتب كل شيء.
    فحتى صورك وارائك القديمة (منذ 14)عاما موجودة في فيسبوك.
    فهل هناك احسن من هذه الوسائل لمراقبة الجميع.

  • عبد القدّوس

    الفايسبوك ليس حديقة. الفايسبوك غابة أدغال يختفي فيها الوحش اليهودي الضاري متربصا بخلق الله يفترس براءتهم و أخلاقهم ونواياهم الحسنة ويزرع فيهم جراثيم خبثه وحقده الأبدي للبشرية ويوقع بهم بنشر الفتنة والضغينة بينهم. الفايسبوك هو المكان الذي ينشر فيه السذج والجهلاء حياتهم الشخصية ويجمع فيه المخلوق اليهودي المعلومات عن قطيع أعدائه الجوييم.