-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحيّـةً للعقـل الفلسطيني!

تحيّـةً للعقـل الفلسطيني!
ح.م

من المعلوم أن الرئيس الفلسطيني قد أصيب بوعكة صحية في الأيام الأخيرة ودخل المستشفى عدة مرات وأجريت له عملية. ونظرا للظروف العصيبة التي تمرّ بها فلسطين وعدم ظهور الرئيس في وسائل الإعلام، انتشرت شائعة تقول إنه توفي. وحتى يتم تكذيب هذه الشائعة أظهر الإعلام الفلسطيني الرئيس يتجوّل بلباس غير رسمي في أروقة المستشفى. ما يشد الانتباه في هذا الحدث هو مشاهِد المؤسسة الاستشفائية التي احتضنت الرئيس أبي مازن. هذه المؤسسة تحمل اسم “المستشفى الاستشاري العربي” الكائن بمدينة رام الله، عاصمة السلطة الفلسطينية!

المستشفى الاستشاري العربي

كنا نعتقد أن مقام الرئيس الفلسطيني وتقدم سنّه (83 سنة) ووضع محيطه عوامل تستدعي نقله إلى الخارج لتلقي العلاج المناسب. وهو ما دفع فضولنا إلى التعرّف على هذا المستشفى الفلسطيني الذي يعالج فيه عِلية القوم. فتبيّن أنه مستشفى خاص افتتح منذ سنتين، وأنه مجهز بأحدث الأجهزة الطبية المعروفة في العالم، وأن تكلفته بلغت 60 مليون دولار. وتُقَّدر سعته بـ 330 سريرا فضلا عن المرفقات اللازمة للمستشفى مثل وجود أزيد من 20 عيادة خارجية متخصصة تداوم 8 ساعات يوميا.

عند تدشين هذا المستشفى ألقى أبو مازن كلمة مرتجلة قال فيها عبارة يكررها الكثير من الزعماء : “نحن ليس لنا بترول ولا غاز ولا ذهب، لكن لدينا عقولا”. ومن يطلع على أخبار هذا المستشفى يدرك أن هذه العبارة قيلت هنا في محلها. أما اختصاصات المستشفى فتشمل 16 قسما تغطي مختلف الأمراض من أبسطها إلى جراحة المخ والأعصاب وأمراض قلب الأطفال.

قبل بناء هذا المستشفى كانت السلطة تدفع نحو 300 مليون دولار لعلاج الفلسطينيين في الخارج، بما فيها إسرائيل. والآن بعد أن أصبح الرئيس ذاته يعالَج في هذا المستشفى فسوف يتقلص كثيرا عدد هؤلاء الذين يستنزفون أموال السلطة الفلسطينية للعلاج بالخارج.

كما أن المستشفى يشغّل أزيد من 750 موظفا. أما الطاقم الطبي فإن 90% منه فلسطيني من خريجي جامعات فلسطينية وأخرى منتشرة عبر العالم. ويجد متصفح موقع المستشفى السيرة العلمية المفصلة لكل طبيب. ومن نشاطات المستشفى الاجتماعية أنه يقوم بحملات صحية مجانية، فمثلا هناك إعلان عن تشخيص مبكر لأمراض القلب الخلقية لدى الأطفال. من جهة أخرى، ينوي أصحابه فتح مركز لمرض السرطان.

وبخصوص الانضباط وتسيير المستشفى يجد المواطن أرقام الهواتف الثابتة والنقالة وعنوان البريد الإلكتروني في الموقع لأخذ بعض المواعيد الطبية؛ وهو يحدد أيضا مواعيد استقبال كل طبيب. ولفت انتباهنا نداء للمستشفى موجها للزوار يلزمهم باحترام مواعيد الزيارات وعدم الإتيان بالمأكولات إلى داخل المستشفى، وينبّه إلى أن مطعم المستشفى يُعدّ وجبات صحية ويوفرها بأثمان معقولة للجميع. وإن أصر الزائر أن يأتي بالأكل فعليه أن يتم تناوله داخل المطعم (بالمجان) وليس في غرف المرضى.

ونظرا لنجاح التجربة فقد فكر الفلسطينيون في فتح مستشفى مماثل بـ 150 سريرا في مدينة جنين سمّوه “مستشفى ابن سينا التخصصي” كلّف 20 مليون دولار، ولا يزال يتوسّع. والجميل أن في موقع هذا المستشفى يمكن الاطلاع على القائمة الاسمية للمساهمين في المشروع التي تجاوزت 450 مساهما.

جامعة النجاح الوطنية وأخواتها

انظر إلى جامعة النجاح الوطنية بنابلس كيف تأسست؟ فقد بدأت عام 1918 كمدرسة ابتدائية، ثم تطورت سنة بعد سنة فصارت متوسطة، وأصبحت عام 1963 كلية تمنح الشهادات المعادلة لنهاية السنة الثانية الجامعية. وذاع صيتها فتأسست عام 1977 كجامعة صارت تفتح فيها التخصصات الواحد تلو الآخر حتى أصبحت تشمل 10 كليات إضافة إلى  فرع لها في مدينة طولكرم. ولا تندهش عندما تسمع بأن الجامعة تشرف على قناة فضائية تابعة لها وأيضا على قناة إذاعية. وقد تخرّج منها عبر العقود العديد من الشخصيات الفلسطينية في شتى المجالات.

ومن هؤلاء الشخصيات قدري حافظ طوقان (1910-1971) المولود بنابلس، وقد درس بمتوسطة النجاح قبل أن تتحوّل إلى كلية. وعلى الرغم من أنه مارس السياسة فقد اشتهر أكثر بإسهامه الكبير في نفض الغبار عن تاريخ الرياضيات العربية الإسلامية فصار عمله مرجعا لكل من بحث أو كتب حول هذا الموضوع في الغرب والشرق. وكذلك كان حال أحمد سليم سعيدان (1914-1991) المولود بمدينة صفد الفلسطينية. فبراعة أهل فلسطين لم تظهر في المجال الطبي فحسب بل تجلت، رغم ضيق العيش وقلة الحيلة، في عديد حقول العلم والمعرفة.

وحتى ندرك أن هذه الجامعة تتمتع بمكانة مرموقة بين الجامعات نذكر مثلا أن كلية الطب أصبحت عام 2009 مُدرجة في القائمة الدولية لكليات الطب، وهي قائمة تضم كليات الطب المعترف بها في مختلف أنحاء العالم. ويسمح ذلك لطلبتها بإجراء امتحان اعتماد المعادلة الأمريكي. كما حصلت جامعة النجاح على المرتبة 21 و 23 في التصنيف العالمي من بين الجامعات العربية خلال السنتين الماضيتين.

وجامعة النجاح ليست الجامعة الوحيدة في الضفة وغزة إذ يمكن إحصاء أكثر من 20 جامعة وكلية منتشرة في تلك البقاع، نِصْفُها بصفة جامعات، منها 5 جامعات تأسست خلال السبعينيات، وأقدمها هي جامعة بيت لحم التي فتحت أبوابها عام 1975 بعد أن كانت مجرد مدرسة لصغار التلاميذ.

عندما نقارن الواقع الفلسطيني في هذا الباب بواقعنا نحتار في أمرنا : نحن لدينا بترول وغاز وذهب ولدينا جامعة عريقة خرّجت وتخرّج عددا معتبرا من الأطباء الأكفاء وحملة الشهادات المختلفة؛ ولدينا قطاع خاص يستثمر في صناعة السيارات والإلكترونيات وغيرها، لكننا لا نجد استثمارا في المجال الصحي من قبيل المستشفى الاستشاري العربي في رام الله… أو حتى من قبيل مستشفى ابن سينا التخصصي في جنين!!

وما يزيد الأمر غرابة أن مواطنينا من كل الشرائح يطلبون أكثر فأكثر العلاج في تونس والأردن وتركيا ووالبلدان الأوروبية لأنهم لا يثقون في العلاج في بلادهم… ولو جمعنا تكلفة العلاج في الخارج سواء تلك التي يأخذها المواطن على عاتقه أو التي تدفعها خزينة الدولة لوجدناها تتجاوز الحدود المعقولة، وكان أحرى أن تستغل تلك الأموال في القطاع الصحي داخل البلاد.

أما حال جامعاتنا فحدِّث ولا حرج رغم الوسائل المادية الضخمة التي تخصصها الدولة للتعليم العالي والبحث العلمي مقارنة بحال فلسطين. ومع ذلك يكفي أن نقارن مثلا محتويات الموقع الإلكتروني لجامعة النجاح  بموقع أية جامعة جزائرية لنرى الهوة في جدية الأداء سواء تعلق الأمر بكمّ المعلومات أو نوعيتها وثراءها!

نقرأ في أحد شعارات مستشفى ابن سينا بجنين شعارا يقول “رُبَّ هِمَّة أحْيَت أمّةً”! فتحية لمن آمن بهذا الشعار وعمل به عبر أوطاننا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • احسن

    مند وفاة من يا تقي الدين’ بومدين الدي باع البلاد و العباد و خرب الارض من اجل اغراضه الشخصية

  • احسن رضا

    تحية لمن???? ارايت ما فعله 5 خمس طلبة فلسطينيين في جامعت تسمسيلت الجزائرية عندما انهالوا ضربا ضد استاد في القانون’’’ وتركوا ميتا و لادو بالفرار’’’’’تبا للفلسطينيين

  • سعدبرهان

    عوامل عديدة جعلت الجزائر في مؤخرة الركب ومنها علي الخصوص عدم الثقة في النفس ثم الاعتقاد بأن الفرنسيين أعلم أهل الارض جميعا فاستعبدنا انفسنا طواعية عوض الاحتكاك بغيرهم وأخذ ما يناسب مجتمعنا .كل الدول التي نوعت التبادلات مثل الأردن ولبنان وتونس أصبح لديها شيء من التطور إلا نحن نتعلق إلا بفرنسا

  • تقي الدين.

    -3-
    التنمية الاقتصادية في الجزائر تحتاج إلى علم و كفاءة و الي مسؤولين حقيقين يدركون معنى التقدم و التطور الحقيقي التي تحتاجه البلاد في جميع المجالات. كما يحدث في تركيا و ماليزيا.. ‘ اعتقد ان الإداريين هم أسباب البلاء في الجزائر ، فهم لا يعرفون مدى التقدم و التطور التي وصلت البه الامم، و لا يعرفون كيفبة الوصول البه او وضع الاستراتجية اللازمة للالتحاق بالركب الحضاري، فهم كالصم في عرس ؟!! و الدليل ان الحكومات الإدارية التي حكمت الجزائر لم تقدم شيء يذكر في اي مجال من المجالات الاقتصادية الحيوية ؟!! اللهم الا في رفع الضرائب على المواطنين ، و هو عمل يحسنه حتى الجهلاء...

  • تقي الدين.

    -2-
    تلك الرداءة التي أدت إلى قتل كل ماهو جمبل ، حيث اصبح مثلا مدير الجامعة الذي لم ينشر طول حياته خمس بحوث علمبة في مجلات أكاديمية ، يتصرف في الباحث العالم المتمكن في مجاله ، و الادهي انه يضع مع غيره من الإداريين الاستراجية التي يجب ان يكون عليها البحث العلمي في السنين القادمة!!! .. في الجزائر هناك شيء اخر يجب الانتباه إليه، الا ‘ هو تغول المال السهل من غير علم او ابتكار ، يشتري اامحضوض سلعة بخمس اوروات و يبيعها لنا بعشر اوروات فيربح خمس اوراوات ؟!!، كما قال احد الاقتصاديين الامريكين و هو يصف اقتصاد الجزائر مستهزءا !! التنمية الاقتصادية في الجزائر تحتاج إلى علم و كفاءة و مسؤولين يدركون

  • تقي الدين.

    القضية يا استاذ ليست قضية بيترول و غاز، بل كما قال عباس عقول ، و مسؤولين عقلنيين و نزهاء يريدون مصلحة البلد و مواطينه.. و الجزائر للأسف الشديد ، منذ وفاة بومدين ، فقدت البوصلة ، و تحكم فيها أصحاب العقول الصغيرة و الهمم البسيطة، فبقيت إلى البوم في مؤخرة الركب الحضاري.. اخر دراسة قامت بها إحدى الباحثات ، صنفت الجزائر في اخرة القائمة في مجال البحث الطبي ، فتونس و الاردن و لبنان كانت في المقدمة ، بالرغم ان تلك الدول لا تملك، لا بترول و لا غاز، بل تمتلك العقل و المسؤول السوي الذي يستجيب لمتطلبات عصره.. مشكلتنا اليوم في الجزائر عويصة ، خاصة بعد انتشار الرداءة بشكل فظيع و على جميع المستويات ،

  • الطيب / الجزائر

    ذاك مستشفى تحت الاحتلال في 2018 و هذه مستشفيات تنعم بالاستقلال منذ 55 سنة !!!
    سؤال واحد فقط يا سي بوبكر : الدنيا راهي مقلوبة ولا حنا لي رانا مقلوبين !!؟

  • عبد الواحد

    الجزائر ضاعت سنة 1962 حين استولى على السلطة ــ بمساعدة قوى أجنبية ــ مغامرون جهلاء لا يفقهون شيئا و يظنون أن بناء أمّة يكون باستيراد مصانع و فتح مدارس تدرّس برامج مستوردة. الجزائر تائهة لأن الجزائري تائه وأحلامه مستوردة. لا أمل لأمة لا تفهم أن بناء الإنسان أولى من بناء الجدران. لا أمل لأمة يحلّق وجدان أبنائها في أجواء بلدان غير بلدهم ويحلمون أحلام غيرهم. الجزائر جسد مريض لأن روحها عليلة.

  • أبو بكر خالد سعد الله

    تصويب
    جاءت سهوا في المقال العبارة
    "...جامعة بيت لحم التي فتحت أبوابها عام 1975"
    والصواب هو
    "...جامعة بير زيت التي فتحت أبوابها عام 1975".
    (بير زيت بدل بيت لحم).
    أعتذر لدى القارئ.