-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تخريب الدول بحكم الطائفية الحزبية بلا عمائم

حبيب راشدين
  • 1208
  • 2
تخريب الدول بحكم الطائفية الحزبية بلا عمائم
ح.م

 في ثاني استحقاق تشريعي تحت سقف الدستور الجديد المعتمد بعد “ثورة الياسمين” عزف ثلثا الهيأة الناخبة التونسية عن المشاركة، وأنتج الثلثُ المشارك برلمانا فسيفسائيا، غير قادر على تشكيل أغلبية حاكمة، إلا بالعودة إلى نظام المحاصصة الحزبية التي حوَّلت التجربة التونسية من نموذج مغر يُسوَّق للعرب، إلى نموذج محبِط بلا أفُق، تدور فيه النخب السياسية في حلقةٍ مفرغة، قد مُنِحت فيه الأولوية لإنقاذ التجربة الديمقراطية بدل الاجتهاد في إنقاذ البلد.

قبل أسابيع قليلة من إجراء الدور الأول للرئاسيات المسبقة بعد رحيل المعمر الباجي قايد السبسي، كان الإعلام التونسي والطبقة السياسية يفاخران بتجربة “الانتقال الديمقراطي” التونسي، والتي اختارت فيها النخبة السياسية نظام الحكم البرلماني، في بلدٍ حرمه النظام الاستبدادي في عهدي بورقيبة وبن علي من حياة سياسية طبيعية، منتِجة لأحزابٍ قادرة على إدارة الدولة، رأيناها منذ 2011 تعيد إنتاج كوابيس الجمهورية الفرنسية الرابعة بحكومات ضعيفة، مصنّعة بتوافقات حزبية هشة، مانعة بناء استقرار سياسي مستدام يؤهِّل الدولة لإخراج تونس من أزمات بنيوية مركّبة ليس لها حلول سوى بمزيد من الارتماء في أحضان صندوق النقد الدولي، واستدامة المديونية التي تلتهم خدمتُها وحدها ربع الميزانية.

وقبل أسابيع كان دعاة “الانتقال الديمقراطي” في الجزائر يضربون المثل بالتجربة التونسية، وبالانتقال الديمقراطي في السودان السائر على خطاها، مع شبه إجماع داخل الطبقة السياسية حول واجب مراجعة نظام الحكم والذهاب إلى مرحلةٍ تأسيسية تنقل الجزائر من نظام الحكم شبه الرئاسي، المفرط في ما منحه من صلاحيات مطلقة للرئيس، إلى نظام حكم برلماني يوزِّع ريع السلطة والثروة بين الكيانات الحزبية.

ولأنَّ مصائب قوم عند قوم فوائد، فإنَّ الأنظمة البرلمانية الثلاثة التي تُسوَّق للعرب من تجارب لبنان، والعراق، وتونس، كنماذج واعدة لديمقراطية قابلة للحياة، مرضيٍّ عنها في العواصم الغربية، هي اليوم شاهدٌ حي على تخريب الدول وتفكيكها بأدوات ناعمة، مانعة معوقة لقيام الدولة بإشغال الشعوب في “حروب طائفية من الجيل الرابع” بين كيانات حزبية، لم تعد بحاجة إلى الطائفية الدينية وقد صار كل حزب منها طائفة بلا معممين.

سلوك الأحزاب التي نشأت عندنا في تسعينيات القرن الماضي تحت الرعاية السامية لـ”دولة الدي أر أس” ليست بعيدة عن سلوك الأحزاب الطائفية التي خرّبت لبنان، وأفقرت العراق العائم على بحيرةٍ من النفط، ونراها تِّفكك بمنهجية أجزاء من الدولة التونسية، وترهن لعقود سيادة البلد، سلوكٌ يفسر التحالف الظرفي خارج الطبيعة، بين أحزاب علمانية استئصالية كارهة للشعب، وطائفة من الطيف السياسي “الإسلامي” الكارهة لبناء الدولة الوطنية.

ومع أن الموعد الرئاسي القادم محكومٌ باستحقاق عاجل لإعادة إعمار موقع الرئاسة الشاغر، ورسم معالم إعادة تأهيلٍ سريع لمؤسسات الحكم، فإنه يمنحنا في المقابل فرصة لا تُعوَّض لفتح نقاش تمهيدي هادئ، يبحث في أفضل الخيارات المتاحة لبناء نظام حكم جديد، يوازن بين حاجة الدولة النامية إلى نظام مركزي قوي، بسلطة تنفيذية غير مرتهنة للحسابات الحزبية المعيقة للحركة، وسلطة تشريعية لها صلاحيات واسعة في ممارسة رقابة السلطة التنفيذية وتقويمها، ومنع تكرار تجربة سطو عصابات الأوليغارك على مواقع صناعة القرار.

عزوف أغلب أحزاب المعارِضة حتى الآن عن تنشيط الاستحقاق الرئاسي، وتراجع حضور أحزاب الموالاة، قد يمنح البلد فرصة إعادة الاستقرار السياسي في المقام الأول قبل فتح ورشات الإصلاحات غير القابلة للتأجيل، وعلى رأسها ورشات إعادة تأهيل مؤسسات الحكم، بتوزيع مبتكر للسلطات، يوازن بين الحاجة إلى حكومة مالكة لحرية المبادرة وتدبير الشأن العام بعيدا عن الإكراهات الحزبية وثقافة المساومة والابتزاز، والحاجة إلى مؤسسات رقابية تمثيلية، بسلطات تقويمية رادعة، موازنة تكاد تكون ممتنِعة مستحيلة، سواء في النظام شبه الرئاسي المستنسخ عن “مَلكية” الجمهورية الفرنسية الخامسة في التجربتين المصرية والجزائرية، أو في نظام برلماني مرتهن للمحاصصة الحزبية العادمة للدولة، كما يكتشف عوراته بعد فوات الأوان الأشقاء في تونس والعراق ولبنان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • صالح بوقدير

    لم لم تدرس نجربة الجزائر ؟ :حكم مجلس الثورة ولا أحد نازعه الامر ثم الحزب الواحد ولا أحد نازعه الأمر ثم تجربةديموقراية كان للشعب فيهاكلمته تم الانقلاب عليها وإجهاضها في المهد ثم عودة الحزب الواحد بربائبه وانتهاج ديموقراطية صورية أتت على الاخضر واليابس بعد عشرية داميةتحولت الدولة فيها إلى مؤسسةخاصة تخدم العصابة ولا شيء غير ذلك
    باختصار شديدإن بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات لاتحتاج الى استجلاب نماذج من الخارج بغض النظر عن نجاحها أوفشلها بقدر ماتحتاج إلى إرادة سياسيةحقيقيةفي التغيير إلى الاحسن وبناء مؤسسات قويةمقاومة للهزات فكيف تجهد نفسك لتعريف المعلوم بالمجهول وتترك الامثلة الماثلة أمامك؟

  • chaoui

    ولأنَّ مصائب قوم عند قوم فوائد، فإنَّ الأنظمة البرلمانية الثلاثة التي تُسوَّق للعرب من تجارب لبنان، والعراق، وتونس،
    التي تسوق للعـــــرب؟؟
    لست متفق تمامـــا مع تحاليلك
    إيران المجوسية والهند البوذية وإسرائيل اليهوديـــة والصين.......
    لماذا لا تهتم بمذهبك وبقومك وأصلك ولغتك و...
    دعك لما يفعله الأمازيغ والهنود والأتراك و...
    أتعلم كم من قومك تم قتله من قومك؟
    أتعلم كم من قومك تم فتكه من الأتراك وإسرائيل و.....
    إبن خلدون صدق في كل ماقاله فيكم