-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تخريب المدارس العليا للأساتذة: من وراءه؟

تخريب المدارس العليا للأساتذة: من وراءه؟

تعيش المدارس العليا للأساتذة في البلاد منذ منتصف نوفمبر في غليان منقطع النظير وإضراب شبه متواصل عن الدراسة. ويتساءل المتتبع: هل المسائل المطروحة من قبل المحتجين عويصة لهذه الدرجة حتى يضحّي الطلبة بمستقبلهم، وهم من خيرة من تحصلوا على البكالوريا؟

حسب ما نعلمه أن مطالب المحتجين بدأت بثلاثة: فتح الماستر، الأولية في التوظيف، والتوظيف في الولاية التي أتى منها الطالب. 

المدارس العليا… كانت!

ينتسب للمدارس العليا عدد معتبر من المؤطرين من الدرجة الأولى (في مدرسة القبة وحدها المختصة في المواد العلمية، نجد من بين 300 مدرس، أزيد من 120 دكتور ونحو 50 منهم يحملون لقب “أستاذ التعليم العالي”، وهي أعلى مرتبة في التعليم العالي). ولذلك كان المسار الطبيعي لهذه المؤسسات التي تتبع المنوال الفرنسي (كحال جميع مؤسساتنا) هو إنشاء مخابر بحث وفتح المجال للماجستير خلال الثمانينيات والدكتوراه في مطلع هذا القرن. 

وإلى جانب ذلك، فبمجرد أن فتحت مديرية البحث العلمي بوزارة التعليم العالي المجال لإنشاء مخابر البحث (قبل حوالي 16 سنة) بادرت المدارس العليا بتقديم مشاريع تأسيس مخابر بحث، شأنها شأن كل الجامعات، في كل الفنون حتى صار عددها الآن بالعشرات في هذه المدارس. وقد تخرّج من هذه المؤسسات المئات من حاملي الدكتوراه والماجستير كما هو الحال في الجامعات، بل أحيانا تتوفر للطلبة تجهيزات لإجراء التجارب لا يجدونها في الجامعات. ولذلك رُتبت العديد من هذه المخابر في الفئة المتميزة الأولى في ترتيب مخابر البحث عبر الوطن.

لكنه، وبدون سابق إنذار، أصبح عدد من المسؤولين (وحتى من بعض الزملاء النافذين غير المسؤولين مباشرة عن هذه القضية) يرون أن المدارس لا حق لها في الاهتمام بالدراسات العليا، وأن ذاك التوجه كان خطأ، وأن طلبة المدارس لا خيار لهم سوى التدريس في مراحل التعليم الثانوي والمتوسط. 

وقد تذرّعوا بقوانين الماستر خلال السنوات الأخيرة وأغلقوا باب الدراسات العليا في هذه المؤسسات رغم ما تنصّ عليه القوانين التي وقّعها رئيس الحكومة في منتصف عام 2016! ولما اشتد الاحتجاج خلال السنتين الماضيتين سمحت الوزارة بفتح ماستر بشكل عشوائي يندى له جبين السائل والمسؤول… عجزنا عن فهم منطق من أطلقه. والتفسير الوحيد الذي وجدناه هو الرغبة في عرقلة مسيرة المدارس العليا! تلك هي حلقة من الحلقات الهادفة إلى تقزيم دور المدارس العليا ومن ينتسب إليها. وبذلك نرى أن الوصاية لا تريد أن تلبي المطلب الأول المشار إليه أعلاه بشكل جدي. 

غير أن هذه الحلقة ليست الوحيدة… فمنذ زمن طويل تتصاعد نداءات من حين لآخر، حتى من الجامعات، مطالبة باختصار دور المدارس في ضمان فترة تكوينية لخريجي الجامعات في طرق التدريس حين يوظفون في الثانوي والمتوسط. وهذه أيضا فكرة بائسة القصد منها التقزيم وغلق الباب على التكوين النوعي لمن سيتوجه إلى امتهان تكوين الأجيال. 

من يريد تقزيم هذه المدارس؟!

وللتوضيح والمقارنة، نذكر أن قبل بضعة أسابيع سمعنا من مسؤولين في بعض الجامعات من أكد أن الخريجين في الرياضيات بشهادة الماجستير من المدارس العليا أفضل في أداء مهامهم من فئة دكاترة تخرجوا من كبريات جامعات القطر، وتوظفوا بالجامعة!

فرنسا التي نقتدي بها في كل أمورنا، أسست المدارس الكبرى لأداء دور واحد هو تكوين النخب: في التعليم (المدارس العليا)، في الإدارة (مدرسة الإدارة)، في المهن الهندسية (المدرسة متعددة التقنيات)، التجارة (مدرسة التجارة) إلخ. ولم تعوّل كثيرا على تكوين النخب في الجامعة لأن الجامعة مفتوحة للجميع بدون انتقاء.

ووفق هذا المنوال، كان أحرى بالسلطات جعل هذه المدارس تجلب أفضل الطلبة علمًا وخلقًا من الحاصلين على البكالوريا، والحرص على تكوينهم تكوينا جيدا، وفتح أمامهم كل أبواب التألق. وإن كان هذا هو التوجه، فلا بد أن يكون عدد المسجلين في هذه المدارس بكمية أقل. وعندما ينتشر جلهم في مختلف مؤسسات التعليم سيكونون بمثابة القاطرة التي ترفع مستوى التعليم عبر القطر. 

وفضلا عن ذلك، فالتقليل من عدد الوافدين على المدارس سيحسن المستوى داخل هذه المؤسسات ذاتها لأن الزيادة في الكم وفي النوعية، كحال العرض والطلب، لا يلتقيان إلا نادرا. لو سارت المدارس على هذا النهج لما اختلط الحابل بالنابل ولما طُرح المطلبان الثاني والثالث… علما أن المطلب الثالث للمحتجين هو بيت القصيد الآن.

إن من سوء الأعمال الحكم على النوايا، غير أن المتتبع لمسيرة المدرسة العليا للأساتذة ومختلف ردود الفعل خلال العقود الماضية تجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن هناك يدا خفية تسعى على الدوام إلى تقزيم هذه المؤسسة، ولم تفلح لحد اليوم في مسعاها رغم أنها أفلحت في جزء منها. والغالب أن هذه اليد هي التي تبذل الجهود لتعفين الأجواء الآن في هذه المؤسسات حتى تكون المرحلة قبل الأخيرة للقضاء عليها نهائيا كمؤسسات تؤدي هذا الدور الرائد بالحجة التي يدعو لها المثل الشعبي “الباب اللي يجيك منّو الريح سدّو واستريح”! لا نعتقد أن جل المضربين من الطلبة واعون بهذا التوجه الخطير الوارد تنفيذه.

وإذا عدنا إلى مطلب الطلبة المتمسكين به إلى درجة أنهم أصبحوا لا يبالون بالسنة البيضاء ولا بتمديد السنة الدراسية نتساءل: كيف نجد وزارة التربية عاجزة عن تقديم إحصائيات شفافة ودقيقة لحاجياتها حسب الولايات وحسب الاختصاصات لتعلم المعنيين بالإمكانيات المتوفرة في الدخول المدرسي المقبل؟ وهذا قبل إجراء مسابقة التوظيف العام؟

فلعل المشكل ضُخِّم في أذهن المعنيين من الطلبة أو أن الحالات التي ستظل عالقة يمكن معالجتها، حالةً حالةً، ويتم تحديد لهؤلاء مكان العمل منذ الآن عند التخرج؟ ثم تُعاود الكَرَّة السنة القادمة حتى يستَتِب الأمر ويكون العقد المبرم بين وزارة التربية والطالب مطبقا بحذافيره. إن عدم الجهر بهذه الإحصائيات والإقدام على مسابقة توظيف أساتذة تزيد الطين بلة وتزيد  بشكل طبيعي في مخاوف الخرجين. فليت وزارة التربية تستفيق.

المؤسف حقا أن طلبة المدارس العليا للأساتذة -الذين يُفترض أنهم أحرص من غيرهم على مستقبلهم ومستقبل مؤسساتهم – يُقَدّمون بتماديهم في التوقف عن الدراسة معول الهدم لمن يتربّص بتكوينهم وبمؤسساتهم، من دون وعي. ليتهم يستفيقون!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • ابن الجنوب

    إبن الجنوب لايخلط لافيك ولافي غيرك:إبن الجنوب أعطاك الحقائق بكل دقةوأمانة
    وأصحح لك المغالطةالكبرى التي تحاول زرعهابوعيك وإرادتك أوبغباوة
    الـFLNلم يحكم الجزائر منذ الإستقلال إلى يومنا هذا ومن يحكم الجزائر
    هم مجموعة ممن استولوا على رصيده الجهادي والتحرري وألبسوهـPFLN
    برنوس(حزبP)وأمموه ليحكموابإسمه دون أن يتفطن لهم الشعب الجزائري لأن الشعب
    الجزائري عندالإستقلال كله كان أميا بفعل الحضارةالفرنسيةالتي جهلت
    5أجيال بمعدل عمر وسطي 40سنةلكل جيل ومانعانيه اليوم هوممارسة
    نفس سياسةالتجهيل كماتفعل أنت الآن

  • Mohamed

    ابن الجنوب لمادا تخلط فيا أخي لازملي 5 صفحات لكي أجيبك
    المهم كل علماء أمريكة أجانب أروبين وعرب وأسياوين ومنهم الجزائريين
    عندنا مثلا مهندسين جزائريين في L'aéronautique ارسلهم بومدين ثم قاللهم قعد في امريكة الان خرج تقاعد ولم تستفيد منهم الجزائر
    لو الجزائر ليست مغلقة على نفسها بإرادة FLN الغبي سيادتنا لا تسمح
    كانت سرعة تطور الجزائر تضرب في 100 بإستقاب أبناء المهاجرين والاجانب كما قطر والامارات وفرنسا وامريكة
    تأخر الجزائر بإرادة FLN حتى يبقى رقم 1 كما حصلت تأخركم في الفرنسية عجب

  • ابن الجنوب

    أمريكابلدالفرص وتفجير المواهب وإذا كنت قادراعلى تقديم البديل الأمثل فبكل تأكيدفإنك ستجدنفسك في المقدمة والدليل على ذلك هو المنحى التصاعدي للتطوروالإبداعات التي تعرفهاأمريكاضف لهاحكام يحترمون شعبهم ومستعدين للمحاسبة من قبل الهيئات المختصة بالعدالة والأمن وأعطيك مثالاعن طالبةجزائريةكانت من الأوائل الذين تخرجوامن باب الزوار وظلت تركض لأجل التسجيل في الماجستير وبعد طول إنتظار وبطالة جاءتهالفرصةلتسافرإلى أمريكاوالآن هي تحتل مرتبةمتقدمةفي تخصصهاطبعانحن لانزعم أن أمريكاهي الجنةولكنهابلدالعمل والمعجزات

  • ابن الجنوب

    كان يجب أن يكون السؤال كمايلي:تخريب الأجيال الجزائريةمن وراءه؟لأن تخريب الأساتذةمعناه وبالضرورةتخريب الأجيال لذلك ونحن نقرأماتركه من سبقونامن دراسات عميقةومايقوم به علماء النفس وعلماء النفس التربيون وعلوم التربيةوعلوم الأعصاب وغيرهامن دراسات ونظريات كلهاتصب في قناةواحدةوهي الإرتقاءبالمستوى المعرفي والتحكم المهاري في علوم العصر لذلك تسعى الأمم بكل إمكانياتها لأجل تكوين معلمين وأساتذةفي كل أطوار التعليم بل وفي كل المراكز المتخصصةللوصول إلى معلم ممتازأماعندنا فيحدث العكس تماماأليس هذاتخريب للأجيال؟

  • سالم علي

    فعلا دكتور هناك من لا يريد لهذا الوطن أن تقوم له قائمة , و قد بداء التحطيم منذ تم اغلاق جميع المعاهد التكنولجية التي كان يتكون فيها المعلمون و أساتذة التعليم المتوسط وجاء الدور الان على المدارس العليا للأساتذة ، خيرة حملة شهادة البكالوريا يذهبون لها ثم يصعقون هناك و يتم وأدهم ...و من يقف وراء هذا يبدو أنهم من بني جلدتنا يحاربون كل شيئ يجعل من هذا الوطن يقف و ينشرون كل ما يدعو الى التفرقة و التشرذم و الجهوية و يزرعون اليأس في أبناء هذا الوطن ... ربي يسترنا

  • nostradamus

    و انت هل تخرجت من الجامعة او من المدرسة العليا للاساتذة؟

  • Mohamed

    لما تسافر الى أمريكة تجد وتتأكد ان شعبها ليس كما نراه في الافلام لكن شعب متخلف و جاهل و قليل من الصهاينة يسير البلد وخيراته
    أعتقد الجزائر نفس الشيئ راهم يكون des réseaux تاع mafia FLN أولادهم و أحفادهم بي FCE
    و يخرب في الشعب بأكمله يرجعوه شعب متخلف بسيط حشيشة طالبة معيشة لا يفقه شيئ لا يفكر
    يهتم بي كرشه ومشاكل المفتعلة تجعله يدور على حلقة كي المجنون
    لم تستتمر الجزائر في شبابها تحطيم sabotage واقعة نلاحظها حتى في الرياضة
    ويرغم من يرفض الاستسلام لهم الى هجرة للخارج أحسن لك