تخصّصات جامعية جديدة لتطوير الصناعات البحرية
تشهد الجامعات ومخابر البحث العلمي مؤخرا، تحولات أكاديمية بإطلاق تخصّصات علمية جديدة تهدف إلى دعم الصناعات البحرية واستغلال الموارد الطبيعية البحرية بطرق مبتكرة، وتأتي هذه الخطوة ضمن إستراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز التنويع الاقتصادي وتطوير الصناعات الصيدلانية والغذائية والتجميلية باستخدام موارد بحرية مثل الأسماك والطحالب.
وتعمل هذه التخصّصات على إعداد كفاءات وطنية قادرة على إنتاج مواد مثل الكولاجين والجيلاتين الطبيعي، اللتين تحظيان بطلب متزايد في الأسواق المحلية والعالمية، بالإضافة إلى ذلك، تسعى الجامعات إلى تعزيز الشراكات مع المؤسسات الناشئة لتحفيز الابتكار التكنولوجي وتطبيق البحوث العلمية في مشاريع اقتصادية حقيقية.
ويرى خبراء في المجال ضرورة استغلال الموارد البحرية الغنية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، وفتح آفاق جديدة أمام الشباب والخريجين للمساهمة في القطاعات الحيوية الواعدة، وفي سياق ذلك، يكشف الباحث المتخصص في تقييم السياسات العمومية بمجالي الاقتصاد والأمن الغذائي عنان رشيد، للشروق خلال اليوم الدراسي المخصص لعرض النتائج الأولية لدراسة تشخيص مجال البيوتكنولوجيا البحرية في الجزائر، أول أمس الثلاثاء، أن هذا المجال يتمتع بإمكانات كبيرة للنمو والتطور مستقبلا، وأشار عنان إلى أن البيوتكنولوجيا البحرية تشمل استغلال الموارد البحرية، بما فيها النباتات، الأعشاب البحرية، والبكتيريا، لاستخدامها في قطاعات متعدّدة مثل الصناعات الصيدلانية، الصحة، التغذية العضوية، وتصنيع مواد التجميل، وأوضح أن الجزائر تمتلك أكثر من 200 مؤسسة اقتصادية تعمل في إنتاج المواد الصيدلانية والصحية، لكنها تعتمد على استيراد المواد الأولية من الخارج، وأصبح من الضروري استغلال الإمكانات المحلية التي تنتجها كفاءات جزائرية بالمجال.
وأضاف محدثنا، أن الدراسات الحالية أسفرت عن وجود مشاريع بحثية وشركات ناشئة واعدة تسعى إلى توفير المواد الأولية محليا لتقليل الاعتماد على الاستيراد، كما شدد على ضرورة توفر المراكز البحثية، الأجهزة الداعمة، والتمويل اللازم للنهوض بهذا القطاع.
ولفت الباحث إلى أن العمل الحالي يرتكز على تقديم نموذج يربط جميع الفاعلين في هذا المجال من خلال منصة مشتركة، بهدف تعزيز التعاون وتطوير صناعة البيوتكنولوجيا البحرية، مشيرا إلى أهمية تكثيف الجهود لتطوير هذا النشاط بما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.
مواكبة الجامعة للتوجهات الحديثة للبحث والابتكار
من جهتها، أكدت عميدة كلية علوم الطبيعة والحياة وعلوم الأرض والكون بجامعة تلمسان، نسيمة سليمان لـ”الشروق”، أهمية تعزيز التخصصات العلمية المرتبطة بالموارد البحرية لتواكب الجامعة التوجهات الحديثة في مجالات البحث والابتكار، وأوضحت العميدة خلال تصريحها أنها تسعى لتطوير شعبة “الهيدروبيولوجيا البحرية والقارية” بهدف خلق ديناميكية جديدة تجمع بين التعليم الأكاديمي والمجالات التطبيقية.
وأشارت المتحدثة إلى أن هذه الشعبة تركز على دراسة التنوع البيولوجي في البيئات البحرية والقارية، وهو ما يفتح آفاقا واسعة لتطوير الصناعات المرتبطة بالموارد البحرية بالجزائر، مشيرة إلى أن الكلية تسعى لتحويل هذه الشعبة إلى ركيزة أساسية تدعم الاقتصاد الوطني، عبر تكوين كفاءات علمية قادرة على المساهمة في مشاريع إستراتيجية تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الوطني، وأكدت أن الجامعة تعمل على تعزيز الشراكات مع المؤسسات الناشئة، من خلال دعم مشاريع التخرج وتشجيع الخريجين على الانخراط في سوق العمل، مما يسهم في فتح أفق جديد لتوظيف الابتكارات العلمية في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أهمية الاستثمار في الكفاءات العلمية، حيث أكدت أن الجامعة تمتلك قاعدة قوية من الباحثين القادرين على تقديم خدمات وتحقيقات علمية على المستويين الوطني والدولي، معبرة عن أملها في أن تكون هذه الجهود بداية لتحقيق نهضة علمية واقتصادية.
نجاح أولى التجارب لعزل أنواع نادرة من البكتيريا البحرية
وفي سياق حديثها حول طرق تعزيز البحث العلمي وحماية التنوع البيولوجي، كشفت نسيمة سليمان عن إنجاز علمي جديد بالتعاون مع جامعة وهران، وأوضحت العميدة أن فريقا علميا مشتركا، بقيادة نخبة من إطارات الجامعة، نجح لأول مرة عالميا في تجارب علمية لعزل أنواع نادرة من البكتيريا البحرية.
وأشارت إلى أن المادة المستخرجة منها، تنتج عادة من نبات الزعفران، وتم عزلها في ظروف مخبرية من بكتيريا دقيقة. وأضافت أن هذا الاكتشاف يحمل إمكانات كبيرة لتطوير بدائل طبيعية للملونات الصناعية التي قد تشكل خطرا على الصحة العامة.
وأبرزت نسيمة سليمان أهمية حماية الموارد الطبيعية والمحافظة على السلالات البيولوجية النادرة، مشيرة إلى أن الجزائر تمتلك ثروة من السلالات الطحلبية والبكتيرية التي يمكن أن تكون أساسا لتطوير صناعات مبتكرة في مجالات التكنولوجيا الحيوية، وأكدت أن هذا التنوع البيولوجي يتطلب إنشاء بنوك جينية وطنية تعمل على حفظ هذه السلالات، مع ضرورة تسجيلها تحت براءات اختراع لحمايتها من الاستغلال غير المشروع، مضيفة أن الجامعة تعمل على تحفيز المزيد من الشراكات مع المؤسسات العلمية الوطنية والدولية.