تراجع مدّ التطبيع وتوهج القضية الفلسطينية وحرج الدول المطبعة

لم تكن عملية الطرد التي نالت من وفد الكيان الصهيوني في قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، مجرد حادثة طرد عادية لممثل دولة لم تتوفر فيها شروط المشاركة، وإنما خطوة جبارة بسبب تداعياتها المستقبلية على الكيان الغاصب وعلى مشروعه التطبيعي، ليس في إفريقيا فحسب، وإنما في العالم برمته لجملة من الاعتبارات سيتم تلمسها من خلال هذا المقال.
يُسوّق الكيان الصهيوني على أنه قوة جبارة ناعمة، لها نفوذ لا يضاهى على مستوى مصادر صناعة القرار في القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي توصف بأنها المدافع الأول والراعي الرسمي لهذا الكيان، وبعدها بريطانيا العظمى “العرّاب” الأول وصاحب “وعد بلفور” المشؤوم.
غير أن حادثة طرد شارون بارلي، وهي نائب مدير في وزارة الخارجية الصهيونية مكلفة بالشؤون الإفريقية، بالطريقة التي أظهرتها الفيديوهات المسربة من قمة الاتحاد الإفريقي، تؤكد بأن تل أبيب هي في الواقع مجرد نمر من ورق، بنى مجدا مزيفا، على الأوهام والأكاذيب المنفوخة في الإعلام الذي تحركه بعض اللوبيات الصهيونية المتنفذة.
الكثير من المراقبين يتحدثون اليوم عن “الأعراض الجانبية” لحادثة طرد وفد الكيان الغاصب، أولها تلك المتعلقة بتداعياتها على التطبيع. فمباشرة بعد عودته إلى رئاسة الحكومة في تل أبيب، قال بنيامين نتنياهو، إن على رأس أولوياته إعادة التوهج لما يعرف بـ”اتفاقيات أبراهام”، التي توقفت منذ مدة.
الكيان الصهيوني وحفاظا على ماء وجهه، حاول منذ البداية التكشير عن أنيابه بتصريح منسوب للمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليئور حييت، جاء فيه إن “إسرائيل تأخذ على محمل الجد الحادث الذي تم فيه طرد نائبة المدير لشؤون أفريقيا، شارون بارلي، من القاعة التي عُقد فيها اجتماع الاتحاد الأفريقي”.
وبينما كان الوفد الصهيوني يغادر القاعة مطرودا، كان رئيس الوفد الفلسطيني رئيس الوزراء، محمد اشتية، يتناول الكلمة، شاكرا الأفارقة على الدعم الذي قدموه للشعب الفلسطيني، في مشهد يعيد إلى الأذهان العنفوان الذي كانت تعيشه القضية المركزية للأمة، قبل التشويش عليها من قبل بعض الأنظمة بالتطبيع مع الكيان.
حادثة الطرد التي تعرض لها الوفد الصهيوني في أديس أبابا، أظهرت الدول المطبعة وكأنها على هامش التاريخ. وفي تلك الأثناء كانت الأنظار موجهة لممثل النظام المغربي ووزير خارجيته، ناصر بوريطة، في القاعة لرصد حركاته وملامح وجهه وهو يرى حليفه الصهيوني يُهزم، غير قادر على إنقاذه، تماما كما كان الحال العام الماضي في القمة التي علقت عضوية الكيان كمراقب في الاتحاد الإفريقي.
القضية ستغذي من دون شك، عنفوان القضية الفلسطينية، التي باعها بعض الأشقاء مقابل وعود وأوهام لكيان بات منبوذا من يوم لآخر من قبل المجموعة الدولية، كما ستؤدي إلى تغذية قوة التيار المناهض للتطبيع ليس فقط في إفريقيا، وإنما في الوطن العربي، فالنظام المغربي بدأ يشعر بالخوف من شعبه، وبالحرج من محيطه العربي والإسلامي والإفريقي، من تماديه في التطبيع على حساب حقوق الشعب الفلسطيني المنتهكة من طرف الكيان الغاصب.
وبالتزامن مع إهانة الوفد الصهيوني في قمة الاتحاد الإفريقي، خرج الإعلام الصهيوني بتسريبات مفادها أن نظام المخزن المغربي رفض احتضان “قمة النقب”، التي تحضرها عادة الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني، والتي كانت مقررة الشهر المقبل بالمغرب، بداعي اقتحام المسجد الأقصى من قبل وجوه في الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو.
غير أن بعض المراقبين يعتقدون أن المبرر الذي ساقته تلك التسريبات مجرد كلام، لأن الممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين لم تبدأ اليوم، بل كانت قائمة منذ عقود واستمرت حتى يوم طبّع نظام المخزن مع الكيان الغاصب، ويذهبون إلى القول بأن السبب الحقيقي يتمثل في الحرج الذي يوجد فيه النظام المغربي أمام شعبه والفلسطينيين والرأي العام عموما، بعد الهبة الإفريقية لنصرة القضية الفلسطينية، فيما تواصل الرباط التعاون والتنسيق مع جيش الاحتلال، من خلال الزيارات المتبادلة رغم جرائم القتل خارج القانون التي يتورط فيها الكيان بحق الفلسطينيين العزل.