-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ترامب بين الداء والنار

ترامب بين الداء والنار

لا يوجد في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، القصير جدا، مقارنة بأمم أخرى، رئيسٌ عبَد المادة، وجعلها “الإله” الأوحد لاقتصاد البلاد، من دون شريك لها، كما هي الحال مع الرئيس الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يتحدث عن أمر، إلا وقرنه بالمال، وجعله سجين المادة، فانتقاداته تصبّ في البحث عن خسائر هذا وذاك المادية، واستعانته بالمستشارين والمساعدين يتركّز على ما كسبوا من أموال في حياتهم، فكان الكسب الوفير والسّريع هو مشروعه في عهدته الأولى، التي تزلزلت بجائحة كورونا التي ردّته صاغرا إلى بيته، وسيكون أيضا في عهدته الثانية بالنيران التي عصفت بلوس أنجلس.

أي إن ترامب قد حوصر بين الداء والنار، بعد أن غلب جميع بلاد العالم، وهو بصدد تحذيرهم من الجحيم إن لم يدخلوا بيت طاعته الأبيض، وهو بين عجز أمام فيروس مجهري ونار لضى لا يصلاها إلا الأشقى.

يبدو ترامب في خرجاته الأخيرة، وما أكثرها، وكأنه حامل سيفه، وقابع على صخرة تطاول البنيان، يطلب من يبارزه في العالم، فلا يجد أحدا، والإذعان لتحذيراته بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم إذا صادف في عهدته أزمة حرب، يدخل في إطار الرعب الذي يشكّله هذا الرجل وسط الساسة والعسكريين وخاصة أهل الاقتصاد، فهو الرجل الأمريكي الوحيد الذي أعلن الحرب على العالم، من البعيدين مثل الصين وروسيا والدانمارك، إلى الجيران من المكسيك وكندا وبنما، بينما يرى في بقية العالم، مجرَّد أمم يجب أن تخدم أمريكا بالنفس والنفيس جدا بالخصوص، وتحمد الله على “نعمها” كما تجلى يوم الخميس في تدخُّله في “دافوس”.

ويبدو أيضا مثل الحمل الوديع وهو يعجز أمام فيروس مجهري دفّع أمريكا في عهد ترامب فاتورة موت قاربت مليونا ونصف مليون حالة وفاة بكورونا، وهو ما لم يحدث في أي بلد آخر، دون الحديث عن الخسائر المالية الكبرى التي زلزلت الرجل المادي الثخين، وسرّعت مغادرته البيت الأبيض، في سيناريو داكن السواد، وعجز قبل تنصيبه إلا على التعليق أمام نار ملتهبة أتت على أخضر لوس أنجلس، ولم يستطع أمامها غير ذرف برميل من اللعاب، منتقدا ومحللا في أكبر كارثة بيئية عرفتها بلاد في العالم، فكان قدره كما قال نزار قباني، أن يبقى بين الماء والنار.

يتّفق المؤرِّخون والساسة وعامة الناس في الولايات المتحدة على إدراج اسم الرئيس الأسبق جيمس بيوكانان الذي حكم البلاد في سنة 1820، كأسوإ رئيس قاد أمريكا، فقد كان يزعم أنه خليفة جورج واشنطن، ولكنه جرّ البلاد بسوء تصرّفه إلى فتنة بين مؤيدي الإبقاء على العبودية ومؤيدي إنهائها، وأدخلها في شبه حرب أهلية كادت تقضي على بلد الأحلام. والذي يقرأ سيرة “جيمس بيوكانان” ومواقفه وردود فعله، وسيرة الرئيس الحالي، سيجد تشابها كبيرا قد يؤدي إلى المصير نفسه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!