ترامب.. تشارلي تشابلن العصر

عندما ظهر فيلم “الديكتاتور العظيم”، لمنتجه الفيلسوف الفنان العبقري، تشارلي تشابلن، في 15 أكتوبر 1940، ضحك الناسُ كثيرا، وتسلّوا بمنظر الفنان تشابلن، وهو يتقمص شخصية النازي أدولف هتلر، يقذف “بالونا” عملاقا بقدميه وكتفه وركبته، كما يروّض عباقرة اللعبة الشعبية، الكرة المطاطية بأقدامهم.
لكن، تشارلي تشابلن، أوضح في أول مؤتمر صحافي، عقب عرض الفيلم، أنه لم يرد التهكّم والسخرية من زعيم النازية المنتحر، وإنما كان يُجسّد ما قام به، وهو اللعب ببلاد العالم أو بالكرة الأرضية غير المطاطية.
إنها حال الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب؛ فكثير من خرجاته تحقق “الترند”، وهو يقذف هذا بنكتة، وآخر بطرفة، فيبدو مثل الأبله البليد، شكلا ولسانا، ولكن تحرّكاته جميعا محسوبة في خدمة بلده وما يؤمن به يقينا.
وواضحٌ أن الصحافيين الذين يتبعونه في كل مكان، هم طرفٌ في كيان النظام الأمريكي، إذ سأله أحدهم عن النصيحة التي يمكن أن يقدّمها للرئيس الفرنسي ماكرون، فابتسم صاحب الثمانين عاما وطأطأ رأسه وأخرج رصاصة من جوفه: “على الرئيس مستقبلا أن يغلق باب الطائرة ولا يتركه مفتوحا، ما حدث أمرٌ غير جيد”، ثم أخلط ابتسامة بملامح انزعاج من الصفعة التي تلقّاها التلميذ إلى الأبد ماكرون، من أستاذته إلى الأبد بريجيت، فنسيها الرئيس الفرنسي في لحظتها، ولكن ترامب لن ينساها أبدا.
ترامب مقتنعٌ بأنه زعيم كوكب الأرض، في مكتبه هناك في واشنطن أو حتى هناك في “كوكبه” الذي لا تغرب عنه شمس ولا غيث، يستدعي الحاكم الذي يريد، وتأتيه القرابين من حيث لا يقول ولا يأمر، وقد فعلها مع رئيس أوكرانيا ورئيسة الوزراء الإيطالية ورئيس جنوب إفريقيا وملك الأردن، عبد الله الثاني، فيأمر هذا ويُظهر لآخر ما يمتلكه من صور، ويُسمعهم جميعا ما يُكنّ لهم من مشاعر، ومنهم من يغادر المكتب الذي يشبه مجلس القضاء، وهو لا يعلم ما كان يريد هذا الرئيس الذي قد يكون على حافة الجنون أو حافة العبقرية.
ما قاله ترامب عن ماكرون بين التجريح والنصيحة والسخرية، هو طعنة للدولة الفرنسية التي صارت تقدّم للعالم رجلا يتلقى الصفع من زوجته في الطائرة ببلاد فيتنام. والأمريكان في الأصل، لا يرون من رؤساء بعض البلاد الأوروبية إلا مصفوعين، فما بالك أن يقدّم لهم الرئيس الفرنسي بالصورة، الدليل على أن النهاية، مهما تعنترتَ وتجبّرتَ وزعمتَ.. هي صفعة، ومن عجوز في الغابرين.
من أشهر أقوال تشارلي تشابلن: “أنا دائما أحبّ السير في المطر، لأجل ذلك، لا أحد يستطيع أن يراني أبكي”.
وواضحٌ أن ترامب يسير في الحرّ والزوابع والعواصف والأمطار، فلا أحد فهم الرجل، وفهم ما يقول وما يفعل، وإن كان يبكي لحال رئيس فرنسا أم يضحك إلى حدّ القهقهة!