تعديلاتكم خراب للبيوت

أجمع المتدخلون في ندوة الشّروق حول مصادقة البرلمان على قانون العقوبات المعدل، على أن العلاقة الأسرية بين المرأة والرجل لا يمكن أن يحدّدها القانون، وأن الإجراء الأخير جاء إرضاء لجهات خارجية ولم يكن نابعا من طلبات داخلية، مؤكدين أن مظاهر العنف الموجودة في المجتمع لا بد لها من حلول مدروسة وليس بتشديد العقوبات فقط.
نعيمة صالحي رئيسة حزب العدل والبيان:
الأعراف في المجتمع الذكوري كرّست مبدأ ضرب الزوج لزوجته
اعتبرت رئيسة حزب العدل والبيان نعيمة صالحي، بأن القضاء على العنف في المجتمع لا يمكن أن يكون فقط بسن قانون لمعاقبة الزوج المعنف للمرأة، وشددَت على أنه يجب تفعيل دور الأسرة، والمدرسة والمسجد وحتى العائلة للقضاء على جميع أشكال العنف دون المساس بالتلاحم الأسري.
ولم تخف صالحي تخوفها من عواقب تطبيق هذا القانون الذي يجرم حتى الأفعال اللفظية المرتكبة داخل حرم الأسرة، لتقول “رغم أن القانون في بعض مواده جيد وخاصة تلك المتعلقة بالإهمال العائلي، إلا أن باقي المواد تبقى تثير القلق”، وأكدت رئيسة حزب العدل والبيان على أنها اقترحت مرارا وتكرارا في البرلمان وغيره من المناسبات إنشاء مجلس أعلى للأسرة لأنه-حسبها- كفيل بتنظيم الأسرة وحماية المرأة والأطفال من التشتت، وشرحت في السياق أهمية هذا المقترح والذي يستوجب تشكيل صندوق الزواج لمساعدة الشباب على الزواج والقضاء على مشكل العنوسة، وغيره من التحرشات الجنسية في الشوارع، وكذا تفعيل لجنة الصلح والتي تتكفل بحل المشاكل الأسرية قبل الوصول إلى أبغض الحلال عند الله ألا وهو الطلاق، مشيرة إلى أن الدولة الجزائرية لديها كل الإمكانات لإنجاح هذا المشروع والذي يساهم في المحافظة على الأسرة، لتعتبر بأنه كان الأولى بالحكومة تهيئة المناخ الملائم للأسر الجزائرية والتوعية في المدرسة وفي المسجد بأهمية الروابط الأسرية قبل سن عقوبات ردعية للحد من العنف الممارس ضد الزوجة لكنها ستؤثر أكثر على الروابط الأسرية وعلى حياة الأطفال ونفسيتهم.
وقالت صالحي بأن الدين الإسلامي حفظ كرامة المرأة وصانها قبل القوانين الوضعية، لتؤكد على أنها ليست بحاجة إلى قانون في وجود القرآن الكريم الذي صانها ودافع عن حقوقها، ولكن ـ تقول ـ المشكل يمكن في تطبيق النص القانوني والذي تلاعب به الرجل لصالحه، كما ساهمت التقاليد والأعراف والتربية الأسرية التي تمجد النزعة الذكورية في حرمان المرأة من حقها في التعبير عن مواقفها وفي اضطهادها وتعنيفها، لتشير إلى أن الأعراف الجزائرية دون وعي كرست مبدأ ضرب الزوج لزوجته والأخ لأخته حتى صار ذلك مظهرا من مظاهر الحياة اليومية للعائلات الجزائرية، وفي هذا السياق، شددَت على دور المسجد والخطاب الديني في المساهمة في هذه الثقافة الخاطئة وهذا عن طريق التفسيرات الدينية المتعصبة والمغلوطة والتي غالبا ما تعطي الحق للرجل مقابل المرأة.
وأشارت ذات المتحدثة إلى أن القانون الذي تمت المصادقة عليه أمام البرلمان نهاية الأسبوع والمتعلق بتجريم العنف ضد المرأة، تم من قبل “برلمان غير تمثيلي”، لتعتبر أنه لم يتم استشارة كافة الطبقة السياسية فيه. ولم تراع فيه خصوصية المجتمع الجزائري رغم أن بعض مواده جاءت لحماية المرأة من تعسف الرجل.
أحمد قوراية بروفيسور في علم النفس ورئيس حزب الشباب الديمقراطي:
المرأة هي أول من يرفض تجريم زوجها وإدخاله السجن
تساءل البروفيسور في علم النفس ورئيس حزب الشباب الديمقراطي أحمد قوراية، عن سبب إدراج مواد قانونية تخص الأسرة في قانون العقوبات، مستغربا جدوى العقوبات الردعية داخل الأسرة، معتبرا تمرير قانون بهذا الشكل سيساهم أكثر في خراب البيوت، ليصرح “أول من سيرفض القانون هي المرأة لأنها ستكتشف معاناة أكثر بعدها”.
وأوضح قوراية بأن المرأة ستكتشف بعد مرور الوقت أن القانون لن يخدمها بقدر ما سيضرها لأنها ستخرب بيتها بيديها، مضيفا أنها إن أدخلت زوجها السجن فما الذي سيبقى في الرابطة الزوجية وسيكون مآلها التفكك، والأطفال في الأخير سينحرفون في غياب الرعاية الأبوية.
وقال قوراية بأن الأسرة الجزائرية لا تحتاج إلى قانون لتنظيم سلوكاتها، ليضيف “قانون العقوبات جريمة في حق الأسرة”، مشيرا إلى أن المشرع الجزائري خضع لضغوطات أجنبية لسن هذا القانون لمواكبة أطروحات تمس بالدين الإسلامي وقيم المجتمع الجزائري، مصرحا “بهذا القانون هم يريدون الذوبان في ثقافة الآخرين”، وأشار في السياق إلى أن المخطط الغربي يبحث عن تكريس الانفرادية في الجزائر وتفكيك الروابط الأسرية من خلال أكذوبة الدفاع عن حقوق المرأة والقضاء على العنف.
وشدَد البروفيسور في علم النفس على أن تطبيق هذا القانون ستكون له عواقب وخيمة على المجتمع الجزائري والأسرة الجزائرية، خاصة من خلال المساهمة في ارتفاع حالات الطلاق، وكذا تشتت الأطفال وتدمير نفسيتهم، وهو المخطط الصهيوني-يقول- الذي يسعون لتحقيقه في المجتمع الجزائري المعروف بالترابط الأسري، المبني على المودة والرحمة، حيث سيقضون على كل هذه الصفات عن طريق قوانين هدامة للأسرة.
وعاد قوراية للتأكيد على أن البرلمان الذي صوت على هذا القانون لا يمكنه أن يمثل أو يفهم المتجمع الجزائري لأنه لو فهمه أو عرفه لما وافق على هذه المهزلة، وأضاف بأن الحل الأمثل للقضاء على العنف ضد المرأة يكمن في التنشئة والتربية الاجتماعية المبنية على التفاهم وعلى حفظ وصيانة كرامة المرأة، باعتبارها لها حقوق وواجبات مثلها مثل الرجل، أي مكملا له لا ندا في المجتمع.
الخبير القانوني عمار رخلية:
قانون العقوبات المعدل جاء مغازلة للغرب وانعكاساته ستكون سلبية
اعتبر عمار رخيلة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر أن قانون العقوبات المصادق عليه بالمجلس الشعبي الوطني لاسيما في شقه المتعلق بالعنف ضد المرأة جاء متسرعا ولم تؤخذ فيه جميع الجوانب الضرورية في صياغة أي قانون، خاصة الجانب الاجتماعي، مضيفا أن الطريقة التي طرح بها هذا القانون يراد من خلالها مغازلة مباشرة للدول الغربية في محاولة للظهور بمظهر المستجيب.
كما أكد الخبير في القانون أن المشرع الجزائري كان الأحرى به أن يأخذ لدى طرحه لنص هذا المشروع بعين الاعتبار الإجراءات الوقائية العلاجية بدل طرح هذا القانون بصفته الردعية التي من شأنها أن تحمل انعكاسات سلبية في المستقبل القريب.
معتبرا أن المصادقة على قانون العقوبات المعدل والمتمم سيفتح المجال أمام المصادقة على قوانين أخرى كانت الجزائر في وقت سابق متحفظة عليها لما تحمله من تدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، من خلال ضغوطات تكون غير مباشرة تمر عبر قوانين يصادق عليها نواب الشعب.
وأضاف رخيلة أن النقلة التي عرفها المجتمع الجزائري والترقية التي تحصلت عليها المرأة جاءت بناء على التنمية والتطور الملحوظ للمجتمع وليس على جملة القوانين التي تصاغ استجابة للضغوطات الخارجية، معتبرا أن الطريقة التي طرح بها قانون الأسرة والذي كان محل نقاش وجدل كبير بسبب وجود فئة رافضة له على أساس أنه مستمد من التشريع الإسلامي زاده التعديل الذي كان في سنة 2005 بتعليمة رئاسية وليس بمطلب شعبي، أسباب جعلت من هذه القوانين بعيدة عن المطلب الشعبي.
مضيفا أن قضية العنف ضد المرأة لن تعالج بقوانين ردعية التى أبانت في وقت سابق أنها لا تنفع في المجتمع، خاصة وإن رأينا أن القوانين السابقة مثل قانون النفقة الذي لحد الساعة لم تحل على مستوى المحاكم برغم من الإجراءات الردعية.
محمد حديبي، قيادي في حركة النهضة:
السلطة أفلست وتعول على المرأة لتفعيل شرعيتها من جديد
أكد القيادي في حزب النهضة، محمد حديبي، أن النظام الجزائري يعيش أزمة شرعية على المستويين الداخلي والخارجي، جعلته يبحث عن أوراق يوظفها لاكتساب شرعية جديدة، حيث فكر في اللجوء إلى المرأة وكسب استعطافها لرفع منسوب شرعيته التي فقدها بفشله في تحقيق مختلف المشاريع التنموية.
وأوضح محمد حديبي في ندوة “الشروق”: “أنه كان من المفروض وقبل أن نصل إلى وضع هذا القانون والمصادقة عليه، كان على السلطة أن توفر بعض آليات الحوار على غرار فتح مدارس التكوين العائلية، أين يتم تكوين هؤلاء الأزواج في فترة الخطوبة، ولكن للأسف السلطة لجأت إلى تطبيق القانون مباشرة، ولهذا فإن تطبيق هذا الأخير هو استجابة لضغوطات أجنبية لكسب الشرعية الدولية في ظل الإفلاس الذي تعانيه السلطة وإعطائه شرعية أكثر لتواصل السلطة في تنفيذ سياستها تجاه الجزائر لأنها تملك سندات خارجية”.
وأشار حديبي، إلى أن هذا القانون، ناتج عن مخططات جمعيات غربية مشبوهة، ضغطت على الأنظمة الغربية، وبالتالي فإن السلطة اليوم مجبرة على تلبية رغبات أطراف أجنبية لتحصل بذلك على شهادة “إزو” دولية في التفكك الأسري نتيجة تنازلها وتخليها عن القيم الخاصة بالجزائريين، وأكد المتحدث في سياق متصل أن المشروع ستكون له عواقب وخيمة على المجتمع والدولة معا، حيث قال: “يوجد رفض لهذا القانون ولا تتصوروا أن الأمر سيمر بسلام، خاصة وانه ستنجر عن تشريع هذا القانون جملة من المشاكل على المجتمع من بينها ارتفاع نسبة الطلاق، والتفكك الأسري وغيرها من الآفات الاجتماعية الخطيرة”، وتابع حديبي: “نحن لا نشجع على ضرب المرأة، لأنه أسلوب غير حضاري، ولكن إذا كان المشرع يدرك واقع الجزائريين ونمط تفكيرهم وحياتهم فكيف بقوم بتشريع قانون مناف لخصوصيات هذا المجتمع؟”.
ومن جهة أخرى، تساءل القيادي في حزب النهضة محمد حديبي عن خلفية المصادقة على هذا القانون في هذا الوقت بالذات، حيث قال: “يجب أن ننظر إلى هذا القانون من زاوية أخرى، وهي لماذا تمت المصادقة على هذا القانون في هذا الوقت بالذات؟ هل يعد هذا القانون أولوية في الوقت الراهن؟ هل أزمة الجزائريين اليوم محددة في مشكل “المرأة؟”، منذ 1962 إلى غاية الآن لم تتخذ السلطة قرارا يدعم الهوية الوطنية، وترك مشروع تكوين المجتمع الجزائري في تجاذب بين مشروع عربي مسلم ومشروع أوروبي أورو متوسطي، ولكن مع مجيء الرئيس الحالي للبلاد، فصل في مشروع المجتمع بالاتجاه نحو المشروع الأورو متوسطي، ونلاحظ ذلك من خلال عدة مواقف، حيث تتعمد السلطة سلخ كل الأدوات المتعلقة بهوية وأصالة المجتمع الجزائري، في مقدمتها اللغة، ثم أسس الدين الإسلامي وهو دين الدولة، التفسخ، إلغاء حكم الإعدام، قضية إلغاء ركن الولي في الأسرة، ونلاحظ أن النظام الاستعماري الفرنسي لم يتجرأ على تغيير المنظومة الاجتماعية للأسرة لجزائرية، ولكن هؤلاء فعلوا ذلك، وترك محاكم إسلامية خاصة بتنظيم حياة الجزائريين.