تعميم الهولوكوست

تعيش تركيا هذه الأيام على وقع مشروع القانون الفرنسي الجديد الذي يدين ما تسميه فرنسا بمجازر الإبادة التركية التي ارتكبت في حق الأرمن في بداية القرن الماضي والذي وقع كالصاعقة على رأس جميع الأتراك، خاصة وأنه يجرم كل من ينفي وقوع هذه الإبادة، سواء من الأتراك أو من غيرهم، وهو من هذه الناحية يشبه ما هو متداول قضية الهولوكوست أو المحرقة المزعومة التي أقامها الزعيم الألماني هتلر لليهود خلال الحرب العالمية الأولى، مما يوحي أن فرنسا مكلفة تكليفا من طرف القوى الأساسية في العالم الجديد بدور الدفاع عن قضية تاريخية هي بعيدة عنها جغرافيا وسياسيا وحتى اقتصاديا…
سالم زواوي
خاصة في الظرف الحالي الذي تبدو فيه هذه القضية بعيدة عن الاهتمام ولا تكاد تكون لها صلة بالأحداث الأساسية، اللهم إلا إذا أنيطت لفرنسا، في الخفاء، مهمة الخلط في منطقة آسيا الصغرى لصالح النظام العالمي الجديد ومن أجل أن تتدارك ما فاتها في أفغانستان والعراق ولبنان، ووضع هذه الحجرة في حذاء تركيا، رغم أنف الشعب الفرنسي الذي يقف مذهولا لا يدري كيف يتصرّف حيال مبادرات رئيسه وبعض ساسته الكبار وبرلمانييه.
وبالإضافة إلى أنه لا يمكن تفسير صدور هذا القانون بالرغبة الفرنسية في قطع طريق انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية والعداء الذي يحمله الرئيس الفرنسي وفريقه للشرق والبلدان الإسلامية، فإنه من الغرابة أن يتم إعداد قانون يجرم تركيا والأتراك، شهورا معدودات بعد مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي الذي يمجد أعمال الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من 3 ملايين جزائري على مدى الهيمنة الاستعمارية الفرنسية على الجزائر بين 1830 و1962.
هذا الكيل بمكيالين هو الذي جعل تركيا تهب هبة رجل واحد وتثير ما ارتكبته فرنسا من مجازر في الجزائر وتستشهد به لإثبات بطلان القانون الفرنسي الأخير، ويقوم بعض الأتراك من مسؤولين وغير مسؤولين بالتلميح إلى أن ما وقع في الجزائر إنما وقع للأتراك، باعتبار أن الجزائريين، عند بداية تلك المجازر الإبادية كانوا تحت الحماية أو الوصاية التركية، في حين سكت الجزائريون تماما عن هذه القضية ويبدو أنهم في طريق السكوت الأبدي عنها مراعاة لبعض المصالح الضيقة والشخصية لبعض الأطراف الجزائرية.
وإذا كان الأتراك في مواجهتهم للقانون الفرنسي الذي يجرمهم على جرائم ربما لم يرتكبوها، ينظرون نظرة ضيقة إلى الأمور ويواجهونه بما يضمن بقاء حظوظهم في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن على العالم العربي والإسلامي أن ينظر إلى ذلك من زاوية ما يخطط وما يجري من طرف الغرب في المنطقة قصد تضييق الخناق أكثر فأكثر على شعوب هذا العالم وتطويقها لتجريدها من كل المنافذ المطلة على الكون وتحويلها إلى آلة لخدمة المصالح الصهيونية والأمريكية الضيقة التي تتجه نحو توسيع آلية الهولوكوست إلى شعوب وبلدان أخرى لتدمير شعوب وبلدان أخرى.