تغاريد القسّام وزغاريد الشّام

بين تغاريد كتائب “القسّام”، وزغاريد تحرير الشام، يعيش العربي المسلم الحرّ -اليوم- بين معاناة الشهيد وتيه الشريد، ومحنة الطريد، بحثا عن الموقف السديد.
هذا الكيان الصهيوني المتغطرس، قد علا في أرضنا، فجعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم، يحتل ديارهم، ويغتال أحرارهم، ويروّع شيوخهم وصغارهم، مهدهدا كبراءهم وأشرارهم.
لم يكتف الصهاينة بجريمة العصر التي تضاف إلى سلسلة جرائمهم الدموية، لم يكتفوا بمأساة غزة، ولبنان، والضفة، والقدس، وهاهم يتمادون في زرع القتل، والدمار، في كل يوم، بل إنهم يشحذون أسلحة العدوان، ويُخرجون مخالب الشر، تربّصا بسوريا، وقد وضعت المسكينة أولى خطواتها في بلد تحرّر من الاستبداد، فاحتلت أجزاء منه، وقصفت ذخائره الحربية، بلا وازع ولا رادع، مستغلّة هشاشة نظامه.
ويح الشام، هذا الجزء الغالي من وطننا العربي المسلم الكبير، الذي يجسد العراقة الحضارية في المشرق، كما جسّدها الأندلس في المغرب، ويحه من آثار ما يعاني، وقد طوّح به الاستبداد، وأذاقه النظام المخلوع، شتى أنواع الاضطهاد، فحكم على الملايين من أحراره بالنفي والإبعاد.
إن السوريين -اليوم- يمتحنون في وطنيتهم، ووحدتهم، واستقرارهم، وفاعليتهم، يتربص بهم الأعداء الدوائر، وقد توالت عليهم الضربات، وأنهكتهم السجون، والمعتقلات، وهاهم بنو صهيون، بتواطؤ من حلفائهم، يغيرون عليهم بالطائرات للقضاء على ما لديهم من قدرات عسكرية.
وأيّا كانت علامات الاستفهام حول هذا الصمت الرهيب الذي يبدونه إزاء التحديات، وعدم النبس ببنت شفة إزاء ما يلاقيه أشقاؤهم في غزة، فإن نجاحهم مرهون، بتسوية الصف، ووحدة الكلمة، وصدق الإيمان، والوعي بالانتماء، والتحلي باليقظة، لمواجهة الفخاخ والأطماع والمكائد.
والحقيقة أن لأشقائنا في الشام دينا علينا، هو دين الوفاء، فقد أحسنوا وفادة المهجّرين من الظلم الاستعماري البغيض من مواطنينا الجزائريين، فأحسنوا احتضانهم، وآووهم، وبوّأوهم مكانا عليّا، فمن واجبنا اليوم أن نشاركهم في الشدائد والمحن، كما شاركونا في المصائب والإحن.
ليس الآن وقت مساءلة الوافدين على سوريا، من حكامها الجدد، فما يسلّم به الجميع لهم، هو أنهم خلّصوا وطنا من الحكم الفردي المستبد، ووضعوا حدا لمعاناة آلاف الأبرياء الذين ظلوا قابعين في غياهب السجون المظلمة، بدون مساءلة أو محاكمة.
كما أن ما نسلّم به أيضا، هو أن العدو المشترك بين فلسطين والشام، هو العدو الصهيوني المتوحش، الذي لا يفرق بين تغاريد “القسّام”، أو زغاريد تحرير الشام، فالكل عنده، عدو واحد.
والصهيونية كما وصف حقيقتها عالِم الجزائر محمد البشير الإبراهيمي طيّب الله ثراه: “إن الصهيونية فيما بلونا من ظاهر أمرها وباطنه، نظام يقوم على الحاخام، والصيرفي، والتاجر، ويتسلّح بالتوراة، والبنك والمصنع، وغايتها جمع طائفة قدّر لها أن تعيش أوزاعا، بلا وازع، وقدّر لها أن تعيش بلا وطن، ولكن جميع الأوطان لها، فجاءت الصهيونية تحاول جمعها في وطن تسميه قولا فلسطين، ثم تفسره فعلا بجزيرة العرب كلها” [آثار الإبراهيمي، ج3، ص437].
ويستخلص إمامنا الإبراهيمي من هذه الوصفة الحقيقية، نداء ملحا وصادقا يتوجه به إلى العرب قائلا لهم: “أيها العرب! إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم، وهممكم، وأموالكم، ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للأمة جمعاء… إن الصهيونية وأنصارها مصمّمون، فقابلوا التصميم، بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه” [المصدر السابق، ص438].
وحيثما أدرت وجهك، وتأمّلت ما يعانيه أي جزء من الوطن العربي اليوم، وخير مثال هو فلسطين، وسوريا، ولبنان، وغيرها، فاعلم أن الجرثومة التي تكمن خلف كل محنة ومعاناة، إنما هي الجرثومة الصهيونية الجديرة بالاستئصال، ومن واجب العرب أن يستأصلوها، فإن لم يفعلوا، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
إن المعركة الدائرة اليوم على ساحة أمتنا، مجسّدة في فلسطين، وفي سوريا، يشتد أوارها في غزة، وتنذر أعراضها بما قد يحدث في سوريا، من كيد الأعداء ومؤامرات الصهاينة الألدّاء.
الصهيونية كما وصف حقيقتها عالِم الجزائر محمد البشير الإبراهيمي، طيّب الله ثراه: “إن الصهيونية فيما بلونا من ظاهر أمرها وباطنه، نظام يقوم على الحاخام، والصيرفي، والتاجر، ويتسلّح بالتوراة، والبنك والمصنع، وغايتها جمع طائفة قدّر لها أن تعيش أوزاعا، بلا وازع، وقدّر لها أن تعيش بلا وطن، ولكن جميع الأوطان لها، فجاءت الصهيونية تحاول جمعها في وطن تسميه قولا فلسطين، ثم تفسره فعلا بجزيرة العرب كلها”.
وإن العاجلة اليوم، هي مأساة غزة، التي لا يتورع الكيان الصهيوني المتوحّش عن صب جام غضبه وحقده، على شعبها الأعزل، فهو في كل يوم يقوم بزرع إجرامه وقتله للعشرات من الغزاويين، نساء، وأطفالا، وكهولا، وشبابا، ولا يتورعون في ذلك عن هدم المساجد، والمدارس، والمستشفيات، إن التاريخ سيحاسبنا عما نحن فاعلون إزاء مأساة العصر هذه.
أيجوز لنا أن ننعم بالرفاهية، وإخوان أشقاء في غزة يعانون البؤس؟
أليس حراما علينا أن نتمتع بألوان الطعام، في حين لا يجد شعبنا في غزة ما يسدّ به الرمق؟
ثم إن الأدهى من كل هذا، أن يقدِم البعض من حكامنا، على موالاة المعتدين، فيصافحون أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من إخوانهم.
فيا بني قومي!
لا تخدعنّكم عربدة الصهاينة في غزة، وفي سوريا، وفي جنوب لبنان، وفي العراق، وفي اليمن، فإنما هي رقصة الطير المذبوح من الألم.
إن الصهيونية تعيش الرمق الأخير من وجودها، فالأزمة القاتلة التي تنخر كيانها والممثلة في هجرة مستوطنيها، وغلق مؤسساتها، وبطالة مطاراتها ومرتاديها، إن هذه الأزمة هي المقدمة الصحيحة للنتائج التي ستؤول إليها الأوضاع المتردية في ديار بني صهيون.
وإذا أضفنا إلى كل ذلك، الفساد المستشري والذي وصل إلى حد محاكمة الرؤوس، تبيّنت لنا النتيجة.
لهذه المعطيات كلها، فإن ضرورة الالتفاف حول سوريا، لإنقاذها من مخالب المتآمرين والمتربّصين، هو تقوية لساعد الفلسطينيين، وإن الضرب على أيدي الصهاينة المعتدين، بالحيلولة بدون المساس بوحدة سوريا، إنما هو وضع لبنة صحيحة في البناء العربي الإسلامي الصحيح في منطقتنا.
والأمل معقود على سياسة دولتنا الجزائرية التي عوّدتنا على إتّباع سياسة الحياد الإيجابي الذي لا يجيز التدخُّل في الشؤون الخاصة لكل دولة، إلا في حمايتها من العدوان، والمساهمة في تخليصها من الطغيان.
وإننا نتوق إلى امتزاج تغاريد كتائب “القسّام”، وزغاريد “هيئة تحرير الشام”، بما يعود على المنطقة كلها، بإقامة السلام وتعزيز الوئام، وتخفيف الآلام، لنتقدّم دوما إلى الأمام.