تقرير: عينٌ على الأقصى.. تحقيق الوجود اليهوديّ في المسجد الأقصى (3)
تصدر مؤسسة القدس الدولية منذ عام 2005 تقريرًا دوريًّا يرصد الاعتداءات على المسجد الأقصى وتطور خطوات الاحتلال الإسرائيلي تجاهه. ويعدّ هذا التقرير الخامس عشر في هذه السلسلة وهو يوثّق الاعتداءات على الأقصى ما بين 2022/8/1 و 2023/8/1.
الفصل الثالث: تحقيق الوجود اليهوديّ في المسجد الأقصى
ما زال المسجد الأقصى يرزح تحت محاولات أذرع الاحتلال الحثيثة لتهويده، وتثبيت الوجود اليهودي داخله، وما ينجم عن هذا الوجود من إزالة للوجود البشري الإسلامي، الذي يشكل الأداة الأولى لعرقلة مخططات الاحتلال، وصد اعتداءاته المتكررة بحق الأقصى، ومع كل خطوة تضعف أذرع الاحتلال عبرها الوجود الإسلامي في الأقصى، تدعم في المقابل الوجود الاستيطاني اليهودي داخل المسجد، وهذا ما يفتح المجال أمام تحويل الوجود اليهودي من وجودٍ عابر يتعلق بساعات الاقتحام شبه اليوميّة، إلى وجودٍ دائم. ومع تنامي أطماع المنظمات المتطرفة وتعزيز علاقاتها السياسية والأمنية، شهدت السنوات الماضية تصاعدًا في استهداف المكون البشري الإسلامي.
ونقدم في هذا الفصل إطلالةً على محاولات الاحتلال فرض الوجود اليهودي داخل المسجد الأقصى، عبر رصد خطط “منظمات المعبد” وما تقوم به من دعواتٍ إلى حشد أكبر أعدادٍ ممكنة من المستوطنين لاقتحام الأقصى، وما يتصل بهذه الاقتحامات من مشاركة الشخصيات السياسية الرسمية والمتطرفين اليهود والحاخامات. ويُقدم الفصل إطلالة على دور الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة في حماية المقتحمين، والاعتداء على الأقصى، وعرقلة عمل دائرة الأوقاف الإسلامية، واستهداف المكون البشري الإسلامي عبر عرقلة وصوله إلى الأقصى، وإبعاده عنه مددًا متفاوتة.
أولًا: اقتحام المسجد الأقصى
صعدت أذرع الاحتلال من اقتحام المسجد الأقصى في أشهر الرصد، وتابعت اقتحام المسجد بصورةٍ شبه يوميّة، إضافةً إلى حشد أعدادٍ كبيرة من المقتحمين بالتزامن مع الأعياد اليهوديّة، وكثفت “منظمات المعبد” جهودها لحشد أعدادٍ كبيرة من المستوطنين للمشاركة في هذه الاقتحامات، وشكَّل عيد الفصح العبري الذي تزامن مع الأسبوع الثالث من شهر رمضان، محطة بالغة التصعيد، شهدت إلى جانب الاقتحامات الحاشدة جملةً من الاعتداءات بحق المسجد الأقصى ومكوناته البشرية. وإلى جانب الأعياد اليهودية شهدت المناسبات “الوطنية” الإسرائيلية اقتحامات حاشدة، على غرار ذكرى قيام دولة الاحتلال، و”يوم توحيد القدس”.
- اقتحامات الشخصيات الرسمية
|
تدعم شخصيات سياسية إسرائيلية عديدة “منظمات المعبد” وتتبنى أطروحاتها، وشهدت الحكومة الإسرائيلية الأخيرة مشاركة عددٍ من الوزراء الذين يتماهون معها، إن من خلال التصريحات، أو عبر المشاركة في اقتحام المسجد الأقصى، إضافةً إلى التحريض الدائم على كل ما يتعلق بالمسجد. وشهد الرصد الحالي تصاعدًا في حجم الاقتحامات السياسية للأقصى وكثافتها، فقد بلغت ما بين 1/8/2022 و1/8/2023 نحو 16 اقتحامًا، بعد تراجعها بشكلٍ كبير في التقارير الثلاثة الماضية، فقد رصد التقرير السادس عشر ثلاثة اقتحامات سياسية ما بين 1/8/2021 و1/8/2022، في مقابل 4 اقتحامات رصدها التقرير الخامس عشر.
ويُعدّ وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (القوة اليهودية) أكثر الوجوه السياسيّة الإسرائيليّة الحالية مشاركة في اقتحام الأقصى، فقد اقتحمه 6 مرات في أشهر الرصد، من بينها اقتحامه في 7/8/2022 بالتزامن مع ذكرى “خراب المعبد”. وفي 12/10/2022 اقتحم بن غفير الأقصى بالتزامن مع اليوم الثالث من “عيد العُرُش”. ومع توليه منصب وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، اقتحم بن غفير الأقصى في 3/1/2023، وكرر حديثه عن “تهديدات حماس”. أما اقتحام بن غفير الأخير في أشهر الرصد، فكان في 27/7/2023 بالتزامن مع ذكرى “خراب المعبد”، وفي مقطع مصور في أثناء تجوله في ساحات الأقصى قال بن غفير “هذا المكان هو الأهم، نحتاج إلى العودة إليه وإظهار سيادتنا عليه”.
وإلى جانب بن غفير، برز في مدة الرصد عددٌ من الشخصيات الرسمية، من بينهم وزير النقب والجليل في حكومة الاحتلال المتطرف يتسحاق فاسرلاف (القوة اليهودية)، الذي اقتحم الأقصى ثلاث مرات. إضافةً إلى عددٍ من أعضاء “الكنيست” اقتحموا الأقصى في أكثر من مناسبة، وهم يوم توف كالفون (يمينا)، وأرئيل كيلنر وعميت هاليفي ودان إيلوز وشارين هسكل ونسيم فاتوري (ليكود)، وتسفيكا فوغيل (القوة اليهودية).
- اقتحامات المتطرفين اليهود
|
تُشكل اقتحامات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى الأداة الأبرز لفرض الوجود اليهودي داخله، وقد رسخت أذرع الاحتلال الاقتحامات لتكون أبرز الاعتداءات شبه اليومية التي يتعرض لها المسجد الأقصى، وعملت هذه الأذرع وفي مقدمتها “منظمات المعبد” على رفع حجمه وكثافته عامًا بعد آخر، عبر اقتحام المسجد الأقصى بشكلٍ شبه يوميّ، إضافةً إلى استفادتها من الأعياد الدينيّة اليهوديّة والمناسبات الأخرى لرفع أعداد المقتحمين من جهة، وأداء الطقوس اليهوديّة العلنية في ساحات الأقصى الشرقية من جهة أخرى.
ولا تترك “منظمات المعبد” مناسبةً إلا وتستفيد منها لاستهداف المسجد الأقصى ومكوناته المختلفة، إلى جانب توظيف الطقوس اليهودية لرفع حجم استهداف المسجد الأقصى، فقبل عدة أسابيع من ذكرى “خراب المعبد” أطلقت “منظمات المعبد” استعداداتها لحشد أكبر أعدادٍ من المقتحمين مطلقة على هذه الحملة عنوان “توقف عن البكاء وابدأ بالبناء”، وفي 7/8/2022 اقتحم الأقصى نحو 2201 مستوطنًا، وبحسب مصادر فلسطينية تراوحت مجموعات المقتحمين ما بين 30 و90 مستوطنَا، وشهد الاقتحام مشاركة العشرات من عتاة المتطرفين، اقتحموا الأقصى مرتدين لباس “التوبة” الأبيض.
ويُعد عيد “العُرُش” واحدًا من أبرز الأعياد اليهودية التي تشهد اقتحامات حاشدة للمسجد الأقصى، وقد أعلنت “منظمات المعبد” أنها تخطط لمشاركة نحو 5 آلاف مستوطن في اليوم الثاني من العيد في 11/10/2022، إضافةً إلى المكافآت المالية التي أعلنت عنها قبيل “عيد الغفران”. وفي اليوم الثاني من العيد في 10/10/2022 اقتحم الأقصى 278 مستوطنًا، تلقى عددٌ منهم شروحات عن “المعبد”، وأدوا طقوسًا يهودية علنية في ساحات الأقصى الشرقية. وفي 11/10/2022 استبقت قوات الاحتلال الاقتحامات بفرض إجراءاتٍ مشددة أمام المسجد الأقصى وفي ساحاته، وشهد الاقتحام جملةً من الاعتداءات من بينها أداء أعدادٍ من المستوطنين السجود الملحمي في ساحات الأقصى. وإدخال عددٍ من المقتحمين القرابين النباتية إلى المسجد، وبلغ عدد مقتحمي المسجد في هذا اليوم نحو 1519 مستوطنًا.
ويمكن أن نسلط الضوء على عيد “الفصح العبري” كأبرز مواسم الاعتداء على الأقصى في أشهر الرصد، إذ أعادت المنظمات المتطرفة إغراء جمهور المستوطنين بالمكافآت المالية على غرار ما جرى في عام 2022، وقُبيل حلول العيد حاولت شرطة الاحتلال إنهاء الاعتكاف في المسجد أكثر من مرة. وبحسب مصادر فلسطينية شارك في اقتحام الأقصى نحو 3430 مستوطنًا في أيام “الفصح” العبري، وشهدت هذه الاقتحامات مشاركة أعضاء حاليين في “الكنيست”، وقادة في “منظمات المعبد” إضافةً إلى عددٍ من الحاخامات.
ولم تعد المناسبات الدينية اليهودية، هي المناسبات الوحيدة التي تشهد اقتحامات حاشدة للمسجد الأقصى، بل صعدت أذرع الاحتلال من استخدام مختلف المناسبات الإسرائيلية، ومن بينها يوم “توحيد القدس” ففي 18/5/2023 اقتحم الأقصى 1286 مستوطنًا، وشهد المسجد انتشارًا مكثفًا من قبل قوات الاحتلال، وشارك في الاقتحام وزراء في حكومة الاحتلال وأعضاء في “الكنيست”، وكشفت مقاطع مصورة نشرتها منظمات الاحتلال المتطرفة أداء أعضاء “الكنيست” نشيد “الهاتيكفاه” داخل باحات المسجد، وشهدت فترة الاقتحامات المسائية رفع أحد المقتحمين علمًا صغيرًا للاحتلال وهو في طريقه نحو خارج المسجد الأقصى، ولم تستطع أذرع الاحتلال تحقيق الهدف الذي وضعته، فقد نشرت بأنها تخطط لمشاركة نحو 5 آلاف مستوطن في اقتحام المسجد، إلا أن عدد مقتحمي المسجد كان أقلّ بكثير من ذلك الهدف.
وتُعدّ ذكرى “خراب المعبد” آخر محطات التصعيد التي يغطيها التقرير، خاصة أنها تزامنت مع الذكرى السادسة لنصر هبة “باب الأسباط”؛ ففي 27/7/2023 اقتحم الأقصى 2180 مستوطنًا، بمشاركة حاخامات وسياسيين، من بينهم رئيس “اتحاد جماعات المعبد” الحاخام شمشون إلباوم، وأدى المقتحمون صلوات يهوديّة علنية في ساحات الأقصى الشرقية، وسمحت شرطة الاحتلال أن يضم فوج المقتحمين الواحد نحو 100 مستوطن، أدوا صلواتٍ يهودية صامتة وعلنية في ساحات الأقصى الشرقية، وكشفت مقاطع مصورة نشرتها المنظمات المتطرفة عن قيام المقتحمين بالغناء والرقص داخل ساحات المسجد، إضافةً إلى أداء “السجود الملحمي” بشكلٍ جماعي. وعلى الرغم من هذه الاقتحامات الحاشدة، فإن أذرع الاحتلال لم تستطع تجاوز رقم الاقتحام في العام الماضي.
وفي حصيلة جهود أذرع الاحتلال هذه، بلغ عدد اليهود الذين اقتحموا المسجد الأقصى المبارك في مدة الرصد الممتدة من 1/8/2022 حتى 1/8/2023، نحو 58533 مقتحمًا، من المستوطنين والطلاب اليهود وعناصر الاحتلال الأمنية. توزعوا على أشهر الرصد كما يظهر الرسم البياني الآتي:
رسم بياني لأعداد مقتحمي الأقصى في أشهر الرصد من 1/8/2022 حتى 1/8/2023
ويُشير العدد الإجمالي لمقتحمي المسجد الأقصى، ومعطيات الرسم البياني أعلاه، إلى تصاعدٍ جديد في أعداد مقتحمي الأقصى بلغ نحو 7816 مقتحمًا، مقارنة بأعداد مقتحمي الأقصى التي رصدها التقرير الماضي فقد بلغ عددهم نحو 50717 مقتحمًا، ما بين 1/8/2021 و1/8/2022، أي أن معطيات الرصد الحالي سجلت ارتفاعًا بنحو 15.4%.
- اقتحامات الأجهزة الأمنية
|
شكلت أذرع الاحتلال الأمنية رديفًا للمستوطنين في اقتحامات المسجد الأقصى، وتحوّلت في السنوات الماضية إلى واحدةٍ من أبرز أدوات الاحتلال لفرض سيطرته على الأقصى، وما يتصل بها من فرض القيود أمام أبواب المسجد، والتضييق على مكوناته البشرية، وخلال مدة الرصد رسخت الاقتحامات الأمنية للمسجد عددًا من الأدوار بالغة الخطورة، وهي:
- توفير المزيد من حماية لأداء المستوطنين للطقوس اليهوديّة العلنية، ومنع أي عناصر بشرية إسلامية من عرقلة تعرقل أداء هذه الصلوات.
- العمل على إفراغ الأقصى من المرابطين، واستخدام القمع والتنكيل والاعتقال، لتحقيق هذا الهدف.
- تأمين مسار الاقتحامات داخل الأقصى، ومنع أي عنصر بشري إسلامي من الرباط فيه.
- الاستهداف المتكرر للساحات الشرقية للأقصى، من خلال اقتحام مصلى باب الرحمة ومحاولة إفراغ محتوياته، وقطع أسلاك الكهرباء والصوت أكثر من مرة.
وفي سياق سعي الأجهزة الأمنية و”منظمات المعبد” إلى فتح المزيد من أبواب الأقصى أمام الاقتحامات، سمحت قوات الاحتلال لمجموعة من المستوطنين باقتحام الأقصى من باب الأسباط في 28/8/2022 ، على أثر إخراجهم من الباب ومن ثم السماح لهم بالدخول إلى الأقصى عبره مرة أخرى. وشكل هذا القرار سابقة لم يشهدها المسجد في السنوات الماضية، وأشار متابعون لشؤون القدس إلى أنها محاولة لفرض المزيد من السيطرة على أبواب المسجد، وتحويل مثل هذه الانتهاكات إلى حقائق على أرض الواقع.
وفي أشهر الرصد رسخت أذرع الاحتلال الأمنية دورها في قمع المرابطين في الأقصى، وعملها على حماية المقتحمين، وتهيئة الأوضاع في المسجد لاقتحامات “هادئة”، إذ حاولت قوات الاحتلال إنهاء الاعتكاف في الأقصى، ففي 26/3/2022 اقتحمت قوات الاحتلال الأقصى، واعتدت على المعتكفين داخل المصلى القبلي، وأخرجتهم بالقوة. وفي ساعة متأخرة من ليلة 5/4/2023 اقتحمت قوات الاحتلال الأقصى، واستخدمت الرصاص المعدني المغلف بالمطاط والقنابل الحارقة، واعتدت بوحشية على المصلين، وأظهرت مقاطع مصورة استهداف المرابطين والمرابطات بالهراوات والضرب المبرح، وهذا ما أدى إلى إصابة عشرات الفلسطينيين، وأدت اعتداءات الاحتلال إلى اعتقال نحو 450 فلسطينيًّا، في محاولة لإنهاء الاعتكاف.
وتابعت قوات الاحتلال محاولاتها إسكات صوت الأذان من المسجد الأقصى، وهو سلوك تنفذه أذرع الاحتلال الأمنية بالتزامن مع أي مناسباتٍ تعقدها أذرع الاحتلال في ساحة حائط البراق المحتلة، ففي 24/4/2023 قطعت شرطة الاحتلال صوت أذان العشاء في المسجد الأقصى، وبحسب مصادر مقدسية قطعت قوات الاحتلال الصوت بالتزامن مع احتفالات في ساحة البراق المحتلة، لإحياء ذكرى “قتلى إسرائيل”، ومنذ عام 2021 تتعمد أذرع الاحتلال قطع الصوت عن الأقصى بالتزامن مع هذا الاحتفال.
- اقتحامات السياح الأجانب
|
تشهد اقتحامات الأقصى شبه اليومية مشاركة كثيفة من قبل السياح الأجانب، الذين يدخلون الأقصى من باب المغاربة وبحماية قوات الاحتلال، وتقدم لهم أذرعه المتطرفة جولاتٍ إرشادية في ساحات المسجد، تتناول “المعبد” والأحقية اليهودية فيه، وشهدت أشهر الرصد عددًا من الاقتحامات التي دنس فيها السياح ساحات الأقصى، وفتح المجال أمام المزيد من استهداف قدسية المسجد ورمزيته.
ففي 24/8/2022 نشرت مستوطنة صورًا لها من داخل الأقصى وهي ترتدي لباسًا فاضحًا، يناقض قواعد الحشمة واللباس في المسجد الأقصى، وتضاربت المعطيات حول صاحبة الصور، فقد أشارت مصادر إعلامية إلى أنها سائحة، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أنها مستوطنة، ولكنها رافقت وفدًا سياحيًا شارك في اقتحام الأقصى. وفي 13/11/2022 شاركت في اقتحام المسجد سائحة ترتدي لباسًا غير محتشم، فحاول حراس المسجد إلباس السائحة اللباس المخصص للسائحات، إلا أن قوات الاحتلال منعتهم من ذلك. وفي سياق متصل بالاعتداءات التي يقوم بها “السياح” خلال الاقتحام، شارك في اقتحام المسجد الأقصى عشرات السياح البرتغاليين في 6/7/2023، وأظهرت صور نشرتها مصادر فلسطينيّة بأنهم ارتدوا قمصانًا كُتب عليها “إسرائيل 75 عامًا”، إلى جانب شعارات صهيونية أخرى، وتجولوا في ساحات الأقصى بطريقة استفزازية، بحماية قوات الاحتلال.
وتصل في كثيرٍ من الأحيان أعداد السياح الأجانب المشاركين في اقتحام الأقصى إلى أرقامٍ كبيرة، تفوق أعداد مقتحمي الأقصى، ففي 4/10/2022 شارك في اقتحام الأقصى نحو 558 مستوطنًا، بينما بلغ عدد السياح الذين شاركوا في الاقتحام نحو 1200 سائح، بحماية قوات الاحتلال.
ثانيًا: التدخل المباشر في إدارة المسجد
يُعد التدخل المباشر في إدارة المسجد الأقصى جزءًا أساسيًا من مخططات الاحتلال الرامية إلى تثبيت الوجود اليهودي في الأقصى. ولا تقف تدخلات الاحتلال في إدارة الأقصى، عند حد منعه ترميم معالم المسجد وصيانتها، بل تمتد إلى عرقلة تنفيذ مشاريع العمارة الضرورية، واستهداف كوادر دائرة الأوقاف من خلال استهداف الموظفين والحراس، وتصل إلى محاولات الاحتلال إفراغ المسجد من مكوناته البشرية الإسلامية، من خلال فرض القيود المختلفة على أبواب المسجد، وإصدار قرارات الإبعاد بحق المصلين والمرابطين.
- منع الترميم والتدخل في عمل إدارة الأوقاف
|
رسخت سلطات الاحتلال في السنوات الماضية سياسة منع عمارة المسجد الأقصى وصيانة مرافقه، فإلى جانب منع دائرة الأوقاف من تنفيذ عددٍ من مشاريع العمارة الضرورية للمسجد الأقصى، تعرقل سلطات الاحتلال أي أعمال صيانة تتم داخل الأقصى، وتهدد لجنة الإعمار القائمة عليها بالاعتقال، إلى جانب توفير الحماية اللازمة لعناصر “سلطة الآثار” الإسرائيلية التي تسهم في عرقلة مشاريع الترميم والعمارة.
وفي أشهر الرصد استمر منع سلطات الاحتلال أعمال عمارة الأقصى وترميمه، ففي 25/9/2022 منعت شرطة الاحتلال، طواقم لجنة الإعمار من إتمام عمليات ترميم قبة “يوسف آغا” داخل ساحات الأقصى، وعرقلت عمل موظف اللجنة أنس الدباغ، على أثر تهديده بالاعتقال في حال إكماله العمل. ولم تقتصر تدخلات الاحتلال عند ساحات الأقصى فقط، بل شملت مصليات الأقصى المسقوفة، ففي 30/11/2022 منعت قوات الاحتلال موظفي لجنة الإعمار من إكمال أعمال تركيب عددٍ من الشبابيك في المصلى القبلي، والتي حطمتها قوات الاحتلال بالتزامن مع موسم الأعياد اليهوديّة للاعتداء على المعتكفين في المصلى. وفي 25/2/2023 اقتحمت قوات الاحتلال المصلى القبلي لوقف أعمال صيانة وترميم في المصلى تقوم بها لجنة الإعمار. وفي 2/7/2023 منعت قوات الاحتلال موظفي لجنة الإعمار من العمل في جميع أنحاء الأقصى. وأبلغت قوات الاحتلال مدير لجنة الإعمار، بأنه في حال قيام أحد الموظفين بالعمل، فسيتم اعتقاله. وبحسب مصادر فلسطينية فقد استمر المنع حتى نهاية الرصد في 1/8/2023.
وفي مقابل الحرمان من الترميم، شهدت أشهر الرصد استمرارًا لتساقط حجارة وأتربة من مواضع مختلفة من مصليات المسجد الأقصى المبارك، ويُنذر تكرار الانهيارات هذه إلى تصدع العديد من أسقف الأقصى وأعمدته، ففي نهاية شهر آب/أغسطس 2022 سقطت حجارة من أحد تيجان العمود الأيسر لباب النبي “المزدوج الغربي”، الذي يؤدي إلى الزاوية والمكتبة الختنية داخل مصلى “الأقصى القديم”. وفي 6/2/2023، وثقت جهات مقدسية سقوط حجرٍ من الجهة الخارجية لمصلى قبة الصخرة، وفي 8/2/2023 تسربت مياه الأمطار إلى داخل المصلى المرواني، وهذا ما أضر بالسجاد الموجود داخل المصلى، وإلى جانب هذا التسريب، رُصدت تشققات في بلاط طريق الآلام قرب باب الغوانمة أحد أبواب الأقصى. وفي نهاية أشهر الرصد عاد سقوط الحجارة من مصلى قبة الصخرة، ففي 28/7/2023 كشفت مصادر مقدسية عن سقوط حجر في إحدى جهات المصلى، وبحسب شهود عيان كادت الحجارة تقع على أحد المصلين، إذ يشهد المصلى في يوم الجمعة حضورًا إسلاميًا كثيفًا.
- تقييد حركة موظفي الأوقاف
وإلى جانب موظفي لجنة إعمار الأقصى، يستهدف الاحتلال موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، من حراس وموظفين ومسؤولين، إذ يتعرضون إلى اعتداءات جسيمة، في سياق استهداف دور الدائرة وتقليص حضورها في مشهد الدفاع عن الأقصى، فقد شهدت السنوات الماضية تصاعدًا في استهداف حراس المسجد الأقصى، من خلال تدخل قوات الاحتلال في أعمالهم، ومن ثم اعتقالهم من داخل المسجد أو أمام أحد أبوابه، والاستدعاء المتكرر للتحقيق في مراكز الاحتلال الأمنية.
وفي سياق استهداف حراس الأقصى وعرقلة عملهم، تعتقل سلطات الاحتلال الحراس الذين يقفون في وجه اقتحامات المستوطنين والجنود شبه اليومية للأقصى، ففي 31/8/2023 اعتقلت قوات الاحتلال حارس الأقصى عرفات نجيب من داخل الأقصى. وفي 21/12/2022 اعتدت قوات الاحتلال على حارس المسجد الأقصى محمود أبو خروب، في أثناء توثيقه اقتحامات المسجد، قبل أن تعتقله. وفي 25/4/2023 اعتقل الاحتلال أحد حراس الأقصى جاد الله الغول، بعد دفاعه عن فتاة تركية كانت ترابط في ساحات الأقصى الشرقية. وفي 18/5/2023 اعتدت قوات الاحتلال على عددٍ من حراس الأقصى، واعتقلت حارس المسجد محمد طيبة.
|
وإلى جانب حراس المسجد الأقصى يتعرض عددٌ من مسؤولي دائرة الأوقاف الإسلامية لاعتداءات مختلفة، في سياق تعميم أدوات القمع التي تستخدمها قوات الاحتلال، وشهدت أشهر الرصد استهدافًا متكررًا لنائب المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية د. ناجح بكيرات، ففي 11/9/2022، أصدرت سلطات الاحتلال قرارًا بإبعاده عن الأقصى مدة 6 أشهر. وفي 3/7/2023 سلم “قائد الجبهة الداخلية” لجيش الاحتلال الشيخ بكيرات، قرارًا بتنفيذ إبعاده خارج القدس المحتلة 6 أشهر قابلة للتمديد، وتذرع قائد الجبهة الداخلية بأن قرار الإبعاد “ضروري”، ويأتي “للحفاظ على أمن الدولة وسلامة المجتمع والحفاظ على النظام العام”.
وفي 12/7/2023 اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ من منزله في قرية صور باهر وحولته إلى أحد مراكز التحقيق، وبعد ساعات من التحقيق، أفرجت عنه بشرط الإبعاد الفوري خارج القدس المحتلة، ولاحقته سيارات شرطة الاحتلال للتأكد من تنفيذ قرار الإبعاد. وأوضح الشيخ بكيرات أن التحقيق معه تركز حول “كسره لقرار إبعاده عن القدس والبقاء داخلها، وتصريحاته لوسائل الإعلام حول ذلك، ورفضه الخروج من المدينة”.
التحكم في دخول المسجد وتقييد حركة المصلين
تقييد دخول المصلين إلى الأقصى والتحكم في حركة المصلين من أبرز أدوات الاحتلال الرئيسة، لخفض حجم المكون البشري الإسلامي في الأقصى. وتستخدم قوات الاحتلال لتحقيق هذه الأغراض القيود العمرية أمام أبواب الأقصى، والتي يتزايد فرضها بالتزامن مع الأعياد اليهوديّة، ويرافق تطبيق هذه السياسات اعتداءات مختلفة تشمل المكون البشري الإسلامي، ولا سيما الاعتداء على المرابطين واعتقالهم من ساحات الأقصى، بشكلٍ فرديّ وجماعيّ، وصولًا إلى إبعادهم عن المسجد مددًا متفاوتة.
|
وفي سياق فرض القيود أمام أبواب المسجد الأقصى، شهدت اقتحامات عديدة للمسجد فرض قوات الاحتلال قيودًا مختلفة أمام أبواب المسجد، واحتجاز بطاقات الهوية الزرقاء، وفرض القيود العمرية، ففي 12/6/2022 منعت قوات الاحتلال المصلين من الشبان والنساء من الدخول إلى الأقصى لأداء صلاة الفجر، وفرضت قيودًا عمرية للدخول إلى البلدة القديمة. وفي 16/10/2022 استبقت قوات الاحتلال اقتحامات الأقصى بفرض قيودٍ عمرية أمام أبواب المسجد. وفي 23/3/2023 فرضت قوات الاحتلال قيودًا عمرية على المصلين، وفتشتهم ودققت في بطاقاتهم الشخصية.
وبالتزامن مع عيد “الفصح” العبري عرقلت قوات الاحتلال وصول الفلسطينيين من سكان الضفة إلى المسجد الأقصى، ومنعت الذكور ما بين الـ 12 عامًا و55 عامًا من الدخول إلى الأقصى حتى نهاية العيد، إضافةً إلى منع الفلسطينيين من قطاع غزة من الوصول إلى المسجد. وفي 6/4/2023 بالتزامن مع اليوم الأول من العيد، فرضت قوات الاحتلال قيودًا عمرية منذ صلاة الفجر، ومنعت الشبان ما دون الـ 40 عامًا من دخول الأقصى، واعتدت على الشبان الذين أدوا صلاة الفجر عند باب الأسباط، وأبعدتهم بالقوة عن أبواب المسجد.
ويشكل الإبعاد عن الأقصى أحد أبرز الإجراءات العقابية التي تفرضها سلطات الاحتلال لترهيب المصلين في الأقصى، وتستخدمه سلطات الاحتلال لإفراغ الأقصى من المكون البشري الإسلامي. وتُظهر معطيات الرصد الممتد من 1/8/2022 إلى 1/8/2023 أن عدد المبعدين عن المسجد الأقصى بلغ نحو 696 مبعدًا، وشملت قرارات الإبعاد مصلين وموظفين في دائرة الأوقاف الإسلامية، ورموز الدفاع عن القدس والأقصى، وفي ما يأتي رسم بياني لأعداد المبعدين ضمن أشهر الرصد:
رسم بياني لأعداد المبعدين عن المسجد الأقصى من 1/8/2022 إلى 1/8/2023
وبالمقارنة مع أشهر الرصد الماضي ما بين 1/8/2021 إلى 1/8/2022، نجد أن عدد المبعدين عن المسجد الأقصى بلغ نحو 709 مبعدين، ولا تُشير الأرقام إلى تغيرات كبيرة في سياسة الإبعاد عن المسجد، إذ تصل نسبة التراجع إلى 1.8% فقط، وهذا ما يعني استمرار سياسة الإبعاد على غرار الرصد الماضي، مع تراجعات طفيفةسببها أن الاحتكاك والاشتباك بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال في مواسم الأعياد اليهودية كانا أعلى في مدة التقرير الماضي.
يتبع..
الفصل الأول: تطوّر فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى (رابط)
الفصل الثاني: المشاريع التهويديّة في المسجد الأقصى ومحيطه (رابط)
تصدره مؤسسة القدس الدولية في الذكرى السنوية لإحراق المسجد الأقصى