-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بمبادرة من مخبر الدراسات والبحوث في حضارة المغرب الإسلامي

تكريم المؤرخ الجزائري عبد العزيز فيلالي بجامعة “قسنطينة 2”

 د. حسين بوبيدي
  • 684
  • 0
تكريم المؤرخ الجزائري عبد العزيز فيلالي بجامعة “قسنطينة 2”
أرشيف
الدكتور عبد العزيز فيلالي

نظم مخبر الدراسات والبحوث في حضارة المغرب الإسلامي يوم 06 ديسمبر 2022 م، بكلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية جامعة قسنطينة 2 “عبد الحميد مهري”، حفلا تكريميا على شرف المؤرخ الكبير الدكتور عبد العزيز فيلالي؛ الذي يدير حاليا مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهو الحفل الذي كان مقررا سنة: 2020 لكنه تأجّل بسبب وباء كورونا كوفيد 19، ويعدّ هذا الاحتفال التكريم الثاني الذي يخصصه هذا المخبر لكبار المؤرخين الجزائريين، حيث سبق له أن كرّم سنة: 2008 المرحوم: موسى لقبال طيب الله ثراه، وأنجز بالمناسبة كتابا عنوانه: دراسات وبحوث مغربية أعمال مهداة إلى الأستاذ الدكتور موسى لقبال، كما أنجز بهذه المناسبة كتابا موسوما بـ: شهادات ودراسات مهداة إلى الدكتور عبد العزيز فيلالي.
حضر هذا الحفل بالإضافة إلى عائلة المحتفى به، وأعضاء المخبر الذين سهروا على الاعداد والتنظيم، وهيئة التدريس بقسم التاريخ؛ المسؤولون بالجامعة والكلية؛ ممثلين في: مدير الجامعة أ.د عبد الوهاب شمام، وعميد الكلية: أ.د حميد خروف، ورئيس المجلس العلمي للكلية: أ.د جمال حمود، ومديرة مكتبة الجامعة، كما حضر الحفل مدير الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الانسانية والاجتماعية: أ.د يوسف عيبش، والكثير من الأساتذة الذين درسوا على يد المحتفى به من مختلف الجامعات: قسنطينة2 عبد الحميد مهري، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية، جامعة 20 أوت 1955 سكيكدة، جامعة عباس الغرور خنشلة، جامعة محمد بوضياف المسيلة، المدرسة العليا للأساتذة بالأغواط، جامعة غرادية، بالإضافة إلى عدد من الأساتذة المتقاعدين من القسم: أ.د فاطمة الزهراء قشي، د. عبد العزيز بلحرش، د. كريمة الأخلاق بن حسين، والزملاء من أقسام الفلسفة، الآثار، علم الاجتماع، وأعضاء من مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، ولم يغب طلبة تخصص ماستر تاريخ الغرب الإسلامي عن هذا الحفل، حيث غصت بهم قاعة المناقشات التي احتضنته، ولم يفوّت الفرصة بعض طلبة هذا التخصص الذين تخرجوا منذ سنوات عن مشاركة أستاذنا هذا اليوم التكريمي، وكان أيقونة الضيوف الشيخ محمد صبيحي أستاذ المحتفى به، فلم يمنعه تقدمه في العمر عن الحضور، وكانت لفتة طيبة مثلت صورة جميلة لتعاقب أجيال العلم وامتداد سلسلته.

مدير الجامعة عبد الوهاب شمام يشيد بقيمة الالتفاتة الطيبة
افتتح الحفل التكريمي بآيات بينات من القرآن الكريم، أعقبه استماع الحضور إلى النشيد الوطني، وقد توسط المحتفى به المتدخلين في كل جلسات هذا الاحتفال، وتدخل في الجلسة الافتتاحية مدير الجامعة أ.د عبد الوهاب شمام الذي شدّد على قيمة هذه الالتفاتة الطيبة لتكريم أحد كبار الأساتذة بجامعة قسنطينة، ومنوّها بجهود مخبر الدراسات والبحوث في حضارة المغرب الإسلامي ومديرته، وقد أشار إلى ما يحتفظ به للدكتور عبد العزيز فيلالي من مشاعر الإكبار والتقدير على جهوده التي استمرت طيلة نصف قرن في التدريس والتسيير والتأليف، مثمنا نجاحاته في كل المراكز التي تبوأها والأثر الطيب الذي تركه، وقد جاءت كلمة عميد كلية العلوم الانسانية والعلوم الاجتماعية أ.د حميد خروف في السياق ذاته؛ حيث ذكر الحضور بالصداقة القديمة التي تربطه بالمحتفى به، والتعاون الذي طبع هذه العلاقة، مقدما شهادة عن الإخلاص والتفاني في العمل الذي تميز به الدكتور عبد العزيز فيلالي طوال مساره، مفتخرا بالإضافة التي قدمها للقسم والكلية من خلال مؤلفاته في تاريخ المغرب الإسلامي والحركة الإصلاحية ورائدها الشيخ عبد الحميد بن باديس، مؤكدا على أن تآليفه العديدة لم تؤثر على وظيفته الأساسية كأستاذ ملتزم بالدور المنوط به.

مديرة مخبر بوية مجاني: فيلالي هو شيخ التاريخ الوسيط
كانت الكلمة الثالثة في هذه الجلسة للأستاذة الدكتورة بوية مجاني مديرة مخبر الدراسات والبحوث في حضارة المغرب الإسلامي، والتي أبدت سعادتها الغامرة بعقد هذا الحفل التكريمي لأستاذ الأجيال الدكتور عبد العزيز فيلالي شيخ التاريخ الوسيط وأحد واضعي أسس قسم التاريخ بجامعة قسنطينة، وهي تنتمي إلى الدفعات الأولى التي درّسها بالجامعة، وقد أشارت إلى أن فكرة هذا التكريم قديمة؛ وهي تندرج ضمن ثقافة العرفان للأساتذة الذين قدموا الكثير للدرس التاريخي، شاكرة كل الذين ساهموا في بلوغ هذه اللحظة وتحقيق هدف المخبر، والذين حضروا كدليل على مكانة الدكتور عبد العزيز فيلالي وأياديه البيضاء على طلبة التاريخ لعقود طويلة، حيث درّس وأطّر وأشرف وناقش وسيّر وأثرى المكتبة التاريخية بأعمال جليلة تعدّ اليوم مراجع لا غنى عنها.

رئيس قسم التاريخ محمد نصير: فيلالي من طبقة المؤرخين الأولين والمدرسين المجيدين
وألقى الدكتور محمد نصير رئيس قسم التاريخ الكلمة الرابعة في الجلسة الافتتاحية، وقد اختار بالمناسبة أن يكتب نصا يترجم فيه للدكتور فيلالي على نهج علماء المغرب الإسلامي، فجاء نصا بديعا لفظا ومبنى ومعنى؛ نقتطف منه للسادة القراء:
“أقول محاكاة لكتاب الدراية (عنوان الدراية لأبي العباس الغبريني): شيخنا وأستاذنا المؤرخ المتقن المجتهد النبيل، الفاضل الجليل المحصل أبو عصام عبد العزيز بن بن نوار بن ساعد الفيلالي، شهير الذكر نبيل القدر، من طبقة المؤرخين الأولين والمدرسين المجيدين بمغربنا الأوسط؛ من شيوخه الشيخ علي وعلي، والشيخ الصادق حماني، والشيخ محمد الزاهي، والشيخ الطالب الهواري، والشيخ بوالنعمة رحمهم الله، وكذا شيخنا موسى لقبال رحمه الله، من أصحابه وأقرانه وممن أفادوا منه: الأستاذ إبراهيم بحاز، وأستاذتي بوبة مجاني، وشيخي محمد بن عميرة، والأستاذ محمد لمين بلغيث، ومن تلاميذته المبرزين شيخنا الطاهر بونابي التاغروتي؛ فعنه أخذ أكثر ما أخذ، ومنه تلقى وبه في معالم العلم والرياسة ترقى، وشيخنا الطاهر يعتمد عليه ويشير في مجالسه إليه، ومن جملة من أخذ عليه: حسين الكتامي ويوسف الحروشي وأحمد الملوسي، وفاتح التاغراسي، والشيخ القنقيطي، ولو عددت تلاميذه لطال بنا الكلام وأخرجنا عن المقام.
وشيخنا له نفس سوية وهمّة علوية، وله فضل وجلال وتقدم علمي رقى فيه غاية مشهودة، غزير التأليف كثير التحقيق سهل العبارة، ألف في تاريخ تلمسان على عهد بني عبد الواد سفرا لم يؤلف مثله وأعْيَ من بعده، وألف شيخنا في الفتح الإسلامي وتاريخ بني أمية بالأندلس ودول المغرب، وفي تاريخ بلد قسنطينة وميلة، وكتب كثيرا حول شيخ عصرنا الشيخ بن باديس وجمعيته ونهجه، وتآليفه مشهورة ومتداولة في يد الطلاب، وهو إلى أيامنا هذه يكتب ويبحث ويدوّن”.

محطات من المسار العلمي في شريط مصور
بعد الجلسة الافتتاحية تابع الحضور شريطا مصورا أعده د. نذير برزاق – الذي كان منشط الحفل – بالمناسبة، قدّم فيه محطات من المسار العلمي للدكتور عبد العزيز فيلالي، ودبّجه بكلمات تشهد للمحتفى به بمكانته العلمية وجهوده التكوينية، وترسّخ لاستمرارية أثر المحتفى به عند الجيل الجديد من الباحثين، والدكتور برزاق قدّم نفسه على أنه حلقة في سلسلة الدرس التاريخي عن الدكتور فيلالي، باعتباره من تلامذة تلامذته، ومما جاء في هذا الشريط المليء بمشاعر التقدير والعرفان؛ أن هذه اللفتة كانت “ردا للجميل وأداء للواجب؛ ارتأينا أن نتذكر الرجل الشهم والطود العظيم الأستاذ المحترم صاحب التآليف الغزيرة الدكتور عبد العزيز فيلالي في هذا الزمن الذي فيه النظر مفقود، والعيون طاب لها الرقود، ونار البحث زائدة الخمود، والقرائح ظهر فيها الكسل والجمود، انفرد بعزيمته وجهده وإصراره (…) أستاذي المحترم: كونت أجيالا تعاقبت على مجلس درسك، كونت بها أسرة واحدة، وأسست بها أبوة علمية، زرعت الثقة في درس التاريخ، تاركا أثرا لن تنساه الأجيال، فكل نصائحك وإرشاداتك تظل عالقة ومختلطة في هواء البحث وذرات الدرس وجينات التاريخ، أين غرست البذر في حدائق كتبك، وكتبت عن مجالات عدة في أزمنة متعددة، ثم تفرغت لأيقونة تاريخنا المعاصر الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، فأنت حقا “خليفة” في البحث التاريخي، ومدرسة للأجيال”.

طلبة الشيخ فيلالي القدامى يدلون بشهاداتهم في المحتفى به
في الجلسة الثانية من هذا الحفل؛ كانت الكلمة لطلبة الدكتور فيلالي القدامى؛ فقدم أ.د يوسف عيبش مدير الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الانسانية والاجتماعية شهادته عن المسار الأكاديمي للدكتور عبد العزيز فيلالي، وعن قيمة الأعمال التي أثرى بها المكتبة التاريخية الجزائرية، وعاد إلى تجربة المحتفى به في التدريس والتسيير، وفي الكلمة التي ألقتها أ.د فاطمة الزهراء قشي إحدى أقدم طالبات الأستاذ، والتي زاملته بالقسم لحوالي ثلاثة عقود، أكدت أنه من كان وراء تخصصها في التاريخ سنة: 1971، وقدمت شهادة عن رئاسة المحتفى به لقسم التاريخ عند قرار جزأرة مسؤولي الجامعة وهو شاب حاصل لتوه على شهادة الليسانس، وأشادت بالجهد التأليفي له والذي لم يتوقف حتى في السنوات التي شغل فيها مناصب إدارية وسياسية، وفي الجلسة نفسها ألقى الدكتور إبراهيم بحاز كلمة عاد بها إلى سنة 1977 عندما التحق بقسم التاريخ بجامعة قسنطينة، والمقاييس التي درسها عند الدكتور عبد العزيز فيلالي، منبها إلى طريقته في إلقاء الدرس ومناقشة القضايا التي يثيرها، مما جعل حصصه من الحصص التي ينتظرها بلهفة وشوق، ثم أشار إلى أسلوبه السلس في تسيير القسم والتعاطي مع الطلبة، وفي المرحلة التي صار فيها أستاذا قدم كلمات يعتز فيها بصداقته لأستاذه، والعلاقة الطيبة التي استمرت بينهما، والتعاون في التدريس وتأطير طلبة الدراسات العليا ومناقشتهم، وهي العلاقة التي استمرت بعد انتقاله – أي الدكتور بحاز- إلى جامعة غرداية، كما أشار إلى النشاط العلمي للمحتفى به خارج الجامعة، وإجابته دعوات المحاضرة ونشر العلم في المساجد وغيرها من مراكز الإشعاع الثقافي والعلمي.

عرض حول الكتاب التكريمي الذي أصدره المخبر
خصصت الجلسة الثالثة لتقديم عرض حول الكتاب التكريمي الذي أصدره مخبر الدراسات والبحوث في حضارة المغرب الإسلامي بهذه المناسبة، وهو العمل الذي أشرفت عليه أ.د بوبة مجاني رئيسة المخبر، وقام بتنسيق أوراقه وأبحاثه: د. حسين بوبيدي ود. محمد نصير، وشارك فيه 29 أستاذا وباحثا من مختلف الجامعات الجزائرية، وبمشاركة د. مراد عرعار من تونس الشقيقة، وقد حمل عنوان: شهادات ودراسات مهداة إلى الدكتور عبد العزيز فيلالي، وقد صدر في جزئين (890 ص)؛ حيث تكفل د. حسين بوبيدي بتقديم لمحة توضيحية عن محتوى الكتاب، والذي تضمن أربعة محاور، ضمّ المحور الأول – الذي تكفل به أ.د علاوة عمارة والأستاذ العربي عيلان-؛ السيرة الذاتية للمحتفى به، وجردا بأعماله (مؤلفات، تقديم لمؤلفات، مقالات علمية في المجلات الأكاديمية، مقالات صحفية) إلى غاية 2019، ثم سيرة مصورة للدكتور عبد العزيز فيلالي في مختلف محطاته بالصور، من طفولته وجهاده في جيش التحرير الوطني، إلى رحلاته العلمية خارج الوطن، ومناقشته لرسالة الماجسثير بجامعة الاسكندرية سنة: 1977 ثم رسالة الدكتوراه بجامعة الجزائر سنة: 1996، وخص المحور الثاني لشهادات زملاء الأستاذ وطلبته عن مساره العلمي والإداري، كتب فيه كل من: أ.د محمد عيلان، د. أحمد منور، أ.د فاطمة الزهراء قشي، أ.د إبراهيم بحاز بكير، أ.د محمد الأمين بلغيث، أ.د الطاهر بونابي، ود. حسين بوبيدي، تناول محطات عديدة من الحياة العلمية للمحتفى به، في سنوات الماجسثير بالقاهرة، ورئاسة قسم التاريخ بقسنطينة، وطريقته في التدريس، ومنهجه في الإشراف والتوجيه، وعن سنته الأخيرة بالقسم: 2018-2019؛ أما المحور الثالث فقد ضم قراءات في آثار الدكتور عبد العزيز فيلالي، حيث كتب كل من: أ.د الطاهر بونابي، ود. حسين بوبيدي، ود. رضا بن النية، ود. البشير بوقاعدة، ود. مسعود بريكة، ود. الياس حاج عيسى، د. مريامة لعناني؛ مقالات حول كتابات المحتفى به في تاريخ المغرب الإسلامي؛ ويتعلق الأمر بمؤلفاته: المظاهر الكبرى في عصر الولاة بالمغرب والأندلس، مدينة ميلة في العصر الوسيط، مجمل تاريخ قسنطينة، العلاقات السياسية بين الدولة الأموية في الأندلس والمغرب، تلمسان في العهد الزياني، بالإضافة إلى رصد اهتمامه بالتايخ الأندلسي تأليفا وتدريسا وإشرافا، وفي المحور الرابع الذي ضمه الجزء الثاني كتبت مقالات متخصصة حول السيرة النبوية العطرة، وتاريخ الغرب الإسلامي في مختلف القضايا: الفتح، التاريخ السياسي، العمران، الصراع على البحر المتوسط، العلوم والأعلام، المجتمع، الاقتصاد.

الطاهر بونابي متحدثا باسم الباحثين الذين أشرف عليهم الشيخ فيلالي
في هذه الجلسة اختارت الهيئة المنظمة، وبرغبة من أستاذنا المحتفى به ذاته، أن تكون الكلمة التي تقدم باسم الباحثين الذين أشرف عليهم الدكتور عبد العزيز فيلالي من حق أ.د الطاهر بونابي أستاذ التاريخ الوسيط بجامعة المسيلة، فاختار أن يخاطب أستاذه ومشرفه في رسالة الماجسثير وأطروحة الدكتوراه من موقع التلميذ لا موقع الزميل، وكانت لفتة طيبة تشهد على دماثة أخلاق الدكتور بونابي وتواضعه الجمّ وتقديره لأستاذه، وقد كان نصه الأدبي بليغا مليئا بمشاعر الحب والتقدير، كانت فاتحته: “انتظرت موعد هذا الاحتفال لأصور منه الحقيقة وأصوغ منه الخواطر، لكني لما رأيت هذا الجمع وصلت إلى حدّ الذهول بالذي يسعه بياني وإن وسعه إدراكي وعياني؛ من حقيقة وعيتها قريبا من شيخي الدكتور عبد العزيز فيلالي، يزيد عمرها اليوم على ثلاثة عقود”، ونقتطف من متن كلمته المعبرة قوله: “يا شيخي: ها قد جاءك الأتراب والأقران والأساتيذ والطلاب وكل مطلع ومضطلع من جامعات الجزائر ومدنها وبلداتها وقراها يهنؤونك بقلوب دافئة، مقدرين بعقولهم الراجحة متانة مسارك وقد تخطى عقده الخمسين، وقد علموا منه تشريقك من مدرسة الحياة والاصلاح بقسنطينة، إلى العلوم الاسلامية بترهونة، ثم إلى المحاكاة والقياس في التاريخ العربي الإسلامي بالاسكندرية على يد عزيز الاسكندرية وعدويها، وكنت بأعالي البحار كمثل ابن مرزوق الخطيب في عجالة المستوفي، وواكبت مساهما فاعلا بجامعة قسنطينة نهضات الجزائر وثوراتها في عقد السبعينات وتحولاتها عقد الثمانينات والتسعينات، فأشبهت في الجمع بين التاريخ والإدارة والنيابة والسياسة والقضاء ابن خلدون وتكوديديس وتوينبي؛ فخبرت بهذا الحصاد الأفراد والجماعات والشعوب، ودرست الدول والنظم والمدن والحضارات، فصار وعيك بتواريخ الماضي حوارا بينك وبينها، متصلا بحاضرك محددا لمواقفك من قضايا وتواريخ عصرك”.

الشيخ عبد العزيز فيلالي: التّكريم هو إزالة رواسب الإهمال والنّسيان
وكان الختام مسكا في جلسات هذا الحفل البهيج بكلمة المحتفى به أستاذنا الدكتور عبد العزيز فيلالي، الذي استمع إلى كل المداخلات السابقة وتأثر بها، وشكر كل الحضور من الأساتذة والطلبة الذين قدموا لأجل مقاسمته هذا اليوم الاحتفائي، مخصصا بالشكر مديرة المخبر أ.د بوبة مجاني صاحبة الفكرة، وأستاذه الشيخ محمد صبيحي الذي قاسمه هذه اللحظة، وعميد الكلية أ.د حميد خروف، ومنسقي الكتاب التكريمي: د. حسين بوبيدي ود. محمد نصير، وكل الذين ساهموا في الكتاب، والقائمين على تنظيم الحفل والساهرين على تهيئة ظروفه واستقبال ضيوفه، وقد بدأ أستاذنا كلمته التي أعدها لهذه المناسبة بتبيان رأيه في ثقافة التكريم والاعتراف فقال: “إنّ الهدف من التّكريم في رأيي هو إزالة رواسب الإهمال والنّسيان، الّذي انطوى على النّخبة المثقّفة والسّياسيّة في البلاد وفي مؤسّساتها العلميّة والثّقافيّة، وعدم الاهتمام والاعتناء بجهود الباحثين والمبدعين والمخترعين في السّنوات الفارطة، حتى السّياسيّين لا يعيرون أيّ اهتمام أو اعتبار أو تقدير للبحث والابداع، وغير مستعدّين للنّزول من كراسيهم العاجية وهيئاتهم السّياسيّة لتنظيم أو لحضور مثل هذه التّكريمات، بل أشاعوا تفضيل “التّأبين” بعد الوفاة على ظاهرة التّكريم في الحياة”، وقدّر أستاذنا جهود أ.د عبد الكريم بوصفاصاف رحمه الله، وأ.د بوبة مجاني بارك الله في عمرها على الالتفات إلى تكريم الأحياء والاحتفاء بأعمالهم، وبذلك ظاهرة التكريم” تنتشر في الهيئات العلمية والثّقافيّة، وتعطي أهميّة لهذه الظّاهرة، وتدرك أبعاده النّفسية وآثاره المعنوية على الباحث والمبدع؛ لأنّ التّكريم في حدّ ذاته يعدّ رمزا للوفاء والتّقدير، وسلوكا حضاريا سليما، يشعر المكرّم بدوره ومكانته بين زملائه وطلاّبه ومجتمعه ويعيد له الثّقة بالنّفس ويشجّعه على مواصلة العطاء العلمي والاستمرار فيه”.
في مداخلته أكد المؤرخ عبد العزيز فيلالي أن هذه المبادرة التكريمية هي التي حفزته على إصدار مذكراته التي عنونها: سيرة ومسار حقائق وأسرار، والتي صدرت سنة: 2021 عن دار الهدى بعين مليلة، مذكرا بإلحاح كل من أ.د الطاهر بونابي وأ.د علاوة عمارة عليه لتدوين مسيرته العلمية والوظيفية، وبعد أن ذكّر أستاذنا بمساره العلمي والوظيفي والسياسي ذكر برسالته التي ناضل لأجلها، وهي رسالة التعريف والانتصار للحرف العربي؛ وفي هذا السياق نقتطف من كلمته قوله:
“ناضلت من أجل إعادة الاعتبار للّغة أمّتنا وثوابتها والجزأرة في التّعليم والمسؤوليّة منذ وجودي في الجامعة، مع ثلّة من زملائي وأصدقائي وطلاّبي، وأقوم بنشر الثّقافة الوطنيّة وتدعيمها في الإدارة وفي الجامعة وفي المحيط رغم التّضييق عليها منذ مرحلة الدّراسة، أدافع عن وحدة اللّغة، ولا أزال كذلك أرفض التّدجين والتّغريب والتّشرذم الثّقافي والاستيلاب الفكري، في ظلّ الهجمة الشّرسة للعولمة، لأنّني أعتبر أنّ اللّغة الوطنيّة وثقافتها، بمثابة روح الأمّة ووجدانها، فتوحيد اللّسان، بالنّسبة إلي يعني توحيد الفكر والمبادئ والتّوجّه، وتمتين الهويّة والعقيدة والمصير المشترك بين الأجيال، ولا تزال هذه القضيّة إلى اليوم، الحلم الّذي يراودني، والجرح الغائر الذي يؤلمني، والوجع الشّديد الّذي يؤرّقني (…)، ولا يعني هذا أنّني أدعو إلى الانغلاق والانعزال بأنفسنا وعدم الانفتاح على العالم، وما فيه من مستجدّات علميّة وثقافيّة وسياسيّة وتكنولوجيّة، بل من الواجب أن نكتسب اللّغات الأجنبيّة، والانفتاح على تجارب الأمم الأخرى، في المجالات الحضاريّة والعلميّة والتّكنولوجيّة، لأنّ الجزائر لا تعيش في جزيرة معزولة بعيدة عن الشّعوب الأخرى، نأخذ هذه المعارف واللّغات بدون خوف أو وجل عن قيَّمنا وهويّتنا ولغتنا وعقيدتنا، بعد التّشبّع بهم جميعا والتّحصّن بثقافتنا الوطنيّة تحصينا قويّا لا يمكن خرقه أو تجاوزه”.
وذكّر أستاذنا المؤرخ عبد العزيز فيلالي بأهمية التاريخ في وحدة الأمة ونهضتها، منبها إلى ضرورة العناية بالبحث التاريخي وتوفير وسائله وظروفه التي تمكن أهله من إنجاز مهامهم، مؤكدا أن “الأمة العظيمة تلد المؤرخ العظيم، وأن الأمة الهزيلة تلد المؤرخ الهزيل، وبالنسبة لأمّة الجزائر فإن رصيدها التاريخي والحضاري حافل بالأمجاد والأحداث والمناقب والمواقف منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، فأحداثها وتراثها وعلماؤها وأعلامها، تشير إلى عظمتها عبر العصور بالرغم من فترات عسيرة تعرضت فيها لمحاولات المسخ والتشويه والتحويل والتهجين والتغريب والتنصير من جراء مخططات الاستعمار الفرنسي (…) إلا أن هذه المحاولات جميعها تحطمت على الصخرة الصلبة للأمة الجزائرية وتماسكها، المتشبثة بأصالتها وقوة عزيمتها”.
عندما أتمّ أستاذنا كلمته؛ كانت لحظة من أهم لحظات هذا الحفل التكريمي، وهو قيام الشيخ محمد صبيحي للتسليم والتبريك لتلميذه أستاذنا عبد العزيز فيلالي، وقد قال كلمة قصيرة عادت به لحوالي ستة عقود من الزمن، تذكر بها التدريس في الماضي ورسالته، ووظيفته في مقاومة الجهل والعمل للنهوض بشباب الوطن، وقد ذرف الدموع فرحا بالدرجات العلمية التي بلغها طلبته، مفتخرا بهم ومشيدا بأخلاقهم ومذكرا بإخلاصهم وجهدهم في التحصيل منذ بواكير طلب العلم.
في ختام هذا الحفل البهيج، تقدم د. حمزة قادري – الذي كلفه أعضاء المخبر باختيار هدية مناسبة لتكريم أستاذنا عبد العزيز فيلالي – بشرح الأسباب التي دعته إلى اختيار إنجاز مجسم لمدينة قسنطينة كلف صديقه الفنان المبدع: محمد شوقي (ابن المجاهد المتوفى السعيد شوقي) بإنجازه؛ فكان تحفة مذهلة وقطعة مبهرة سعد بها أستاذنا ونالت الثناء العطر من الحضور، فأبرز د. قادري أنه تعرف أول مرة على أستاذنا من خلال كتابه الذي كتبه عن قسنطينة رفقة محمد الهادي لعروق، والتعلق الكبير للمحتفى به بالمدينة التي عاش فيها ودرس ودرّس بها، وتولى عضوية مجلسها البلدي في الثمانينات وبداية التسعينات، وتوجه منذ سنوات إلى الاهتمام برائد النهضة الجزائرية وعلم قسنطينة العظيم: الشيخ عبد الحميد بن باديس، وقال الدكتور قادري أن تعلق أستاذنا بالمدينة واضح في الحوارات الطويلة التي كانت تجمعهما في تنقله رفقة الأستاذ في طريق العودة من العمل التي كان كثيرا ما يرافقه فيها إلى حيث يقصد منزله، كما أنجز الدكتور نذير برزاق لوحة تظم أغلفة مؤلفات المحتفى به، بالإضافة إلى شهادة شكر وعرفان تحمل عبارات الحب والتقدير والاعتراف، كما قدم طلبة من الدفعات القديمة (جازية وأحمد) لتخصص الماستر صورة تذكارية للأستاذ عبد العزيز فيلالي يحيط به طلبته في صورة رائعة ومعبرة.

توزيع عشرات النسخ على الأساتذة والطلبة من الكتاب التكريمي
وزع المنظمون في نهاية الحفل عشرات النسخ على الأساتذة والطلبة من الكتاب التكريمي: شهادات ودراسات مهداة إلى الدكتور عبد العزيز فيلالي؛ بالإضافة إلى آخر الكتب التي أصدرها أستاذنا ضمن الفرقة البحثية التي ينتسب إليها في هذا المخبر وعنوانه: الغرب الإسلامي دراسة تحليلية لأصول السكان وأحداث الفتح الإسلامي، ليستفيد منها الباحثون، وليبقى كتاب التكريم شهادة على العرفان والامتنان والتقدير لأحد المؤرخين المقتدرين.
في الأخير لابد من التذكير بأهمية هذه الفعاليات وقيمتها، فهي ليست مجرد جلسة لقاء وتذكر، بل شهادة عرفان المجتمع العلمي والنخب المثقفة بما بذله الجيل الذي تتلمذوا على يديه، وإقرار بالجميل لمن ساهموا في بناء الصرح العلمي في الجزائر المستقلة، وهذه الجلسات التكريمية تحتاج دوما إلى عمل بحثي يهتم بأعمال المكرمين، يعرضه للقراء، ويكشف عن مناهجه وأداوت بحثه، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تسمح بتلمس الأصول المعرفية وفهم المسار الذي تشكلت من خلاله المنجزات الفكرية، لنتمكن لاحقا من تشكيل الخريطة الفكرية لأعلامنا، والإستضاءة بمنجزهم وفهم الظرفية التي أنجزته، وهذه الجلسات التي تورث ثقافة الاعتراف بالجميل، وتخلف كتبا في المكتاب، أحسن من ثقافة التأبين وتأخير الاعتراف بالفضائل إلى جلسات التأبين، ولذلك فنحن نهيب بأساتذتنا أن يولوا الاهتمام بالفاعلين العلميين، وأن ينتبهوا إلى قسوة التقاعد الصامت الذي يمر دون أن ينتبه الطلاب إلى انصراف أساتذتهم بعد عقود من العطاء، فإنه بقدر أهمية العرفان وشكر الناس، بقدر مرارة النكران والنسيان.
حفظ الله أستاذنا عبد العزيز فيلالي، ومتعه بالصحة والعافية، ونفع به، ونتمنى أن تكون هذه المبادرة سنة حسنة يتم النسج على منوالها تكريما لكل المساهمين في العطاء العلمي في مختلف التخصصات، واهتماما بأعمالهم وما قدموه للأمة من جهد عقلي في سبيل نهضتها وحفظ هويتها وترسيخ انتمائها الحضاري ورقيها العلمي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!