-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تنشيط جهاز المناعة الثقافية من جائحة الخوف

حبيب راشدين
  • 1235
  • 4
تنشيط جهاز المناعة الثقافية من جائحة الخوف
ح.م

جائحة “كوفيد 19” التي عطلت الحياة الطبيعية للمليارات من البشر، وكممت أفواههم كما لم يفعل أي حزب واحد أوحد من قبل، ورُقِّيت على يد خبراء وعلماء السلاطين إلى مصاف “القاتل الأوحد”، رأيناها تزاور ذات اليمين وذات الشمال عن علِّية القوم وعن أهليهم، بما في ذلك المعمرين منهم وكأنهم يحملون جينات متميزة عن بقية البشر، أو وُهبوا بحكم الولادة مناعة القطيع التي حُرم منها بقية القطيع، وصُرف شر الجائحة عن حمى الأسر “الشريفة” المالكة من آل روتشيلد، وآل روكفيلر، وبيل غيت، وكل ملكة شابة ومعمرة في القارة العجوز، وأحبار الصهاينة، ورواد “نادي بيلديربيرغ”.

وحسب زاوية الرصد والتقدير، فقد كانت الجائحة نقمة ونعمة، قد تجمعت لأصغر مخلوق حيوي طفيلي يقاس بأجزاء من الميكرون، فهو بلا شك في أعين العامة من الناس في القارات الست نقمة وبلاء، لم تختبر البشرية نظيرا له، على الأقل من جهة منسوب الترويع والتخويف الذي فاق ما كان قد تحقق بإرهاب الرايات الإرهابية الكاذبة، ومذابح الحروب الأهلية، والإبادة الجماعية للحربين الكونيتين، وبتنا معه نرتعب من الجائحات الفيروسية أكثر من الخوف من الحروب النووية المسلطة فوق رؤوسنا.

وعلى الطرف الآخر، استقبلت الجائحة كهِبة ونعمة ومنحة لعلِّية القوم من الساسة، وطبقة ساسة الساسة، في عالم معولم، مقولب، معلب، ساعدتهم على إدارة أزمات النظام العالمي المستشرَفة منذ زمن بعيدا عن مساءلة العامة، وحقها في تعيين الجهة المسئولة عن هذا الإفلاس المعلن لحضارة سُوِّقت لجيلنا كعنوان لـ”نهاية للتاريخ” أغلقت باب الاجتهاد إلى الأبد في فقه إدارة الشأن العام.

حتى قبيل انفجار الجائحة إعلاميا، على وقع بضعة آلاف من الإصابات بالصين، كان المتابعون للشأن العام العالمي يرصدون معالم “نهاية النهاية” لنظام عالمي مريض معتلّ، وُضع منذ أزمة 2008 تحت الإنعاش المركَّز دون أدنى أمل في التعافي، وكان أغلبُهم يوقت بلا تردد للانهيار الكبير ما بين سنتي 2019 و2020، قد يغلَّف بحروب دولية واسعة، وربما بحرب عالمية، يكون الوباء قد أعفانا مؤونتها وأهوالها، أو أجل موعدها إلى حين توفر جلوس القوى العظمى مجددا إلى طاولة إعادة تقسيم مغانم العالم وجغرافية النفوذ فيه لقرن قادم.

في الأسابيع الأولى من تفشِّي الجائحة، كنت مع آخرين، قد وقتت لنهاية الجائحة بلا حاجة إلى لقاح أو بروتوكول علاج خارق، بموعد حسم “أم المعارك” في الرئاسيات الأمريكية القادمة، ومازلت أراهن عليها كسقف زمني لنهاية الجائحة إعلاميا، حتى لو واصل الوباء انتشاره الطبيعي كما يحصل مع أي أنفلونزا موسمية، لأن الحاجة السياسية لتوظيف الجائحة تكون قد انتفت، مع انتصار قادة العولمة أو فوز الطائفة التي تريد العودة بالنظام الدولي إلى ما قبل تدابير “بروتن وودز” وربما إلى ما قبل استيلاء لصوص البنوك على إدارة “الاحتياطي الأمريكي” ومن خلاله على أغلب البنوك المركزية لدول العالم.

يقيناً، نحن على مشارف زلزال عظيم، يعِدُ بتفكيك النظام العالمي القديم، ومراجعة غير مسبوقة في التحالفات الدولية، وفي ترتيب مقاعد القيادة فيه، بانتقال سلس أو متفجِّر للقيادة من الغرب الأنغلوساكسوني المتراجع إلى القوى الناشئة في الشرق، وبإعادة توجيه بوصلة الإدارة الرأسمالية للاقتصاد العالمي نحو مزيد من التشبيك في حال فوز فريق العولمة، أو نحو نظام تستعيد فيه الدول الوطنية القُطرية زمام المبادرة، وتقليم أظافر لصوص المصارف والأسواق المالية، وليس لنا نحن شعوب ودول الضاحية لا ناقة ولا جمل في هذا التدبير القادم أيا كان المنتصر، باستثناء ما قد يوفره عالمٌ متعدد الأقطاب، وعولمة ناعمة لا تلغي دور الدول والحكومات الأهلية، ما يوفره هذا الخيار من فرص لحماية ما بقي من مكونات الهوية الوطنية: الدينية والثقافية والاجتماعية التي كانت تهددها العولمة الفاشية في أجلٍ مرأيٍّ.

ومع التسليم على مضض بحاجة حكوماتنا إلى مجاراة التيار المهيمن، الذي فرض الجائحة كما فرض نمط تسييرها السياسي والاجتماعي على الجميع، فإني أهيب بها مجددا التعاملَ برفق مع شعوبها، والحرص على تماسك جبهتها الداخلية: رأسمالها الأول والأخير، وسلاحها الأقوى في مواجهة القادم من الاختبارات والابتلاءات في السنوات الخمس القادمة، الحبلى بمفاجآت لم يسبق للبشرية أن اختبرتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • ارض الشهداء

    وما نزل البلاء إلا بذنب،وما رفع إلا بتوبة،كما قال تعالى وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا، الذكي من يحل المشكلة،والحكيم من يتفاداها،فعليكم بالصبر والدعاءوالتضرع إلى رب السماء أن يرفع عنا هذا البلاء ويصرف الوباء إنه ولي ذلك والقادر عليه،والمجد والخلود لشهدائنا الابرار

  • كلمة انصاف

    انتم ارقدوا و حصلوا فالناس???!!!! حلل و ناقش??!!

  • ابن الجبل

    نقمة لنا ونعمة لهم ... ولكن الله يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور ... انما العسر يسرا .

  • حماده

    لا تقلق فإن ربك بالمرصاد