-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تُفسد عليه دنياه ويُفسد عليك آخرتك!

سلطان بركاني
  • 900
  • 0
تُفسد عليه دنياه ويُفسد عليك آخرتك!

تروي كتب السير أنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي، حين قَتل عبد الله بن الزبير وصلبه غير بعيد عن المسجد الحرام، واحتزّ رأسه وأرسله به إلى الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان في دمشق، أواسط شهر جمادى الآخرة من العام 73 هـ، دخل على أمّ ابن الزبير أسماء بنت أبي بكر فقال: كيف رأيتِني صنعت بعدو الله؟ قالت: “رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك… أما إن رسول الله –صلـى الله عليه وسلم- حدثنا أنّ في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه”.

من أعظم دركات الخسران أن يختار المرء طريقا يبذل فيه دينه وآخرته لأجل أن يتوصّل إلى إفساد دُنيا عبدٍ من عباد الله، خضوعا لأحقاد وضغائن عشعشت في نفسه وأعمت بصيرته وجعلته ينسى أنّ له موعدا بين يدي الله للحساب، وحملته على أن يسعى في قهر مَن لا حيلة له إلا أن يقول: “حسبي الله ونعم الوكيل”!

كثير هم أولئك الذين ينساقون خلف أنفسهم الأمّارة بالسّوء، وتغرّهم أموالهم ومناصبهم، فيستبيحون كلّ الوسائل التي يظنّونها تنفّس عن أحقادهم وتشفي صدورهم! تجد المسؤول يستغلّ منصبه في التنكيل بعامل طلب إنصافه أو اعترض على ما رآه إجحافا في حقّه، فيتمادى ذلك المسؤول في حرمان الموظّف من حقوقه، وفي تسليط أقسى العقوبات عليه، حتّى يحوّل وجوده في مكان العمل إلى جحيم ويملأ صدره بالهمّ والغمّ ويؤرّق ليله، وربّما يصل الأمر بالعامل إلى التخلّي عن العمل الذي يعيل به أسرته، ويفوّض أمره إلى الله، ويرفع ملفّ قضيته إلى محكمة السّماء بعد أن تخذله محاكم الأرض، وقد يفرح المسؤول بأنّه تخلّص من ذلك الموظّف “المشاغب” وحقّق مراده فيه، ولا يدري أنّه أهلك نفسه وأفسد آخرته بإفساد دنيا عبد ضعيف.. روي أنّ الحجاج بن يوسف الثقفي حبس رجلاً ظلماً، فكتب إليه رقعة فيها: “قد مضى من بؤسنا أيام، ومن نعيمك أيام، والموعد القيامة، والسجن جهنم، والحاكم لا يحتاج إلى بينة”.

تجد صاحب المال الذي غرّه ماله، يبذل الرشاوى وينفق أموالا طائلة يضِنّ بها عن وجوه البرّ والخير ويحرم منها أهله وأبناءه، لأجل أن ينكّل بأخيه أو قريبه أو جاره الذي خاصمه في مال أو عقار أو متاع، ويتوعّده بأنّه لن ينثني له عزم ولن يهنأ له بال حتّى يزجّ به في السّجن. هو موقن في قرارة نفسه أنّه ظالم، لكنّه يرى في خصمه أنّه لا يستحقّ أن يكون له خصيما ويقف في وجهه يطالب بحقّه؛ فيفسد آخرته بإفساد دنيا عبد من عباد الله.

تجد الزّوجة التي تَعلّق قلبها بالعاجلة، تغريها نفسها وتحرّضها قريناتها على الانتقام من زوجها الذي حصل بينها وبينه نزاع، فتسعى في خلعه والتنكيل به في المحاكم واستغلال القوانين المائلة لإذلاله وأخذ أمواله، وقد يصل بها الأمر إلى إخراجه من بيته، وهي التي تملك من البدائل ما يغنيها عن كلّ ذلك، ولكنّ الشّيطان زيّن لها عملها وحرّضها على الوصول بالأمر إلى نهايته، فتفسد على زوجها دنياه وتفسد بذلك آخرتها.

مغبون من يصلح دنياه بفساد آخرته، ولا يقلّ عنه غبنا من يفسد آخرته بإفساد دنيا غيره، ولكنّ الأشدّ منهما غبنا من يتقرّب إلى مخلوق مثله يصلح له دنياه بإفساد دنيا عبد من عباد الله، ويزداد الغبن فداحة إذا تعلّق الأمر بإفساد دنيا أمّة إرضاءً لمن يبغيها عوجا ويريد أن تكون الدّنيا بمناصبها وأموالها له وحده لا يشركه فيها أحد!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!