ثرواتنا المنهوبة.. كيف نستردُّها؟
تساؤلاتٌ حقيقية وكبيرة تفرض نفسها عندما نجد أنفسنا نتحدث عن ثرواتنا ونبحث عن دورها في حياة شعوبنا العربية فيما نشاهد بأم أعيننا كيف تتم عملية تبديد ثروات الأمة.. إنه لأمرٌ لا يمكن تصنيفه فقط على عناوين الجهل وعدم الخبرة والارتجالية.. بل على عنوان التقصُّد في تبديد ثروات الأمة في مجالات تخريب المجتمعات وإغراقها في العجز والعوز.. وفي هذا السياق لا يمكن أن نرى ذلك ولو للحظة بعيدا عن الصراع الحضاري الدائر بيننا والغرب منذ عدة قرون.. وأن ما يتم تبديدُه ضمن الخطة والمشروع المعادي يتم بأيدي أبناء المنطقة بوعي منهم أو بغير وعي.
لقد كانت ثرواتنا المتجددة بالإضافة إلى موقعنا الجيواستراتيجي سببا في العدوان المتواصل من قبل الدوائر الاستعمارية الجشعة على بلداننا، وللأسف اتسم تعاملنا مع هذه المؤهلات الحضارية الكبيرة بمزيد من عدم المسئولية، ما يسوقنا إلى تبديدها بروح اللامبالاة وبواقع النزف والنهب.. حتى عاد كثيرٌ من الناس يرى في ثرواتنا أنها سببُ نكباتنا في أكثر من مكان.. وأنها سبب تدخُّل الأجانب في بلداننا.
ولكي نقف على حجم نكبتنا في ثرواتنا الطبيعية، لابد من الاستناد إلى إحصائيات عن جامعة الدول العربية ودراسات عن مراكز دولية وإقليمية معتنية بالأمر، ومن ذلك نتوجه نحو الإشارة إلى ثرواتنا التي تغطي مختلف القطاعات: النفط والغاز والمعادن والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية؛ ففي البلاد العربية نحو 60 من المائة من احتياط العالم من النفط.. وتمتلك الدول العربية من الغاز الطبيعي احتياطيا قدره ثلث الاحتياطي العالمي.. وتقف السعودية والعراق ومجلس التعاون الخليجي وليبيا في مواقع متقدمة من إنتاج النفط، كما تقف السعودية والجزائر وقطر في موقع متميز في إنتاج الغاز.
وفي المعادن، تتوفر الدول العربية على أنواع مهمة وبكميات معتبرة منها، وتتمثل هذه المعادن في الذهب لاسيما في جنوب ليبيا، والحديد في معظم الدول العربية، والزنك والنحاس والفحم الحجري، والفوسفات الذي تشتهر به المغرب وموريتانيا والأردن..
وفي مجال الزراعة، فبالإضافة لدورها الرئيس في تحريرنا من التبعية في مجال التغذية، فهي توفر فرص عمل لـ26 مليون شخص.. إلا أن الزراعة العربية تواجه أخطارا محدقة تتمثل في شحِّ الموارد المائية واستهتار الدول العربية في توفير المياه الكافية بوسائل عديدة ومنها عدم حرص المشاريع الزراعية في الوطن العربي على الاستفادة من الأمطار التي يذهب معظمها هدرا، كما أن جيران العرب في المشرق يفرضون عليهم أوضاعا مُخلّة بخصوص المياه، إذ تنطلق الأنهار التي تغذي زراعتهم من دول أخرى، الأمر الذي يؤكد ارتباط السياسي بالاقتصادي بل والمعيشي، فرغم أن مساحة أرض العرب تبلغ 10 في المائة من مساحة العالم، إلا أنها لا تحظى بأكثر من 0.5 في المائة من المياه العذبة في العالم.
وعلى صعيد الثروة الحيوانية، هناك ما يقدَّر بأكثر من 345 مليون رأس من الأبقار والجاموس والأغنام والماعز والإبل في البلدان العربية. ويمتلك السودان جزأها الأكبر، إذ يمتلك 55 في المائة من عدد الأبقار والجاموس، ونحو 25 في المائة من الأغنام والماعز.
وبالإضافة إلى الثروة الحيوانية، هناك الثروة السمكية؛ إذ تبلغ شواطئ الوطن العربي 23 ألف كلم “بحر العرب والخليج العربي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي”. بالإضافة إلى الموارد المائية الداخلية من أنهار وبحيرات وسدود ويقدَّر إنتاج الدول العربية السمكي بما يعادل 2.6 في المائة من الإنتاج العالمي.. إلا أن الإنتاج السمكي العربي يعاني جمودا وتخلفا وهو يكاد يكون مركزا في مصر والمغرب وموريتانيا “76 في المائة من إجمالي الإنتاج العربي”.
إن هذه الإشارات السريعة إلى أرقام وعناوين الثروة في بلداننا العربية تفيد تماما بأن الكتلة المالية التي تتدفق على الوطن العربي سنويا تبلغ ما يكفي تماما لإحداث نهضة عربية في فترة قياسية إذا ما تم النظر إلى امتلاك العرب أسواقا حقيقية لديها القدرة على استيعاب المنتَجات التي يمكن لها أن تُحدث تكاملا اقتصاديا عربيا بين الدول الوازنة والسوق العربية الواسعة..
لا يمكن إغفال حقيقة أنَّ الفقر يضرب المجتمعات العربية بعنف مع تدني مستويات المعيشة في أكثر من بلد مشرقا ومغربا، وإذا استثنينا دول مجلس التعاون الخليجي، فإننا نشاهد تفشي ظاهرة البطالة وما يتبع ذلك من توسُّع دائرة الفقر في الوطن العربي..
وبإشارة سريعة إلى كيفية التعامل مع أنواع ثرواتنا تظهر لنا مأساة حقيقة تتسبب في تكريس التخلف والجهل والمرض والتبعية.. ليس فقط ما ننفقه من مئات مليارات الدولارات على حروبنا البينية كما حصل في حروب سورية واليمن وليبيا.. وإنما أيضا في تحويل ثرواتنا إلى خزينة مالية تُفتح فقط كلما راودتنا مصانع الغرب والصين وروسيا وشركاتهم تضخ إلى أسواقنا منتجات معظمها ليس باستراتيجي.. وفي ضوء تلك السياسات الاقتصادية العرجاء تم تجويف اقتصادنا المحلي بتدمير أبنيته التحتية، فتحول اقتصادنا إلى سوق استهلاك في السلاح والقمح سواء..
إن قوائم الفواتير التي تقدمها الخزائن المالية العربية على شراء السلاح وما يرافقه من مُعدَّات الكترونية أو فنية وكذلك المنتجات الأخرى العديدة يكشف لنا خطورة العقل الذي يدير بلداننا.. لأن كثيرا مما نستورد في هذه المجالات يمكننا تصنيعه ونستطيع الدخول في شراكات دولية في التصنيع الاستراتيجي كما فعلت تركيا مع روسيا في “أس 400″، وكما فعلت تركيا أيضا مع أمريكا في “أف 35” إذ اشترطت الاستيراد مع المشاركة في الصناعة.. وما نقوله عن السلاح والتكنولوجيا هو نفسه ما نقوله عن الزراعة وتراجعها غير المفهوم إذ أصبحت بلداننا من أكثر المستوردين للقمح والمواد الغذائية الأولية، وبهذا كنا يمكن أن نوفر مئات مليارات الدولارات.. إن هذا يكشف فساد مشاريع التنمية والاقتصاد التي تعيشها بلداننا العربية.
والأسوأ من هذا كله أن تتحكم عصابات المال المرتبطة بالأمن والسياسة في كثير من دولنا العربية فتنهب المال مباشرة من الخزينة وتحدث انهيارا حقيقيا في قدرة البلد على التماسك وتوفير حياة كريمة للمجتمع، ويصبح الأمر غير قابل للسكوت ونحن نرى مئات مليارات الدولارات تذهب هدرا في أسوأ عمليات نصب واحتيال، ويكفي أن نضرب مثلا ما يحصل في العراق حيث تم نهب 1200 مليار دولار في سنوات محدودة.
من هنا، لابد أن ينتبه الساسة والنُّخب الثقافية والعلمية والدينية إلى موضوع مهمٍّ للغاية؛ إنه استردادُ ثروات الأمة وتنميتها في اتجاه قوة المجتمع ورفاه أبنائه والاستثمار في شتى المجالات الصناعية داخليا وتعزيز السوق العربية المشتركة.. إنها معركتنا الحقيقية لكي تتحقق لأمتنا عزتها وسيادتها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.