-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثقافة عام الرمادة لإدارة السنوات العجاف

حبيب راشدين
  • 1072
  • 2
ثقافة عام الرمادة لإدارة السنوات العجاف
ح.م

في الوقت الذي تتهاوى فيه أسعار النفط مجددا، وتقترب من السعر المرجعي الذي بُنيت عليه ميزانية الدولة (50 دولارا)، لا يبدو أن الحكومة تتصرَّف كجهاز تنفيذي مسئول، ملزَم بالتعامل بجدية وحزم مع الأزمة المركّبة من معوقات موروثة عن العهد السابق، ومن تهديدات قادمة تعِد بالتهامٍ سريع لمخزون البلد من العملة الصعبة، وبتفاقم حتمي لعجز الميزانية، وتدهور متنام لميزان المدفوعات حتى مع العودة لتغطية العجز بتمويل غير تقليدي.

وحدها العوامل المعوقة الموروثة عن عشرية هيمنة الفساد على موقع صناعة القرار الأول، كانت كافية لتشجيع الرئيس على بناء حكومة مصغّرة بأقل من عشرين وزيرا كحد أقصى، تُسلَّح سريعا بأدوات قانونية مستعجلة، ولو عبر مراسيم، تسمح لها، قبل التفكير في بناء اقتصاد جديد، بوقف النزيف الذي تنتجه تجارتُنا الخارجية في موارد الدولة، تكون حتما مصحوبة بحملة ذات مخالب، تطارد المضاربين في السوق الداخلية على الأقل بالنسبة للمواد الاستهلاكية المدعومة.

في هذه الحكومة ذات الطابع الانتقالي، كان يفترض أن يكون لوزارة التجارة نفس المقام والسلطة الممنوحة في العادة لما يسمى بوزارات السيادة، مثلها مثل وزارة المالية التي تحتاج بدورها إلى تشريعات استعجالية، رادعة للتهرُّب الضريبي؛ المصدر الثاني للمال الفاسد، لأن اقتصاد الأزمة يحتاج إلى تقليص مؤلم في الواردات الاستهلاكية، ورفع الرسوم الجمركية على الكماليات من جهة، وتوسيع القاعدة الجبائية للدولة في الاقتصاد الرسمي كما في الاقتصاد الموازي من جهة ثانية.

من غير المعقول أن نعوِّل لا على ارتفاع عوائد المحروقات في عالم يُضرب فيه اليوم اقتصادُه الأول في الصين بما هو أقرب إلى الحرب البيولوجية، وتراخ عامّ في نسب النموّ في أكثر الاقتصاديات استهلاكا للطاقة، ولا على عوائد برامج تنويع مصادر الدخل خارج المحروقات، التي تحتاج في الحد الأدنى إلى خمس سنوات من إنضاج أدوات الإنتاج فيها، ومثلها لاكتساب ثقافة التسويق، ومؤهّلات اختراق أسواق عالمية مشبَّعة، هي اليوم مغلقة أمام الهواة.

ومن غير المتوقع أن نثق في ما صدر من وعود من جهة ترشيد الإنفاق، إذا كانت أول حكومة في عهد الرئيس الجديد تمنحنا المثل السيئ، بتخليق ثلاث وزارات في حقل الثقافة، الفاقدة للمنتجين المبدعين، وللمنتج والمستهلك على السواء، ومثله في قطاع الشباب والرياضة، المستهلِك للموارد دون عوائد، أو أن يكون البلد اليوم بحاجة إلى وزارة اتصال وصية على قطاع عمومي مفلس، وقطاع خاص يعمل بذهنية وسلوك مكوِّنات السوق السوداء.

نفس القرار كان يُفترض أن يُتخذ في حق كثير من “المجالس الاستشارية” الموروثة عن العهد السابق، وقد تحولت إلى فضاءٍ احتياطي لتوظيف الصحبة والأقارب وجبر خاطر المبعَدين من المغضوب عليهم إلى حين، ثم الذهاب إلى إخضاع الإدارات الكبرى والإدارات المحلية إلى حمية “تخسيس” من جسمها المترهِّل بشحوم توظيف عشوائي كان مرتعا للمحسوبية التي غلقت الأبواب أمام الكفاءات.

لست أدعو هنا إلى اقتصاد حرب، حتى وإن كانت أغلب الدول اليوم هي في حالة حرب وفوضى خلاقة للفوضى، لكن وضع البلد محفوفٌ بمخاطر وتهديدات حقيقية عاجلة توجب القلق المشروع، بالنظر إلى الأرقام الرسمية التي قدمها مدير البنك المركزي وأكدها رئيس الحكومة، تحتاج بالضرورة إلى معالجة خاصة بسياسات وأدوات استثنائية، توقف العمل ببعض التشريعات المعوقة للصرامة، واستبدالها بتشريعات استثنائية، يتيحها الدستور خارج مسارها التقليدي عبر برلمان هو أصلا فاقدٌ للشرعية، ولها أكثر من شاهد في تاريخ الدول، كان أعلاها ما حصل من تعطيل لبعض الحدود في “عام الرمادة”.

وقبل هذا وذاك، يستحسن برئيس الجمهورية أن يثق في المواطنين، فيكاشفهم بأحوال البلد كما هي، واعتبارهم شركاء في إدارة الأزمة، وسنده الأول في مواجهة القادم من السنين العجاف، لم ندَّخر لها مع الأسف في السنوات السمان، وما ادُّخِر تُرك مرتعا لقطيع من الفاسدين يبيض فيه ويصفر، عسى أن نجنِّب البلد عاما “فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ياسين

    نعم..."يستحسن برئيس الجمهورية أن يثق في المواطنين، فيكاشفهم بأحوال البلد كما هي، واعتبارهم شركاء في إدارة الأزمة، وسنده الأول في مواجهة القادم من السنين العجاف، لم ندَّخر لها مع الأسف في السنوات السمان،..." لكن المؤسف أن الناس أصبحت لا تصدق من يقول لها الحقيقة بل أصبحت تصدق من يمارس الدجل و كل أنواع البهتان عبر صفحات الفايسبوك من أمثال أولئك القابعين في مكاتبهم المكيفة في لندن أو باريس؟؟؟

  • جلال

    قال آينشتاين: (إنه من الحماقة أن تعتقد أنك ستحصل على نتائج جديدة وأنت تكرر الشيء نفسه) لا يشترط أن تكون خبيرا في الإقتصاد لتقرر عدم وجود اقتصاد عندنا بالمفهوم العلمي والعالمي كما لا يوجد استثمار حقيقي ومنتج,نحن بنينا شبه مصانع للتركيب والتعليب والتغليف والا فمن المستفيد من مصنع رونو كمثال.علينا أن نغير حتى ما بأنفسنا لأن الفساد أصبح ثقافة. يجب أن تلغى كل الإمتيازات الممنوحة للمسؤولين لم يتعبوا عليها فهذا يخالف العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص إن كل شئ عندهم بالمجان فما من دولة في العالم تخدم كما نقول بالعامية على موظفيها الا الجزائر وقد يمد أحدهم يده لمال المؤسسة والمال العام لينهبه مع ذلك