جائزة “أتعس فنان فوق الأرض”..!

إذا كنت فنانًا حقيقيًا، تعيش في الظل، وتصارع الأمواج دون طوق نجاة، فأنت المرشح الحظيظ لتحل ضيفًا على الحضيض، حيث جائزة “أتعس فنان فوق الأرض”! ومع أنها ليست جائزة رسمية، إلا أنها اعتراف ضمني بواقع بائس يعيشه المبدعون في عالم لا يعترف إلا بأصحاب المتابعين بالملايين، حتى لو كان محتواهم مجرد استعراض للأزياء في غرف النوم..!
لم يعد الإبداع اليوم معيارًا للنجاح، ولا الموهبة شرطًا للاستحقاق. في المشهدين الثقافي والفني الراهنين، ليس النجم من جد واجتهد، بل هو من استطاع حصد الإعجابات الكثيرة والتعليقات الغزيرة على مقطع “ترند” في “تيك توك”! أما أولئك الذين أفنوا أعمارهم في معاهد الفنون والورشات التدريبية صقلًا لمواهبهم، فهم مجرد خيالات تتجول في كواليس النسيان، حالمة بمشهد يتيم ينصفهم أو عمل واحد يخرجهم من دوامة “التهميش الفني”.
في الدول التي تحترم فنانيها، توجد وزارات تخطط، ومؤسسات تدعم، ومهرجانات تنظم لتحفيز الإبداع. أما في غيرها من الدول فالمعادلة بسيطة: إن لم تكن من المقربين فأنت مجرد “ظل” لا يحسب له حساب: لا إنتاج، ولا منح، ولا اهتمام. قد يجودون عليك فقط بحوارات إنشائية عن أهمية الفن في بناء المجتمعات، أعني حوارات تكتب بقلم مريب وتتلى بنفس رتيب، وكأنها ترانيم جنائزية للمواهب التي تدفن قبل أن تولد..!
وفي كل محفل ثقافي، أو عمل فني، أو مشروع إنتاجي، نجد الوجوه المتكررة والأسماء المكرسة و”العائلات” الفنية ذاتها، وكأن المشهد لا يتسع لغيرهم..! إنها بحق منظومة مغلقة، لا تقبل غيرهم. فإن نجح غيرهم في افتكاك مكانة بينهم، سارعوا إلى ركنه في زوايا النسيان؛ إنها “الشّللية” في أبشع صورها، حيث يتحول الفن إلى ناد “ملكي” يضم أفراد الشلة المالكة فحسب..!
أما عن أزمة النصوص –المسطورة منها أو المنظورة– فتلك قصة أخرى ذات شجون وشؤون؛ إذ إن النصوص التي تكتب اليوم لا تعدو أحد اثنين: إما مقتبسة اقتباسًا سافرًا من أعمال عالمية، أو مفتقرة إلى أبسط مقومات العمق والمعالجة الدرامية. ومرد هذا أن الكتاب الحقيقيين يعزلون أو يغيبون، وأن المنتجين لا يريدون “تكسير الرأس”، والنتيجة: أعمال هزيلة بلا هوية، وبلا روح، وبلا جمهور..!
وحين تلح الحاجة إلى دماء جديدة لإنعاش الساحة الفنية، نقف على المفاجأة الصادمة: خريجو معاهد الفنون في البيوت، بينما مشاهير “إنستغرام” و”تيك توك” يفتكون الأدوار الأولى، ويعتلون المسارح ويظهرون في السينما والتلفاز..! هؤلاء -الذين لم يقرؤوا كتابًا واحدًا عن الفن، ولم يدرسوا الأداء والتمثيل- صاروا نجومًا؛ لأنهم يملكون “قاعدة جماهيرية”.. نعم، لأجل هذا فقط..!
وفي الختام، إذا كنت من الفنانين الذين أُوصِدت في وجوههم كل الأبواب، أو ممن لم يحالفهم الحظ في الدخول إلى حيث كان حريًا بهم أن يدخلوا، أو إن لم تكن مؤثرًا يوزع الضحكات والتفاهات، فهنيئًا لك..! أنت بطل هذا العصر الذي انقلب على رأسه، وأنت الفائز المائز بجائزة “أتعس فنان فوق الأرض”. لكن -ولسوء حظك- لا تتوقع أن تنال درعًا تكريميًا أو تصفيقًا حارًا؛ فهذا زمن لا مكان فيه للفن الحقيقي، بل إنه مرتع الفرجة السطحية والضوضاء الفارغة..!