جدلية إدارة الذكاء الاصطناعي في الإعلام
لقد استطاعت التكنولوجيات الحديثة اختراق المشهد الإعلامي على كل مستوياته، فبات من الضروري التعامل مع التحوّل الرقمي في ظلّ اتساع الرقعة الرقمية بشكل من الذكاء مسايرة للركب الحداثي من جهة وتجنّبا لفقدان المؤسسات الإعلامية مكانتها بين جمهورها من جهة ثانية. ولعلّ أبرز ثورة تكنولوجية شهدها العالم، تمثلت في ظهور “الذكاء الاصطناعي”، الذي أحدث شرخا كبيرا في عالم البرمجيات والميتافيرس. فما هو الذكاء الاصطناعي؟
بحسب خبراء التكنولوجيات الحديثة، يعتبر الذكاء الاصطناعي، العلم الذي يهتم بصناعة آلات وروبوتات قادرة على التحليل والتفكير والتصرف بطريقة ذكية جدا، ويشمل ذلك القدرة على التكلم والاستماع للأسئلة وفهمها والإجابة بأفضل الطرق، وكذا تنفيذ المهام بسرعة دون تعليمات من البشر. كما يقوم بتحليل البيانات بسهولة ويقلل التكاليف.
يشمل الذكاء الاصطناعي في الإعلام منصات إنترنت وتقنيات تحليل الخوارزميات وتحليل البيانات وجمع المعلومات باستخدام بيانات مخزنة في الأرشيف وأجهزة إلكترونية متنوعة منها المعقد ومنها البسيطة، والهدف منها جميعاً إنتاج مواد صحفية متنوعة، من ثم تحريرها وتدقيقها وتوجيه المحتوى إلى الجهة المعنية به.
البدايات…
كانت بداية توظيف الذكاء الاصطناعي في عالم الصحافة عام 2010م، بتطوير برنامج جديد مهمته كتابة التقارير الصحفية تماما كما يقوم بها الإعلامي، وقد وظّفت العديد من المؤسسات العالمية هذا البرنامج على غرار: وكالة الأنباء النرويجية ووكالة رويترز وغيرها…
لقد تحوّل الإعلام في الألفية الثالثة، وبفضل الثورة التكنولوجية الهائلة من إعلام أحادي إلى إعلام متفاعل، يقوم على التبادل والتشارك بين القائم بالاتصال والملتقي (أي بين الإعلامي والجمهور المتلقي)، وهذا بغرض الارتقاء بالأشكال والأساليب الإعلامية إلى مدارات من الصعب تخيّلها. وأحد أهم الإنجازات، التي حققها توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام وبالتحديد في مجال المواقع الإلكترونية هو تدعيمه لصحافة الواب، التي ساعدت في وصول الخبر لملايين الناس خلال دقائق من نشره بالإضافة إلى إمكانية مواكبة الأحداث باستمرار من خلال التغطية الصحفية الحية والفورية.
الذكاء الاصطناعي يرسم المشهد الاتصالي الحديث:
يشهد مجال الصحافة والإعلام ثورة هائلة بفضل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث ساهمت هذه التطورات في ظهور تقنيات جديدة وأدوات مبتكرة تساهم في تحسين كفاءة العمل الصحفي وزيادة دقة وسرعة التقارير الإخبارية. فهل يمكن للتقنية أن تكون شريكاً مهماً للبشر في مجال الإعلام، وليس بديلاً عنهم؟
هو سؤال كثيرا ما جال في فكر الإعلاميين، فمنهم من أبدى تفاؤله باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، وهناك من أبدى تخوّفاته من تسلّط الآلة وهيمنتها على العمل الإعلامي، وهو الأمر الذي سيؤدي به حتما إلى البطالة.
ولتوضيح هذه الأفكار، وجب علينا تقديم مزايا ومساوئ إعلام الذكاء الاصطناعي:
مزايا الذكاء الاصطناعي في الإعلام:
– التحقق من الأخبار: يمكن للذكاء الاصطناعي التحقق من صحة الأخبار والتقارير الإخبارية من خلال تحليل مصادر المعلومات ومقارنة المحتوى مع المعلومات المعروفة، مما يساعد على الحد من انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة.
– تحليل البيانات: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد الأنماط والاتجاهات، مما يساعد الصحفيين على فهم الأحداث والظواهر بشكل أفضل وتقديم تقارير أكثر دقة وموضوعية.
– التحرير الآلي: يمكن للذكاء الاصطناعي تحرير النصوص واقتراح تحسينات في الصياغة والأسلوب، مما يساعد الصحفيين على تقليل الوقت والجهد المبذول في عملية التحرير.
إنشاء المحتوى الصحفي: يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء محتوى صحفي إبداعي مثل المقالات والأخبار والتقارير، مما يساعد الصحفيين على إنتاج محتوى أكثر تنوعاً وإثارة للاهتمام.
الوصول إلى المعلومات: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في إتاحة المعلومات للجمهور بشكل أكثر سهولة وكفاءة.
– تحسين جودة المحتوى الإعلامي وتعزيز الشفافية والموثوقية في نقل الأخبار والمعلومات.
– توليد القصص أو المقالات الصحفية الإخبارية كخوارزمية توليد اللغة الطبيعية
GPT -3
– تزويد الجمهور بالمحتوى الإخباري بحسب الاهتمامات والتفضيلات.
– توسيع التغطية الإعلامية في بعض المناطق التي لا يستطيع الصحفيون الوصول إليها كمناطق الحروب.
– الترجمة الآلية: تساعد تقنيات الترجمة الآلية الصحفيين، على ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى بسرعة ودقة عالية، مما يساهم في الوصول إلى جمهور أوسع ونشر الأخبار والمعلومات إلى أبعد مدى.
– القدرة على كشف المصادر الحقيقية للأخبار من تلك التي تكون مصطنعة أو غير حقيقية.
– القدرة على ضبط المحتوى وتعليقات المستخدم والتحقق من تعليقات القراء.
– القدرة على استبدال مقدمي الأخبار التلفزيونية بروبوتات ذكية، تقدّم نشرات الأخبار كالروبورت “إيريكا” التي تميّزت بقراءة الأخبار في التلفزيون الياباني.
– توفير المزيد من الوقت والجهد للإعلاميين والصحفيين، مما يمكنهم من التركيز على المهام التي تتطلب الخبرة الإنسانية والقدرة على التفاعل والتواصل مع الجمهور.
نظام التعرف على الوجوه: هو تقنية بوسعها التعرّف على الوجه البشري ومطابقته مع صورة رقمية في قاعدة البيانات، مما يسهل تتبع الأخبار عن الشخصيات المهمة التي تظهر على القنوات التلفزيونية أو في الصور.
– الصحافة القائمة على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ستكون قائمة على الخوارزمية، حيث تكون البيانات فيها متاحة بكل سهولة وتحليلها يكون سريعًا.
– بث الإعلانات المستهدفة: يقوم الذكاء الاصطناعي ببث الإعلانات التي تهم المستخدم بناءً على أرشيفه إضافة إلى إزالة الإعلانات غير الهامة.
مساوئ إعلام الذكاء الاصطناعي
– تعدّ صحافة الذكاء الاصطناعي ثورة جديدة، حيث لا قيود تضعها الحكومات للوصول إلى المعلومات أو محاسبة قانونية. (لا يمكن مساءلة الذكاء الاصطناعي قانونيا، ممّا يستدعي ضمان المساءلة البشرية للشركات المسؤولة في جميع مراحل صناعة المحتوى).
– لا يمكن لأنظمة صحافة الذكاء الاصطناعي أن تمتلك المهارات التي يمتلكها الإنسان، كالتكيف والذكاء وحسّ الفكاهة.
– يستخدم الإعلامي الإبداع في أثناء سرد حادثة معيّنة، ويقوم بتحويلها إلى مقال صحفي، على من الروبورت الذي يسرد مقالة كاملة بحسب البيانات المتوفرة لديه فقط.
– لا يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي شرح مخارج الحروف.
أشارت دراسات حديثة، إلى ظهور حقبة جديدة من الاتجاه الصحفي والإعلامي تعرف بصحافة الجيل السابع G7 Journalism، يتوقع ظهورها بحسب الخبراء في عام 2040، مع التأكيد على اختفاء للإعلام التقليدي الحالي وتعويضه بالمراكز المعلوماتية التي تكون قد طغت كليا على العالم.
إفرازات الذكاء الاصطناعي على المشهد الإعلامي
التحيز: يمكن أن تعكس الخوارزميات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، التحيزات الموجودة في البيانات التي تم تدريبها عليها، مما قد يؤدي إلى نشر أخبار أو تقارير متحيزة.
الخصوصية: يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام جمع كميات كبيرة من البيانات حول الجمهور، مما يثير مخاوف بشأن الخصوصية وحماية البيانات الشخصية.
البطالة: قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض المهام الصحفية إلى فقدان الوظائف لدى الصحفيين، مما يتطلب تطوير برامج تدريب وإعادة تأهيل للصحفيين لتكييفهم مع التغيرات الجديدة في مجال العمل.
المسؤولية الأخلاقية: مع استمرار التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، فمن المتوقع أن تستمر هذه التقنيات في التأثير بشكل كبير على المجال الإعلامي وهو ما يدعو لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول وأخلاقي من خلال ضبط البيانات واحترام أخلاقيات المهنة.
– لقد بات من الواضح وبخاصة في الآونة الأخيرة، أنّ الاتجاه الجديد للإعلام العالمي هو استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كما أصبح تأثير هذا الأخير واضحا وجليا عليه، فصحافة الذكاء الاصطناعي بدأت تواكب الرقمنة التي تشمل كل نواحي الحياة، وبدأت معالم التغيير تظهر على الإعلام وعلى الجمهور المتلقي أيضا، وهو ما يدفعنا للقول إنّ تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ليست سوى إفرازات العقل البشري القائمة بالأساس على الفضول وحب المغامرة في المجهول.