-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جرثومة الخير

جرثومة الخير
ح.م

لم أقرأ فيما قرأت، ولم أسمع فيما سمعت أن الجراثيم توصف بالخير أو بالشر، أو تضاف إليهما، حتى قرأت كتابا قيما عن أحد علماء الجزائر، بل المسلمين، وصف بأنه “هو جرثومة الخير الأول”، في منطقة كاتب ذلك الكتاب، و”هو مؤسس كل أسس من مدارس أميرية” في تلك المنطقة في تاريخ معلوم.

هذا العالم الجليل يؤكد بنبوغه وتفوقه مقولة الإمام ابن باديس: “إن الطينة الجزائرية طينة علم وذكاء إذا واتتها الظروف”. (الشهاب، فبراير 1931. ص18).

خطت الأقدار في صحيفة هذا العالم أن يفتح عينيه على الدنيا بعيدا عن وطنه وقومه في عام 1852، حيث هاجر والده إلى خارج الجزائر، بعدما ابتليت بالطاعون الفرنسي، وانتهاء جهاد الأمير عبد القادر.. وقد استقر في دمشق حتى أتاه اليقين.

إنه طاهر بن صالح بن أحمد الوغليسي، من نواحي بجاية التي كانت تصدّر العلماء، وإلى بني وغليس هذه ينسب الإمام عبد الرحمن الوغليسي (ت 1384م) صاحب “الوغليسيّة” في الفقه المالكي. عندما أخبر الشيخ صالح بميلاد ابنه سماه “طاهرا”، ودعا له قائلا: “طهّره الله من رجس دنياه، وبارك في عمره، وارزقه العلم والعمل به”. وقد أجيبت دعوة العبد الصالح، فكان ابنه مثالا في العلم الواسع، وقدوة في العمل الصالح، وأسوة لمن يريد أن يعيش عزيز النفس، محفوظ الكرامة.. ذا همة إلى درجة وصفه بأنه “محيي الهمم”.

أقبل الفتى على العلم، فعاش ما عاش للعلم وحده، طالبا وناشرا له، حتى إنه لم يتخذ صاحبة حتى لا تشغله حقوقها عن العلم، وعرف مجموعة من اللغات.. منها العربية، والعبرية، والسريانية، والحبشية، والفرنسية، إضافة على اللسان الأمازيغي.

ينطبق على الشيخ طاهر الجزائري قول الشاعر:

له همم لا منتهى لكبارها

وهمّته الصغرى أجل من البدر.

إن هذه الهمة هي التي عصمت الشيخ طاهرا من أن يركن لذي سلطان، أو ذي نشب حتى في ساعة العسرة ومن أكره الناس لديه المتملقون والمتزلفون لأصحاب السلطة أو لأرباب المال، والعالم أسمى منهم جميعا. وقد أكسبه ذلك محبة الأكثرية ممن عرفوه.. وكان يعتبر رضا الناس جميعا عن شخص ما نفاقا: لأن “المصلح لا يخلو من أعداء وأصحاب”.

ترك الشيخ طاهر تلاميذ نبغاء، وترك تراثا هاما، بعضه طبع وبعضه مايزال مخطوطا.

عارض سياسة “التتريك” وكان من دعاة “الجامعة الإسلامية”، وإصلاح الدولة العثمانية.. من أهم ما أنجزه إنشاء دار الكتب الظاهرية في دمشق، ودار الكتب الخالدية في القدس.

وكان من أوائل أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، وقد أشيع أنه انخدع لدعاة الماسونية، ولكنه تبين بعد أمة الرشدَ من الغيّ، فابتعد عنهم، ومن جميل أقواله “أن الانتباه للنقص هو نوع من الكمال”.

دعانا إلى كتابة هذه الكلمة عن الشيخ طاهر الجزائري مرور قرن على وفاته، حيث أتاه اليقين في دمشق في 5/1/1920. رحمه الله الشيخ طاهرا وجميع العلماء العاملين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • merghenis

    في مقالة الأستاذ الحسني هذه عرفنا المعنى الأصلي لكلمة "جرثومة" وهي كلمة مستعملة في الشعر.
    قال عروة بن أذينة في ديوانه :
    و إني لمن جرثومة تلتقي الحصى ** عليها و من أنساب بكرٍ لبابها
    ............يتابع "أن الجرثومة لها معان حقيقية وأخرى مجازية واستعمالاتها العرفية غلبت.
    و يختم - فقد صح عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "حدِّثوا الناس بما يعرفون"

  • احمد الجزائري

    تستحي أمة أن لا تعرف رجالها في وقت عرفت هي بهم وكم من عالم فذ لدى غيرنا أصله لنا، وقد قرأت بحوثا للونشريسي لازالت نناقشها الجامعات الإسلامية العالمية ولا خبر لدينا عنه، وهذا المثال لا الحصر، فشكر الله لأستاذنا الحسني حسن التفاتته لامثاله

  • مشاشي

    للمعلق 3 : تعليقك قد تستوعبه العقول التي توقف بها الزمن في القرون الوسطى أما اليوم ونحن في زمن يسير فيه العالم ومعه العلم بسرعة لا نظير لها فهو مضيعة للوقت

  • محمد

    تعريف فضلائنا مفيد لمن يجهل حتى وجودهم.هذا ما جنيته من مقالاتك لكن اليوم استعملت كلمة التتريك مشيرا بنوع من الإنكار إلى نشر سلطتهم على بلدنا مجاريا في ذلك ادعاء العرب لحكم الدولة العثمانية لهم.ما لا يجب التستر عليه هو أن قدومهم لبلدنا كان بطلب كبراء جزائر بني مزغنة حين لجأوا إلى عروج وأخية خير الدين لحماية وطنهم من الهجمات المتكررة التي يقوم بها الإسبان وغيرهم من القوى المسيحية لفرض سيطرتها على كل المغرب العربي الإسلامي وقد أشار إليهم أنه يحتاج إلى إذن من الخلافة العثمانية صاحبة السلطة العليا.وعاشت الجزائر منذ ذلك الحين بنوع من الاستقلالية طغى فيها من كانت بيدهم الغنائم البحرية بالجزائر فقط.

  • توفيق قرينات

    يَنْميهِ حَرْبٌ ومروانٌ وأصلُهما إلى جَراثيمِ مجدٍ غيرِ مأشوبِ

    - جراثيم : جمع جرثومة وهي الأصل - مأشوب : المتداخل بعضه في بعض
    ديوان نابغة شيبان / ص 76 / الطبعة الثالثة / مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة

  • ابن الجبل

    ان مقولة الامام ابن باديس :" ان الطينة اجزائرية طينة علم وذكاء اذا واتتها الظروف ". أين هذا العلم وهذا الذكاء ؟!. الجزائر منذ الاستقلال لم تخترع شيئا ،الا ... !!!!

  • merghenis

    هذا العالم ـــ رحمة الله عليه ـــ معروف . الجزيرة خصصت له مقالة و في الموسوعة W يوجد اسمه في مادة"آث واغليس". المهم، الصحيح هو سوري من أصل جزائري، ولد في سوريا و..و مات في سوريا و دفن في سوريا. من مؤلفاته:"منية الأذكياء في قصص الأنبياء"، و "الإلمام بأصول سيرة النبي عليه الصلاة والسلام"،..و طبعا تفسير للقرآن . يمكن تحميل "منية الأذكياء في قصص الأنبياء".

  • مشاشي

    حتى القلم أحيانا وحين يستعمل في غير موضعه هو جرثومة

  • إنسان

    رد على عميس:
    علوم الدين هي أشرف و أعمق العلوم و سماها ربنا كذلك بـ "الحكمة". فالبشرية لو بقيت آلاف السنين تبحث ما وصلت الى الحقائق التي يخبرنا بها القرآن و السنة عن الخالق العظيم و أصل الخلق و حقيقة الحياة و الملائكة و الآخرة و الجنة و النار و المعاملات السليمة و الأخلاق الحميدة. فَهْم هذه العلوم و العمل بمقتضاها هو ما يجعل الانسان سويا فقيها حكيما. أما أن تملك سيارة و ساعة و هاتفا محمولا و تلفازا و لباسا و مالا و و و دون أن تتحلى بفضائل العلم و العمل فنحن نراهم أمامنا بالقناطير لا تشتري الواحد منهم بدرهم.

  • Abdelmajid

    كلمة جرثومة قبل أن تطلق على الميكروب في اللغة العربية الحديثة كانت تعني أصل الشيء(الطيب) ومصدره ومجتمعه.ويحضرني دائما مقطع لبيت شعري لأبي تمام يمدح فيه الخليفة المعتصم يقول فيه:جرثومة الدين والإسلام والحسب..

  • عميس

    هذا العالم هو من ابتكر البوصلة والة الطباعة وجهاز التيلفون أو الهاتف والبنسلين والأسطرلاب والساعة الميكانيكية والمحرك البخاري ... ولهذا فهو معروف عالميا وتتم دراسة مبتكراته في أكبر الجامعات في اروبا وأمريكا