-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بسبب الاختلافات العقدية والتمايز القيمي والانحياز القانوني

جزائريون في فخ “الزواج المختلط” !

مريم زكري
  • 1697
  • 0
جزائريون في فخ “الزواج المختلط” !

يتزايد عدد الجزائريين والجزائريات، سواء داخل الوطن أم لدى الجالية المقيمة بالخارج، المرتبطين بالأجانب أو ما يعرف بـ “الزواج المختلط”، بسبب تسارع وتيرة الانفتاح على الدول والمجتمعات الغربية، وتوسع دائرة العلاقات الإنسانية في العالم. غير أن هذا الارتباط الذي يبدأ ببناء أسرة مستقرة، يصطدم لاحقا بجملة من العراقيل القانونية والدينية والاجتماعية، التي لا تنتهي عند أبواب المحاكم بسبب الطلاق فقط، بل تطفو على السطح قضايا الحضانة، الهوية، الميراث، وحتى الاعتراف الرسمي بالزواج.

ومع غياب أرقام رسمية دقيقة، وما تشهده المحاكم يوميا من ملفات تتعلق بنزاعات هذا النوع من الزواج، تحول مع تزايد الأرقام من ظاهرة اجتماعية عادية إلى قضية قانونية وإنسانية معقدة، تتطلب حلولا على أرض الواقع. وهو ما يطالب به حاليا محامون وقانونيون، من خلال وضع اتفاقيات دولية تحفظ حقوق الأسرة، لاسيما عندما تتصادم القوانين الوطنية مع الأنظمة القانونية الأجنبية، وتتقاطع المرجعيات الدينية والثقافية بين الزوجين، يعتبر معظمهم أن نسبة نجاح واستقرار هذا النوع من العلاقات ضئيلة جدا حيث يحكم عليها بالفشل منذ السنوات الأولى من الزواج.

تزايد أرقام زواج الجزائريين بالأجانب

وفي سياق ذلك، أكدت البروفيسور، مديرة مركز تطوير المقاولاتية بكلية الحقوق، جديني زكية، في حديثها لـ” الشروق” أن تنظيم العلاقة الزوجية بالجزائر يقوم أساسا على عقد الزواج يخضع فيها قانون الأسرة للشريعة الإسلامية، عندما يكون الطرفان جزائريين، سواء عند الزواج أم عند الطلاق وما يترتب عنه من حضانة ونفقة وتقسيم للممتلكات، غير أنه في حال كان أحد الزوجين أجنبيا تصبح العلاقة أمام ما يسمى “تنازع القوانين”، حيث يخضع كل طرف لقانون مختلف، وتضيف المتحدثة أن هذا التنازع لا يشمل فقط الزواج والطلاق، بل يتعداه إلى أمور أكثر تعقيدا مثل الجنسية، وديانة الأطفال، والنظام المالي بين الزوجين.

عشرات القضايا بالمحاكم حول الحضانة والميراث

وأشارت الأستاذة إلى أن الشريعة الإسلامية تقر الاستقلالية المالية بين الزوجين، في حين إن بعض القوانين المقارنة لدول أخرى تعتمد على الوحدة المالية، وهو ما يخلق مشاكل معقدة عند الطلاق، خصوصا في ما يتعلق بتوزيع الممتلكات وتقسيم المال والميراث.

وأردفت المتحدثة أن مثل هذه النقاشات لا يجب أن تبقى حبيسة القاعات الأكاديمية، بل يجب أن يتم توثيق توصيات الملتقيات في سجل خاص، يرفع لاحقا إلى الهيئات المختصة، موضحة أن ملف الزواج المختلط يكتسي بعدا خارجيا، نظرا لما يعانيه أفراد الجالية الجزائرية بالخارج من إشكالات مرتبطة بهذا النوع من الزواج، خاصة في ظل وجود أعداد معتبرة من الجزائريين المتزوجين من أجانب في الخارج.

ودعت البروفيسور جديني إلى تعزيز التنسيق القضائي والتشريعي مع الدول الأخرى عبر اتفاقيات ثنائية، لحماية حقوق الأزواج الجزائريين، خاصة النساء، وضمان حقوق الأطفال من الزواج المختلط، بما يحفظ الهوية والدين ويمنع النزاعات المستقبلية.

من جهتها، أشارت أستاذة القانون ومحامية معتمدة لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، الدكتورة أم السعد بن زيادة، إلى أن الزواج المختلط يقصد به ارتباط شخصين من جنسيتين مختلفتين، مثل زواج جزائرية بأجنبي مسلم، أو زواج جزائري بأجنبية كتابية، وتقول إن هذا النوع من الزواج يختلف تماما عن الزواج بين جزائريين، نظرا لتباين القوانين التي يخضع لها كل طرف.

وأضافت المتحدثة أن قانون الأسرة الجزائري مستمد من الشريعة الإسلامية، وبالتالي، فإن زواج المسلمة من غير المسلم يعتبر باطلا على حد تعبيرها، لأنه يخالف النظام العام، غير أن القوانين الأجنبية بحسبها خاصة في الدول الغربية، لا تولي شرط الدين أي أهمية، وتعتبر حتى الزواج بين أشخاص لا ديانة لهم صحيحة قانونا.

أمهات تائهات بسبب الدين وأطفال مختطفون بعد الطلاق...

وترى الأستاذة بأن المشاكل المتعلقة بهذا الزواج تظهر خلال الطلاق، حين تصبح العلاقة الزوجية غير قابلة للاستمرار، ويقع النزاع حول الحضانة، والديانة، والميراث، وتوزيع الممتلكات، قائلة إن الطفل غالبا ما يتبع ديانة وجنسية الأب في الدول الأجنبية، وهو ما قد يضع الأم المسلمة في موقع ضعيف، خاصة إذا كانت تقيم في بلد غير مسلم، ما قد يؤدي إلى تربية الأطفال خارج المبادئ الإسلامية.

وفي كثير من الحالات التي عالجتها المحاكم- تضيف المتحدثة- يضطر بعض الآباء الجزائريين إلى اختطاف أبنائهم وإعادتهم إلى الجزائر، خوفا من فقدانهم لهويتهم الدينية والثقافية، بعد أن يربوا في بيئة منفتحة لا تحترم الخصوصيات الدينية، مشيرة إلى أن المجتمع الجزائري مجتمع محافظ، وأن الأطفال حين ينشؤون في بلدان أجنبية قد يتعرضون لانحرافات سلوكية ودينية، وهو ما يدفع بالآباء إلى التدخل لحمايتهم، من خلال إعادتهم إلى بلدهم الأصلي، وذكرت المتحدثة في عرض تصريحاتها حالة زواج جزائري مقيم في فرنسا بامرأتين، إحداهما جزائرية والأخرى فرنسية وبعد وفاته، ورغم أن زواجه بالجزائرية كان صحيحا من حيث الشكل والمضمون وفق القانون الجزائري، إلا أن السلطات الفرنسية رفضت الاعتراف به لأنه يخالف نظامها العام، وقررت تقسيم الميراث مناصفة بين الزوجتين، رغم أن الجزائرية كانت زوجته الشرعية الأولى وأم أولاده.

إبرام اتفاقيات مع الدول التي تحتضن نسبا كبيرة من الجزائريين

وبالمقابل، كشفت المتحدثة أن القاعدة العامة في التشريعات تنص على أن العقار يخضع لقانون موقعه، بينما يكون الإشكال في الأموال المنقولة، وفي هذه الحالة، وبما أن الأموال كانت موجودة في فرنسا، تم الاحتكام للقانون الفرنسي، ما أدى إلى إقصاء الزوجة الجزائرية من كامل حقوقها رغم أن زواجها قانوني في الجزائر، وفي سياق حديثها، شددت بن زيادة على ضرورة التحرك بجدية من قبل المشرع الجزائري من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول التي تحتضن نسبا كبيرة من الجالية الجزائرية، وعلى رأسها فرنسا، من أجل حماية حقوق النساء الجزائريات المتزوجات من أجانب، وحقوق أبنائهن، سواء في الحضانة أو الميراث أو في تحديد الهوية الدينية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!