جزائريون يطلقون لاختلافهم على تسمية مواليدهم

من ضمن كم الأسباب الكثيرة، المفاقمة لمعدل الطلاق في مجتمعنا، لم يكن ينقصنا سوى الاختلاف على تسمية المواليد، ليُضاف كسبب تافه آخر إلى ذلك. فقد صارت محاكمنا تشهد، في الأعوام الأخيرة، حالات طلاق، لأزواج انفصلوا، جراء النزاع على تسمية ولد من الأولاد، مع أن الشرع فصل في هذا، منذ قرون عديدة. وبيّن صاحب الحق في ذلك.
أزمة اسم
التقيت، مؤخرا، بشابة عشرينية، رفقة طفلها ذي ثلاثة الأعوام. جاملتها بكون اسمه جميلا ومعبرا. فتنهدت، وقالت إن هذا الاسم بالذات، كاد يكون سببا في طلاقها. لتسترسل في شرح تفاصيل ذلك: “حينما عرفنا جنس الجنين، في شهره الرابع، طار زوجي فرحا، حين أدرك أنه سيرزق بصبي. واقترح علي في الحين أن نسميه على اسم أخيه، الذي توفي شابا بسرطان الدم. فوافقت على ذلك فورا، خاصة حينما سُعدت حماتي بالفكرة، وأخبرتني أنه سيكون عزيزا كالمرحوم وأكثر. لكن، مع مرور الأيام، وبالنظر إلى الحالة النفسية الصعبة، التي كنت أمر بها، جراء أعراض الوحم، بدأت تراودني بعض الوساوس القهرية، التي كان عقلي الباطن يترجمها على شكل أحلام، أو بالأحرى كوابيس مخيفة، مفادها وملخصها أن طفلي سيموت مثلما مات عمه، إن أطلقنا عليه تسميته، ما أدخلني في حالة هستيرية صعبة، جعلتني أُعرب لزوجي عن رفضي لاقتراحه، على أنني سأطلق على مولودنا اسما مُغايرا. هذا الأمر، أغضبه كثيرا، خاصة حينما دخلت والدته على الخط، وراحت تحرضه ضدي، وتدّعي أن أهلي هم من أوعزوا إلي بذلك. فتفاقم الموضوع، وأخذ حجما أكبر من حجمه، وتدهورت صحتي، وبالأخص، في شهر حملي الأخير. فغادرت منزل الزوجية، مطالبة بالطلاق، الذي شرع زوجي فعلا في إجراءاته، لولا أنني وضعت طفلي في وقت أبكر من وقت الولادة المتوقع. وكان لبهجة رؤيتنا له الأثر البالغ، في تبديد كل الضغائن التي كادت تؤدي إلى انفصالي عن زوجي. والغريب، أنني وافقت على الاسم موضع الخلاف. وحملت مولودي، عائدة إلى عش الزوجية.”
تحاكم إلى المحاكم
والمؤسف، أن مثل تلك الحالات، باتت تزحف نحو محاكم شؤون الأسرة، مثلما تؤكد المحامية “فتحية. س”: “سواء الطلاق أم طلب الخلع. فبين زوجة مُتعدية على حق زوجها في تسمية طفله، وبين زوج مُتعسف في استخدام ذلك الحق، انبثق عامل آخر مساهم في تفكك الأسر الجزائرية، قد يصرحان به، خلال الجلسات، أو يخفيانه لإدراكهما أنه ليس سببا مقنعا للانفصال.”
ومن بين عدة حالات شهدتها، في هذا الشأن، تذكر محدثتنا حالة لزوجين، أراد كل منهما تسمية مولودتهما الأولى على اسم المرحومة والدته. وعبثا حاولا الوصول إلى اتفاق في هذا الشأن، لينتهي الأمر يوم ولادتها بإطلاق الوالدة اسم والدتها على الطفلة. ولكن، لما حمل الزوج أوراق المستشفى إلى مصلحة الحالة المدنية بالبلدية، غيّر اسم البنت، وسجلها على اسم المرحومة أمه، لتقوم القيامة لما عرفت الزوجة بالأمر، الذي اعتبرته خديعة لها. فهجرت منزل الزوجية نحو بيت أهلها. ومع تداخل وتدخل أطراف أخرى في النزاع، من الذين كانوا يصبون البنزين على نار الخلاف، انتهت الأمور إلى المحكمة، التي فصلت بالطلاق.”
صراع على السلطة
ترى أستاذة علم الاجتماع “سعاد. ت”: “أن مثل هذه الخالات، التي تصل المحاكم، بسبب الاختلاف على تسمية المولود، مثلما يبدو في ظاهرها، تخفي في باطنها الخلاف الحقيقي، المتمثل في صراع خفي حول السلطة، وفرض السطوة والسيطرة، الذي يعتبر سببا للكثير من حالات الطلاق. ورغم أن ديننا الحنيف فصل في هذا الجانب، بأن جعل تسمية المولود من حق الأب، فإنه من المستحب شرعا وعرفا كذلك، ألا يتعنّت أو يتعسف الزوج في استعمال ذلك الحق. بإشراك ومشاورة الزوجة فيه. ولا بأس في جبر خاطرها، بترك حق التسمية لها. مادام ليس في ذلك مخالفة شرعية.”