جزائريون يلتجئون لـ”اليوغا”

منذ مرحلة الحجر الصحي الذي فرضته جائحة “كورونا”، وما خلفته من ضغوطات نفسية وقلق حاد، باتت الكثير من الرياضات تستهوي النساء والرجال على حد سواء، فـ”اليوغا”، كممارسة جسدية وعقلية وروحية قديمة، هي الأخرى وجد فيها جزائريون، واغلبهم من الجنس اللطيف، تقنية جد قوية للاسترخاء ولتقوية بنية الجسد.
ما يقارب 300 شخص من أعمار متفاوتة، جاءوا، السبت، باكرا إلى حديقة التجارب الحامة بالعاصمة، لممارسة “اليوغا”، ومشاركة سفارة الهند في احتفالها بهذه الرياضة، في يومها العالمي، حيث نظمت جلسة يوغا إرشادية دامت ساعة واحدة تقريبا، اعتمدت على بروتوكول مشترك، تحت إشراف مدربين يتميزون بمهارة عالية مثل المدربة حياة حملاوي، وعايدة مرابط.
حياة حملاوي: اليوغا تقنية تعطي الاهتمام لطرق التنفس والاسترخاء
وانضم إلى الجلسة بعض المهتمين بـ”اليوغا”، والمتابعين لجلساتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكذا رعايا من جنسية هندية، وبعض الدبلوماسيين، وفي مقدمتهم سفير دولة الهند الذي أكد أن حديقة التجارب الحامة مكان مناسب جدا لممارسة هذه الرياضة، خاصة أن هناك طبيعة خلابة، ومنظرا جميلا يتربع عليه مقام الشهيد.
لحظات من الراحة النفسية في حضن الطبيعة
وشاركت جريدة “الشروق”، في هذه الجلسة التي جمعت بين الجسد والوعي، والتأمل، والاسترخاء الروحي، حيث كشف لنا بعض المشاركين عقب انتهاء الجلسة، عن تجربتهم مع “اليوغا”، وكانت الفنانة والممثلة الجزائرية سهى ولهي، واحدة من هؤلاء الذين عبروا بكل حماسة عن حبهم وشغفهم بممارسة “اليوغا”.
وقالت سهى ولهي، إنها تنتظر مثل هذه النشاطات بكل اهتمام، وكانت مستعدة لأن تشارك في الاحتفال باليوم العالمي لليوغا، حيث ترى أن هذه الرياضة هي نقاء داخلي وخارجي للإنسان، موضحة أن عقل الإنسان هو مسكنه الدائم، وأن “اليوغا”، لديها بعض التقنيات تعطي أهمية للعقل الباطني والجسد.
وأكدت سهى ولهي، أن هناك ضغوطات كبيرة في المجتمع وإن نمط الحياة، والاكتظاظ والزحمة في المدن الكبرى، تجعل من كل إنسان يبحث عن تطبيقات رياضة “اليوغا”، وخاصة تلك المتعلقة بطريقة التنفس الصحيح والاسترخاء.
عايدة مرابط: عمال وموظفون يتخذونها علاجا
ومن جهتها، قالت السيدة ليديا، وهي عاشقة “اليوغا”، إن اهتمامها بممارسة “اليوغا” في المنزل بدأ منذ مرحلة الحجر الصحي للوقاية من انتشار كورونا، موضحة أنها كانت ولا تزال تعتمد على “اليوتوب”، لتتبع جلسات إرشادية وتقنيات مختلفة خاصة بممارسة هذه الرياضة.
وأشارت في سياق حديثها، إلى أن لديها الكثير من الصديقات والمقربات يمارسن “اليوغا” في المنزل، بهدف الحصول على راحة نفسية وجسدية، وكسر الروتين والملل، ولتهدئة الأعصاب ومواجهة القلق والتوتر.
وترى أن مواقع التواصل الاجتماعي، ساهمت بشكل ايجابي في متابعة جلسات “اليوغا” التي يقدمها بعض المدربين عبر مناطق واسعة من العالم، وبعض هؤلاء يملكون خبرات ولديهم شهرة عالمية.
اليوغا.. تطرد السموم من الجسد وتزوده بالأوكسجين
وبدورها أكدت المدربة، حياة حملاوي، أن هناك ثقافة تكاد تكون غائبة في المجتمع الجزائري، حول طرق التنفس، وأهمية استنشاق الهواء الجميل بنفس طويلة، فتمارين “اليوغا”، حسبها، طريقة جيدة لتقليل القلق والتوتر، وتجديد الجهاز العصبي، موضحة أن هناك تقنيات يمكن من خلالها ملء الجسد بالأوكسجين، وتخليصه من السموم.
وقالت إنها بدأت التدريب منذ 2016، بعد حصولها على شهادة من دولة الهند، ومعرفتها لـ”اليوغا”، إذ أنها لاحظت منذ السنوات الأخيرة، أنها رياضة تستهوي فئة واسعة من الجزائريين، لكن اغلبهم من النساء.
وتأسفت لوجود ما أسمته بـ”الخوف” من “اليوغا”، كونها ترتبط بثقافة غير الثقافة الجزائرية، لكن يمكن القول حسبها، إن هناك “يوغا” جزائرية بدأت تستشري في مجتمعنا، مشيرة إلى أن هناك يوغا الضحك، وأخرى للتأمل والحركات الجسدية، والاسترخاء.
النساء في الجزائر الأكثر إقبالا على اليوغا
ومن جهتها، أفادت المدربة عايدة مرابط، صاحبة مؤسسة لترقية الحياة والصحة النفسية “باور أرموني صوليشن”، أن بداية اهتمامها بـ”اليوغا” بدأ منذ 2020، أي المرحلة التي شهدت ضغوطا نفسية وقلقا جراء الحجر الصحي، حيث سافرت بعدها إلى الهند وحصلت على شهادة مدربة في “اليوغا”.
وأكدت أنها منذ أن فتحت مؤسستها الكائن مقرها بالمحمدية بالحراش، قدمت جلسات لممارسة “اليوغا” لحوالي 2000 شخص، النسبة الأكبر للنساء، وقد زارت عدة ولايات، من اجل تقديم هذه الجلسات لبعض العمال والموظفين والمسؤولين التابعين لعدة شركات في وهران وقسنطينة وتلمسان وتيميمون، وغيرها من الولايات الجزائرية، موضحة أن هناك اهتماما متزايدا برياضة “اليوغا”، وقالت إن بعض المؤسسات والشركات الجزائرية، تطلب مدربين في “اليوغا” وهي من بينهم، وهذا لتقليل الضغط النفسي والتوتر عن فئة من العمال والموظفين، قائلة إن “اليوغا” ليست فقط مطلوبة لتحسين الجهاز العصبي، أو الحالة النفسية للموظف، لكن هناك بعض الورشات في الصحراء لبعض الشركات، تنظم جلسات “يوغا” ليستفيد بعض عمالها من تقوية مناطق في الجسد كالظهر، حيث يمارسون جهدا عضليا يضغط على بعض مناطق أجسادهم.
وأكدت محدثتنا أن بعض مصالح أمراض النساء والولادة، تستنجد بالمدربين في “اليوغا”، لتقديم جلسات للحوامل، موضحة أن المشكل اليوم، يتعلق بعدم وجود تاطير لممارسة “اليوغا”، وأنه رغم الاهتمام المتزايد بها، إلا أن ذلك اقتصر على ارتفاع عدد المدربين من دون ممارسة من فئة ترغب في التخلص من الضغوط النفسية وتجديد الجهاز العصبي.
وفي السياق، قالت مديرة حديقة التجارب الحامة، كنزة بن مني، لـ”الشروق”، إن هناك تنسيقا مسبقا لتنظيم جلسات “اليوغا”، مع سفارة الهند، خاصة في اليوم العالمي لهذه الرياضة، إذ أن المساحات الخضراء لها أهمية بالغة في الراحة النفسية، كما أن هناك فرصة حسبها، للتحدث عن فضاء الحديقة المفتوح للزوار.
وأكدت أن على الجميع أن يعي دور مثل هذه الحدائق في علاج مشاكل القلق والتوتر، وتحقيق الراحة النفسية، إذ أنها لاحظت أن بعض العائلات الجزائرية تزور حديقة الحامة في العطلة الصيفية كباقي العطل.
وكشفت بالمناسبة، عن تسطير برنامج خاص بالعطلة، لزيارة حديقة الحامة، والاستمتاع ببعض النشاطات المختلفة، وقالت إن حوالي مليونين ونصف مليون زائر استقبلتهم الحديقة خلال 2024.
وتصطدم ممارسة “اليوغا” في العديد من البلدان الإسلامية بالمعتقد الديني والثقافة الإسلامية، باعتبارها نابعة من طقوس هندوسية قديمة، تتعارض مع التوحيد، ما أدى إلى تحريمها من طرف العديد من المشايخ، غير أن ممارسي “اليوغا” من المسلمين يؤكدون فوائدها الجسدية والنفسية كبيرة، ويشددون أن نيتهم من ممارستها لا تتعلق بأبعاد دينية، بل لفوائدها الجسدية كتنشيط الدورة الدموية، وتحفيز عمل الدماغ، وزيادة سعة الرئتين، وزيادة مرونة المفاصل والعمود الفقري وغيرها من التأثيرات الإيجابية على الجسم..
للإشارة فإن “اليوغا” تعتبر ممارسة جسدية وعقلية وروحية، نشأت في الهند، وهي مشتقة من اللغة “السنسكريتية”، وتعني الانضمام والإتحاد، حيث تمارس اليوم بأشكال مختلفة عبر العالم وتستمر شعبيتها عبر عدة دول من بينها الجزائر.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت يوم 11 ديسمبر 2014، بأن تاريخ 21 جوان، يوما عالميا لـ”اليوغا”.