-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جمع غنيمة حرب لم تنته!

جمع غنيمة حرب لم تنته!
ح.م

الأرقام التي تتفضَّل بها وزارة الصحة يوميا حول مؤشرات وباء كورونا في الجزائر وفي مختلف الولايات، تؤكد تراجع الوباء وانحساره، ليس بسبب التزام المواطنين بإجراءات التباعد الاجتماعي والالتزام بارتداء الكمامة، ولا بسبب البرنامج “الصارم” الذي قدمّه المشرفون على المنظومة الصحية في الجزائر، وإنما بسبب طبيعة الفيروسات التي تعيش مثل البراكين، تخمد تارة كما هو الحال عندنا الآن، وتثور أخرى، كما هو الحال في كندا والنمسا والهند وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول، التي عادت إليها الجائحة تعصف وترعد إصابة وموتا، ومع ذلك لا يوجد ما يبرّر حالة النشوة بالانتصار على الوباء التي صارت تُرى في أعين المواطنين ويُترجمها أداء العديد من الهيئات، وكأننا حققنا الانتصار على الفيروس القاتل، فجمع ما تبقى من جنوده وفرّ هاربا، فباشر عامة الناس الاحتفال بالانتصار وجمع الغنيمة قبل أن تنتهي الحرب، وربما قبل أن تبدأ أصلا.

حالة اللامبالاة التي يتّصف بها عامة الناس في الفترة الأخيرة، وعدم تطبيق الردع أو حتى تقديم النصيحة وغياب الجمعيات التي كانت تبرق بين الحين والآخر بعض الكمامات والإرشادات لتفادي الخطر، يُنذر بعودة موجة أخرى تعيد الأرقام إلى ما كانت عليه قبل شهر أوت، عندما كان الناس ينامون على زمارات سيارات الإسعاف وهي تنقل الموتى وليس المصابين، لأجل دفنهم من دون تشييع عائلي ولا تعاز.

وقد بيّن التاريخ الوجيز لفيروس كورونا في الجزائر، أنَّ المواطنين بمجرد أن يُفتح أمامهم أي مجال كان معنيا بالغلق بسبب الوباء، حتى يقتحمونه كما في زمن ما قبل كورونا، وليس ضمن إجراءات صارمة وتعايش جديد مع الوباء يتطلبها هذا المنعرج الحاسم، لتفادي مزيد من الدموع والأحزان.

الصراع الذاتي بين مقاومة الفيروس ومنع تقدُّمه، وبين جرّه إلى الأبدان وإيقاعه في فخ مناعة القطيع، صار واضحا للعيان في الكثير من البلدان التي أعلنت حظر التجوال على كبار السن والمرضى المزمنين وواجهت المرض بشبابها من أجل كسب المعركة بالطريقة الكلاسيكية القديمة، التي كانت تمارسها الشعوب منذ قرون مُجبَرة وليست مخيَّرة، من خلال كسب المناعة بالإصابة وليس بالقضاء على الفيروس بالحجر أو العلاج أو التلقيح، وهي تعوّل في ذلك على منظومتها الصحية القوية التي تمتلك فيها خارطة وجداول شاملة عن كل المصابين بالأمراض المزمنة، كما تمتلك الإمكانات لعزل كبار السن عن بقية الشعب إلى أن يتمّ القضاء النهائي على الوباء، بينما مازلنا نفتقد إحصاءً دقيقا أو حتى تقريبيا، عن عدد المصابين بأمراض الضغط الدموي أو السكري، ودُورا نحفظ فيها المسنين، بل إن غالبية الجزائريين لا يعلمون شيئا عن حالتهم الصحية ولا يزورون الطبيب أبدا.

أبانت شهور كورونا المحزنة بأننا لا نمتلك الإمكانات لأجل مواجهة الوباء، وأبانت بأننا نفتقد ثقافة التعامل مع الأمراض، ولا خيار لنا سوى استرجاع الوعي لأجل الالتزام بالتدابير الوقائية لتفادي ضياع دخول اجتماعي، سيكون وخيما جدا اجتماعيا ومعنويا وماديا ونفسيا إن حدث.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ابن الجبل

    ما دمنا لا نملك ثقافة التعامل مع كورونا ،وغياب الامكانيات التي تسمح لنا بالقضاء على هذا الوباء .. ومع ذلك لم ينتشر هذا المرض في بلادنا مثلما انتشر في بلدان عدة . لذلك نردد قول اللــــه تعالى :" قل بفضل الله وبرحمته....." ونحمد الله !.