-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جمهورية الفساد..!

جمهورية الفساد..!
ح.م

 تسرّب إلينا أن الدستور الجديد المرتقب سيعتمد تسمية “الجمهورية الجزائرية”، عوضا عن الشعار التاريخي القديم المتبوع بعنوان “الديمقراطية الشعبية”، باعتباره تعبيرًا عن مرحلة عدم الانحياز المرتبطة بحقبة الحرب الباردة والثنائية القطبيّة، ولم يعد مبررا التشبّث به اليوم.

لكن ما نريده في الواقع هو أن ننتقل بالإصلاح الدستوري والسياسي من “جمهورية الفساد” إلى دولة القانون، لأنّ الوقائع المدهشة التي كشفت عنها سلسلة المحاكمات الأخيرة أثبتت أنّنا كنّا نعيش فعلا تحت سلطة مافيا ماليّة، جعلت البلاد بكل خيراتها وثرواتها ملكية خاصة تتصرف فيها تصرف الورثة المُفلسين في مال والدهم الراحل.

إنّ الفساد الذي استشرى في الجزائر مع البحبوحة المالية لم يكن حوادث معزولة، ولا حالات في قطاعات محددة أو مستويات معينة، بل هو سرطان خبيث نخر جسد الدولة بكل هياكلها والمجتمع في عموم فئاته، حتى صحّ وصف “عشرينيّة الفساد” على هذه الفترة السيئة الذكر، التي انتقلت خلالها اللصوصيّة من كبار المسؤولين إلى صغارهم، بل بلغ النهب إلى أبسط موظف في مواقع مهنيّة لا علاقة لها بالإدارة والتسيير، لأنّ السلوك الفاسد للقيادة ينتقل بالعدوى إلى تصرّفات المواطنين، طالما صار حاميها هو حراميها.

إن الوقائع المادية لتبديد المال العام التي صُدم بها الرأي العام مؤخرا لم تكن مفاجئة في حقيقة الأمر، بل كانت حديثَ الصالونات منذ سنوات في كل مكان، ولكن الإرادة السياسية عطلت العدالة وكبَّلت القضاء عن ملاحقة الفاسدين، بدليل أنّ كافة الملفات تمّ إخراجها من الأدراج المقفلة في لمح البصر بمجرد سقوط العصابة، التي جعلت الفساد مملكة محصنّة في أعلى المستويات، يمارسه المؤتمنون على شؤون العباد رفقة عائلاتهم وذويهم وشركائهم في الجريمة، وتحميه الأجهزة الرسمية المخوَّلة في الأصل بحماية أملاك الدولة.

لقد فضحت محاكمة المفسدين في أرض الشهداء أكذوبة الإصلاح التشريعي، التي ضحك بها العهدُ السابق على أذقان الجزائريين، فقد زعموا أنّ الجزائر بفضل “الحكم الرشيد” وضعت ترسانة من أحسن النظم القانونية في العالم لمكافحة الفساد، واستحدثت هيئاتٍ قوية لمطاردة أصحابه، بينما أنكروا حقائق التقارير الدولية التي رفعت بلادنا على رأس الدول الفاسدة التي تتصاعد فيها مؤشرات الفساد، مقابل تضاؤل معايير الشفافية الاقتصادية، وغياب شروط مناخ الاستثمار الوطني والأجنبي.

اليوم تُثبت الأحداث للأسف أن الجزائريين عاشوا أكذوبة القرن متدثرة بلبوس المصالحة وجزائر العزة والكرامة واستعادة الهيبة الدوليّة، بينما تصدّق الوقائع كل ما أوردته تقاريرُ تلك المؤسسات المختصّة في حق بلادهم المغدور بها.

لا شكّ في أنّ الخدعة لن تتوقف عند إصلاح العدالة والقوانين المعطَّلة التي لم تمنع استفحال الفساد حتى ابتلع الدولة، بل إنها ممتدة إلى كافة القطاعات التي حرص مسؤولوها المتعاقبون على التسويق السياسي لمنجزاتهم الوهمية باسم الإصلاح، غير أنها في واقع الحال لن تكون أحسن حالا من إصلاح القضاء الذي نستيقظ اليوم على فواجع تحييده من العصابة.

إن أخطر القطاعات الحسَّاسة التي تضرَّرت برأي المتابعين خلال العهد البائد من شعار الإصلاح الزائف هي التربية الوطنية والتعليم العالي، باعتبارهما حجر الأساس في بناء الإنسان وصناعة التنمية، وقد حان الوقت لمراجعة الأخطاء الجسيمة في حق الأجيال وتصويب الهفوات التطبيقية.

وإذا كان الانتقال نحو نظام “LMD” في التعليم الجامعي مسوغا من حيث المبدأ بحسب المهتمين، فإنّ العقبات الميدانية الكثيرة التي رافقت تطبيقه خلال 15 سنة الماضية تقتضي تقييما شاملا وموضوعيا للاستدراك، أما إصلاحات لجنة علي بن زاغو، التي تولت نورية بن غبريط تنفيذ العالق منها من عهد الوزير أبو بكر بن بوزيد، فهي في حاجة إلى مراجعة جذرية، لأنها إصلاحاتٌ أيديولوجية ملغمة ولا يثق الجزائريون أبدا في النزاهة العلمية والأخلاقية للمشرفين عليها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • نمام

    منذ الاستقلال الى اليوم لم نتافهم في اختيار حكم برلماني رئاسي و لا نعتبر و لا نقرا التاريخ ماليزيا استقلت 1957وجاء طبيب جراح ماذا فعل لتصبح صناعتها على رقوقنا طبعا نذكرغادر 2003تخطيط ورسم مراحل و الاوليات فكانت النتيجة و نحن ما زلنا على اعتاب الضرحة و الزوايا يتبرك بهم كل رئيس لقد اجرم النظام السابق في حقنا الدول تستقدم العلماء و نحن المغنيون لن يغفر التاريخ ما فعلوا بنا عشرون عاما استقرار و تدفق الاموال ورخاء و من لم يغتني في عهد بوتفليقة لن يغتني ابدا طبعا حيتان اكلت كل شئ انتشر الفساد انحطت الاخلاق انعدمت الثقة و القدوة اللامبالاة اللامسؤولية على ما يرام دولة لا تسيربتعليمات فخامته,,

  • ابن الجبل

    بل نسميها : " جمهورية كورونا"..!!