-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جنوب إفريقيا.. الشقيق الذي لم تلده الأمة

جنوب إفريقيا.. الشقيق الذي لم تلده الأمة

يُبهج القلب، أن نجد في العالم بلدانا مازالت تتنفس قِيما ومواقف، بعد أن بيعت الأخلاق الدولية في سوق النخاسة، تقول كلمتها غير آبهة بعربدة بقية الأمم، التي اصطفت مثل النعاج خلف فرعون العصر الحديث، تقول ما يقول وترضى بما يفعل، بالرغم من أن كل أقواله وكل أفعاله هي حضيض الظلم والجبروت.
هي بلاد هناك في أقصى جنوب القارة السمراء، تمكّنت منذ أن انتصرت على أوسخ استعمار، من أن تبني لنفسها وطنا فاضلا، يميل حيث مال الحق، تمدّ يدها للمظلومين، ليس بهرجة بالقلب ولا بالقول، وإنما بالفعل، كما حدث في جرّها للكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية.
بارك الجزائريون بكثير من الترحاب زيارة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، وثمّنوا بكثير من التقدير، إلقاءه خطابا أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه، وفي الذاكرة زعيم النضال الراحل نيلسون مانديلا.
رفعت جنوب إفريقيا خلال العدوان على غزة سقف تحدي الظالمين إلى القمة، وأخجلت المطبّعين الذين عجزوا عن التعبير عن مشاعر شعوبهم، وحاصرت الكيان الصهيوني في زاوية ضيقة من القوانين الدولية، وقدّمت نموذجا لبلاد لا مثيل لها في هذا الزمن الأغبر، وسيبقى موقفُها من قضية الصحراء الغربية دعما لشعب مظلوم وكشفا لمخزن مقبور، تاريخيًّا، منذ أن قال مانديلا كلمة حق في حضرة عالم ظالم، وسار على نهجه شعبٌ وحكومات متتالية، تمكّنت من القفز بالبلاد إلى مصاف البلدان المتطورة التي تنافس في كثير من القطاعات الهامة والسيادية، بلدانا أوروبية كبيرة.
بنت جنوب إفريقيا نفسها من القيم التي آمن بها ملهمها مانديلا، ولكن الفرق بين ثورتها الإنمائية والثورات الأوروبية، أن جنوب إفريقيا كلما حقّقت خطوة إلى الأمام، تشبّثت أكثر بمبادئها، ولم يحدث وأن أنستها المادة روحها وقيمها.
لقد كان مانديلا يقول: “لا تحكموا عليّ من خلال نجاحاتي، بل من خلال المرات التي سقطت فيها ووقفت مجددا”، وهاهي جنوب إفريقيا تتفادى السقوط في الوحل العالمي، وتقف دائما وأبدا مع الحق.
وكان مانديلا يقول: “تولَّ القيادة من الخلف، واترك الآخرين يصدِّقون أنهم في المقدِّمة”، وهاهي بلاده تقود من الخلف وفي صمت منابر الحق على قلّتها في هذا العالم، مقدِّمة نموذجا ناصعا للقيادة الحقيقية، التي تجلت في المرافعات الراقية التي عرّت الكيان المعتدي والدول الداعمة له في لاهاي.
وكان مانديلا ينصح أتباعه قائلا: “لا تقبل بحياةٍ أقلّ من تلك التي يمكنك أن تعيشها”، وسار على نصيحته شعبُ جنوب إفريقيا الذي ما عاد يرضى بأقلّ من الممكن.
موقف جنوب إفريقيا يجعلنا نشعر بأنها الأخ الذي لم تلده الأم، وهي فعلا بلادٌ شقيقة لم تلدها الأمة المترامية من الخليج إلى المحيط، تتابع في صمت إبادة أبنائها وإخوانها في فلسطين ولبنان وربما سوريا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!