-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جنّة الدّنيا والآخرة في طاعة الله

سلطان بركاني
  • 789
  • 4
جنّة الدّنيا والآخرة في طاعة الله
ح.م

أسبوع يمر عن رحيل شهر الإحسان. لا يزال أحباب رمضان على العهد باقين، وعلى الطّاعات محافظين. لا يزالون يجدون طعم رمضان في أرواحهم، وهم يصومون الستّ من شوّال، ويصلّون في وقت السّحر ويستغفرون، ويحافظون على الفرائض والضّحى والرواتب.. لا تزال أناملهم تقلّب أوراق مصاحفهم، وألسنتُهم تردّد الأذكار وتدعو الله بالثّبات على الطّاعات حتى الممات.. بينما في الجانب الآخر عباد مسلمون، طووا برامج رمضان، وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل شهر التّوبة والغفران، من تأخير للصّلوات وإهمالٍ للمصاحف وهجرٍ القرآن.

شتّان بين هؤلاء وأولئك، لكن ما دام لا أحد يضمن عاقبته أويأمن خاتمته، فإنّ الجميع مدعوون لمراجعة علاقتهم بطاعة المولى سبحانه.. ينبغي لنا جميعا أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة، ونسأل: إلى متى ونحن ننظر إلى العبادات والطّاعات على أنّها تكاليف مرهقة، نؤدّيها كمن يؤدّي دَينا أثقل كاهله؟.. إنّنا ما ننسى رمضان في الأيام الأولى من شوّال، ولا نتنكّر لضيفنا الغالي في الأسبوع الأوّل بعد رحيله، ولا ننقض عهدنا، وننسلخ من توبتنا، ونخلع ثياب العبودية، لنعود إلى حياة الغفلة والتّفريط، أياما قليلة بعد رحيل رمضان؛ إلا لأنّنا ما أحسنّا التّعامل مع طاعة الله.

العبودية لله ليست ديونا تؤدّى، إنّما هي حياة وسعادة وراحة، والغنيّ –سبحانه- ما فرض علينا طاعته وأوجب علينا عبادته، إلا لتأنسأرواحنا وتطمئنّ قلوبنا، ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب))، ولهذا قال أحد الصّالحين: “من ظن أنّ السّعادة في غير طاعة الله، فقد أساء الظنّ بالله”.. وكما أنّ أجسادنا لا تستغني عن الطّعام والشّراب، فكذلك أرواحنا وقلوبنا لا تستغني عن طاعة الله، وإلاّ اعترتها الهموم والغموم وعشعشت فيها الأحزان، ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)).

ما دامت طاعة الله هي زاد القلب والرّوح ومددهما، فمِن غير المعقول أن تختصّ بيوم من الأيام أو بشهر من الشهور، بل تبقى مع العبد في أيامه وشهوره وسِنِي عمره، إلى آخر رمق من حياته؛ فيرحل عن هذه الدّنيا وكلمة التوحيد “لا إله إلا الله” تحرّك لسانه وشفتيه؛ دخلوا على رجل من السّلف في ساعاته الأخيرة وهو يصلي فقيل له في ذلك، فقال: “الآن تطوى صحيفتي فأحبّ أن أختمها بالصّلاة”.. تأمّلْها جيدا -أخيّ المؤمن- يا من بدأت تتثاقل في صلاتك، وهجرت مصحفك؛ يقول: الآن تطوى صحيفتي وأحبّ أن أختمها بالصّلاة.. لله درّها من نفس، يصلّي في آخر ساعة له في هذه الحياة!

هكذا كانت حال عباد الله الصالحين مع العبودية لله الواحد الأحد؛ كانوا لا يطلبون منها الراحة، لأنّها سلوى نفوسهم وبهجة قلوبهم وأنس أرواحهم، بل هي جنّتهم التي لا يستغنون عنها.. فإذا رُمت -أخي المؤمن- أن تدوم لك الرّاحة التي وجدتها في رمضان، فدُم لله على ما كنت عليه في شهر التّوبة والغفران، واحذر أن تتحوّل عمّا يحبّه الله إلى ما يبغضه، فيحوّل حياتك عمّا تحبّ إلى ما تكره. في بعض الآثار أنّ الربّ تبارك وتعالى قال: “وعزّتي وجلالي، لا يكون عبد من عبيدي على ما أحبّ، ثمّ ينتقل عنه إلى ما أكره، إلاّ انتقلت له ممّا يحبّ إلى ما يكره، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره، فينتقل عنه إلى ما أحبّ، إلا انتقلت له ممّا يكره إلى ما يحبّ”.. إذا بدأ الهمّ يتسلّل إلى نفسك والضّيق يعتري قلبك والأحزان تلفّ روحك، فاعلم أنّك أُتِيت من نفسك التي سوّلت لك الانتقال عمّا يحبّه الله إلى ما يكرهه، وأنْستْك سجّادتك ومصحفك.. فعُد إلى ما يرضي مولاك الحنّان، ليعود لك إلى ما يُسعدك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • محمد☪Mohamed

    نكملها
    وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

  • محمد☪Mohamed

    تريد أن تقول جنّة الدّنيا طاعت FLN لكثير من الناس و جنّة الآخرة هي طاعة الله في الدّنيا لبعض منا.
    وذليل
    ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا )

  • الجزائر الحبيبة

    ان الذكرى تنفع المؤمنين.بارك الله في عمرك..اللهم جدد الايمان في قلوبنا.

  • المذنب الفقير لله

    السلام عليكم ارج منكم ان تذكروا المسلمين بالحديث : من لزم بيته وقت
    الطاعون ...…...…....... فله أجر شهيد و إن لم يمت" و شكرا.