-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جيشٌ دستوري يرفض عسْكرة السياسة

حبيب راشدين
  • 1725
  • 5
جيشٌ دستوري يرفض عسْكرة السياسة
أرشيف

عندما يرطن خطاب أقطاب المشهد السياسي بالدعوة بإلحاف إلى تدخل مؤسسة الجيش لتعطيل مسار مؤسساتي قائم، بعبارات هي أقرب إلى تدبير الانقلاب على المؤسسات الدستورية، ويأتينا الجواب من المؤسسة على لسان قائد أركان الجيش يناشد الجميع “عدم إقحام الجيش الوطني الشعبي في المتاهات الحزبية والسياسية”، فلا بد أن نعيد النظر في تقديرات سابقة لمحتوى وأنصار بناء الدولة المدنية، التي هي الأفق الأول لأي مسار ديموقراطي، وأن نميز الخبيث من الطيب من بين حمَلة راياتها الكاذبة.
في قراءة أولية لتصريح قائد أركان الجيش أمام جمع من أشبال الأمة، قد نتوقف عند الوجه الظاهر منها، وهو الرد على دعوات باتت ملحة من بعض أقطاب المعارضة تطالب المؤسسة بخلق ظروف مرحلة انتقالية، جاءت بعدة صيغ: تنشيط المادة 102 التي تشبه الانقلاب الأبيض، ورعاية مرحلة انتقالية تمر حتما عبر تعطيل استحقاق 2019 تكون أقرب من الصيغة المبتكرة عقب توقيف تشريعيات1991، أو رعاية انقلاب دستوري واسع يطيح بالدستور الحالي ومؤسساته عبر الدعوة إلى مجلس تأسيسي يعيد بناء مؤسسات الدولة، وكلها مسارات تشترط قيادة مباشِرة من الجيش تعيده بلا شك إلى الواجهة.
غير أن تصريح قائد الأركان ذهب أبعد من ذلك، بتوجيه درس في السياسة لأقطاب المشهد السياسي حُكم عليهم فيه بالفشل في تدبير “كسب ثقة الشعب” بوصفه الجهة التي ينبغي أن تقترب منها الأحزاب السياسية، وتستند إليها لتغيير الواقع، قبل أن ينصحهم بـ”التعامل مع الواقع كما هو ثم التكيف معه” لأن “السياسة ـ كما قال ـ هي القدرة على التكيف مع مقتضيات الواقع، والقدرة هنا تعني حُسن التعامل مع مقتضيات المصلحة الوطنية ومتطلبات تحقيقها”.
وبعد فك تشفير الرسالة يفترض أن نقرأ بيسر في عبارة “القدرة على التكيف مع مقتضيات الواقع” أن قائد الأركان يقرُّ للمعارضة بوجود “واقع صعب”، وربما “حالة انسداد” يمكن التعامل معها تحت سقف الدستور وواجب “رعاية المصلحة الوطنية” التي تستبعد الأخذ بواحدة من الصيغ التي اقترحتها المعارضة، وأنه إذا كانت ظروف البلد تقتضي القبول بعهدة خامسة، فإنه بوسع المعارضة “التكيف” مع هذا الواقع، ومحاولة مواجهته عبر المسار الوحيد المتاح، بالدخول في منافسة تعوِّل على “القدرة على كسب ثقة الشعب”.
وفي كل الأحوال، يقول رئيس الأركان في رسالة موجهة للداخل والخارج: “فإن الجيش يرفض أي شكل من أشكال الوصاية لأنه “جيش كل الجزائريين” وهو “جيشٌ يعرف حدود ونطاق مهامه الدستورية”، وبهذه الصفة لا يكتفي فقط برفض مثل هذه الدعوات التي تراوده على الخروج من “نطاق مهامه الدستورية” بل يعد بالتصدي الصارم “لكل من يسمح لنفسه بتعريض وطن الشهداء للفوضى” فالجيش كما أضاف: “ليس شماعة يضع عليها بعض الفاشلين فشلهم.. وليس الشجرة التي يريد البعض أن يحجب بها غابة عجزه وقصوره.. والجزائر ليست ساحة صراع وسباق لمن هبَّ ودبَّ من أجل صيد الغنائم واقتناص المصالح الذاتية الضيقة”.
نحن أمام موقف واضح ونهائي من قائد أركان الجيش، قد حسم الأمر ليس فقط من جهة الامتناع عن جرِّ المؤسسة إلى مغامرةٍ خارج الدستور، بل يضع حدا للمضاربة حول ما أشيع عن معارضة المؤسسة للعهدة الخامسة، كما يتوعَّد الجميع بالتصدي لأي خيار آخر يلجأ إلى الفوضى كمسار بديل عن المسار الدستوري لتغيير الواقع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • ترمب

    ..جيش دستوري....لايتطابق ولايتماشى..لأن الستور يتغير ويتبدل وفق رغبة(السلطان والرئيس ..طبقا لنزواته وارادته)...فأين نحن من الدستور الذي يتبدل ويتغير ...........

  • أمين محمد

    الذي يستمع إلي كلامك يخيل له أنه في السويد أو الدنمارك و لكن الواقع بعيد كل البعد و المؤسسات غرقت في الفساد والجزئرون فقد الثقة في كل شيئ ..ارجو ان تحترم عقول الناس و انت تعرف كيف يختار الرئيس منذ الاستقلال ...

  • صابر

    كلام جميل لو كنت تتحدث عن دولة غير الجزائر، يا صديقي كلنا نعلم أن الجيش في قلب السياسة

  • صالح بوقدير

    حسب القراءةالمتأنيةلمبادرة مقري وردنائب وزير الدفاع فإن الاول يرى أن المؤسسة العسكرية هي مصدر جميع السلطات حسب الواقع المعيش ولذلك لايمكن أن ينجح أي إصلاح خارجهاوأن الثاني يقر بذلك ويدعو الاحزاب إلى التكيف مع الوضع القائم واجتناب المهاترات والقفز نحو المجهول خصوصا بعد التجارب الفاشلة التي مني بها الربيع العربي.

  • ساسي جاري

    ان الجزائر دولة حرة مستقلة جمهورية ديموقراطية تحترم كل المعتقدات والاديان -يهودية مسيحية اسلام بوذية .....- وكل الاعراق والاجناس -يهود عرب فرنجو اوروبيين اسيوايين افارقة امازيغ .....- بلا احتقار ولا ظلم ولا تمييز عنصري ولا غدر ولا خيانة الجميع متساوون امام القانون والدستور الجمهوري الجزائري
    جيشنا الوطني الشعبي هو الوحيد المسؤول عن امننا القومي ولن يسمح لاي كان ان يحدث فوضي او بلبلبلة من اجل مصالح ضيقة انانية من اجل الكرسي او المنصب
    لن نسمح باستعمال الدين او المتاجرة به -المنافقون كثيرون - او التاريخ الثوري للجزائري
    المجد والخلود لشهدائنا الابرار