حتى لا نتورط في فخ لعبة الأمم…

بدا واضحا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن لعبة الأمم الغربية إنما تجري على حساب بقية الشعوب الأخرى. هناك اتفاق ضمني بين الدول الليبرالية ضد بقية العالم لأجل الاستمرار في استعباده واستغلاله. فهِمَتْ هذه اللعبة دولتان كبيرتان، إلا أن واحدة منهما فقط هي التي مازالت لم تقع بعد في الفخ أي الصين، أما روسيا فقد تم الانتصار عليها في أول جولة بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي، وبعد استعادة عافيتها ها هي اليوم تلجأ إلى أحسن وسيلة للدفاع: الهجوم، من خلال المبادرة بحربها في أوكرانيا.. بقية دول العالم كانت ومازالت وستبقى ضحية، إذا لم تَستبِق ذلك بسياسات مدروسة وتحالفات محسوبة بدقة واستعداد قوي لمثل هذه المخططات.
لم يترك الغرب، بقية العالم، يعيش بسلام لِيقرر مصيره بنفسه بعد أن استعاد استقلاله بتضحيات جسام… شَنَّت الولايات المتحدة في هذه الفترة ما لا يقل عن 14 حربا أو تدخلا عسكريا مباشرا على دول خارج المنظومة الغربية الليبرالية أشهرها في (فيتنام، كوريا، كوبا، الدومينكان، الخليج، كوسوفو، أفغانستان، العراق، ليبيا، غواتيمالا، غرينادا، بنما…الخ)، ودعّمت دكتاتوريات موالية لها (على خلاف زعمها بنشر الديمقراطية)، في أكثر من50 دولة عبر العالم أشهرها (شاه إيران، وبينوشي الشيلي، وماركوس الفلبين، وموبوتو الزائير وسوموزا نيكاراغوا، ونورييغا بنما… وغيرها من الدكتاتوريات المغلفة بغلاف المَلَكية الدستورية أو الجمهورية الديمقراطية…)، كما دعَّمت أكثر من 40 انقلابا عسكريا على رؤساء منتخَبين أو يحظون بتأييد شعبي كبير أمثال (ألندي في تشيلي، ومحمد مصدق في إيران، وعبد الكريم قاسم في العراق سوهارتو في إندونيسيا، ولوممبا في الكونغو …الخ) فضلا عن الانقلابات المُغلَّفة أو خلف الستار. وحَذَتْ حذوها فرنسا في إفريقيا بالتدخل العسكري أحيانا (دول الساحل) ودعم الانقلابات العسكرية الموالية لها في مستعمراتها القديمة أحيانا أخرى، ثم بريطانيا وباقي الدول الغربية التي لم تتردد في أن تكون جزءا من العمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة من خلال الانضمام إلى تحالفات تقودها أو تأييد عملياتها العسكرية وانقلاباتها لتشاركها فيما بعد الغنائم…
ورغم مرور كل هذه العقود بعد الحرب العالمية الثانية، مازالت الأساليب ذاتها تتكرر من قبل ذات الاستعمار التقليدي والحديث. أكثر من 56 نزاعا مسلحا في العالم اليوم، جميعها إذا استثنينا أوكرانيا هي في دول الجنوب الفقيرة، ترعاها وتستفيد منها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نفس مجموعة الدول الغربية، من فلسطين إلى اليمن إلى سوريا إلى دول الساحل إلى الكونغو …الخ. لا تهدأ الحرب في منطقة إلا لِتظهر في أخرى حتى تستمر الشركات العملاقة العالمية في نهب خيرات العالم الثالث وتبقى حكوماتها مهيمنة على بقية العالم بطريقة أو بأخرى.. ويبدو أن هذا الاتجاه سيتصاعد أكثر في السنوات القادمة، حيث باتت واضحة زيادة النفقات العسكرية إلى مستويات قياسية لدى جميع الدول الصناعية الكبرى، وباتت عسكرة السياسة الخارجية عنوانا بارزا للقوى الكبرى وبديلا للدبلوماسية والقانون الدولي، وزاد التلويح باستخدام أفتك الأسلحة ضد من يقاوم هذا الاتجاه إن لم يكن التهديد بالجحيم والترحيل القسري والإبادة الجماعية إذا لم يتم الانصياع، كما هو الحال في غزة وفي كل الأراضي الفلسطينية…
ما العمل في هذه الحال؟ هل الاستسلام هو الحل أم مواصلة معركة التحرير الثانية بأساليب أخرى؟ يبدو أن الاستسلام لن يعني سوى الاستعباد مرة أخرى ولن نرضى به، أما المقاومة فتعني السعي إلى امتلاك كافة الوسائل للدفاع عن النفس، دون الوقوع في فخ الاقتتال البيني أو التحول إلى أدوات ضد بعضنا البعض في أيدي الأقوياء المتسلطين.. حاجتنا الأكبر اليوم هي منع الشقاق بين بعضنا البعض وتعزيز التعاون بين شعوب وحكومات الدول المستضعَفة والخروج التدريجي من دائرة الاستقطاب الدولي، ونصرة الأضعف فالأضعف مِنَّا.. وفي هذه الأيام لا يوجد أضعف من إخواننا في غزة يستغيثون، فلِنشارك في نصرتهم.. إن معركتهم تعنينا بطريقة مباشرة وانتصارهم انتصار لنا على هذا الوحش الغربي الذي لم يتوقف عن التصرف بعنصرية وازدراء تجاه بقية العالم، ولم يتوقف عن اعتبار نفسه سيّدا ينبغي أن ينقاد له الجميع.. معركتنا هي في هذا المستوى وبداية الانتصار فيها يكون بعدم التورط في فخ لعبة هذه الأمم…