-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا يُضرب الريح بعصا!

جمال لعلامي
  • 495
  • 0
حتى لا يُضرب الريح بعصا!
ح.م

إحصاء وجرد المناطق المنسية، عبر الجزائر العميقة، سيكشف المستور، ويفضح سياسة “يا المزوّد على برا واش حالك من الداخل”(..)، والحال، أن هناك مداشر وبلديات، مازالت فعلا تعيش ما قبل الاستقلال، من حيث البؤس والفقر وانعدام التنمية ومظاهر الحضارة التي زوّقت بها الحكومات المتعاقبة الولايات الكبرى، التي تحوّلت إلى ولايات محظوظة!

حكاية “الجزائر الأخرى”، و”المجتمع المستفيد”، كرّست لسنوات طويلة “جريمة” التمييز والمفاضلة بين الجزائريين، ولذلك تنامى النزوح الريفي، وحتى الهروب من مناطق الظل نحو “مناطق الشمس”، وبالتالي كان من الطبيعي أن تتريف الكثير من المدن نتيجة لتحوّلها إلى محضنة للموظفين والتجار والموالين والفلاحين والحرفيين والبطالين!

المشكلة ليس في كلّ هؤلاء الذين فرّوا من مدنهم الأصلية، بحثا عن لقمة العيش، وبحثا عن “الأمن” والطمأنينة خلال عشرية المأساة الوطنية وأخطبوط الإرهاب، وبحثا عن تعليم أبنائهم وإنقاذهم من الانحراف والبطالة و”دعاوي الشرّ”.. المسؤولية إذن، تتحملها تلك الحكومات التي لم تراع التوازن الجهوي، والتوزيع العادل للثروات ومناصب الشغل والسكن والحياة الكريمة!

الكثير من كبار التجار وكبار الفلاحين والموالين، هجروا مناطقهم الأصلية، في عدّة ولايات، هربا من “الحقرة” والتهميش والإقصاء، وتبعا لهذا الواقع المرّ وبحثا عن البديل الجاهز وبأقل الأضرار، اشترى هؤلاء منازل أو شيّدوا مساكنهم في ولايات أخرى، ووطّنوا تجارتهم أو فلاحتهم، بعدما لاحقهم الإفلاس والنسيان في المناطق التي ولدوا وترعرعوا فيها!

المشكلة في الحكومات وسياساتها التي عزلت ملايين الجزائريين، بانعدام التنمية والكهرباء والغاز والماء، وغياب الطرقات وشبكة المواصلات ورداءة التمدرس، وندرة الوظائف، وكثرة المتاعب والمصائب، وبدل أن يتمّ تعمير مناطق الظلّ والربوات المنسية، تمّ تحريض قاطنيها على الفرار نحو جهات أخرى يقطنها الوزراء والنواب وكبار المسؤولين!

المصيبة أن أعضاء الحكومات المتعاقبة، ونواب البرلمان- باستثناء القلة القليلة- نسوا وتناسوا مسقط رؤوسهم، وغيّروا هواتفهم وعناوينهم، ولم يعودوا يذكرون تلك المناطق إلا ضمن ذكرياتهم التي لا يريدون تذكّرها أصلا، حتى “يرتاح الفرطاس من حكان الراس”، وحتى لا يقلبون المواجع على أنفسهم!

لو اهتم المسؤولون والوزراء، كلّ في موقعه وحسب تخصصه، بمناطق الظل، لما انفجرت أزمة سكن مستعصية، ولما تمّ تفريخ أحياء قصديرية في قلب المدن “الراقية”، ولما تمّ قتل الفلاحة وتربية الدواجن والماشية في المناطق الرعوية والسهبية والهضاب، ولما قطنت الأغلبية الساحقة جهات من الوطن مقابل تفريغ جهات أخرى بشكل غريب!

التنمية ومحاربة البؤس والفقر وبناء السكنات والمصانع والمدارس والجامعات والمرافق العمومية والطرقات والمنتزهات، كفيل بإعادة التوازن والعدل إلى التقسيم الإداري والجغرافي، وما عدا ذلك، فإن الأمر يكون كمن يضرب الريح بعصا!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!