حتّى تكون صلاتك جُنّة وجَنّة
هناك حقيقة راسخة ومؤثّرة، يَذهل عنها كثير من المسلمين الذي يتهاونون بصلاتهم، وهي أنّ وقت الصّلاة موعدٌ مهمّ بين المصلّي وبين خالق الأكوان ورازق المخلوقات؛ ليس العبد من يحدّد الموعد، ولا المؤذّن، إنّما الله هو الذي حدّد موعد اللّقاء، فكيف يجرؤ العبد الضّعيف على إخلاف الموعد مع الله الجليل، مع أنّ العبد هو من يحتاج إلى رحمة ربّه وفضله وليس الله -سبحانه-هو من يحتاج إلى العبد وإلى صلاته؟ ﴿يَا أيُّها النَّاسُ أنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلَى اللهِ واللهُ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾.
أخي المسلم، ألا تستحي من الله أن تتهاون بموعد لقائك بمولاك وأنت الذي تحافظ على مواعيد العمل أو مواعيد الدّراسة، وتهتمّ بلقاءاتك مع أصدقائك، بل وتهتمّ بأوقات الطّعام فلا تؤخّرها مهما كانت مشاغلك وظروفك؟! تكون مسافرا وعندما يحين وقت الطّعام تركن سيارتك لتناول وجبة الغداء أو العشاء.. وتكون في عملك فتتركه من يدك لتتناول طعامك في وقته، وهكذا عندما يحين وقت تناول الدواء.. لكن عندما يتعلّق الأمر بالموعد مع الله، تجد لنفسك الأعذار لتُخلف الموعد! هل تعلم -أخي المسلم- أنّ من استهان بأوقات الصلاة وضيّعها، سقط من عين الله، وإذا سقط العبد من عين الله وكله الله إلى نفسه، فضاقت عليه الدّنيا بما رحبت؛ مهما جمع من الأموال ومهما توفّر لديه من المتاع، فإنّ في داخله وحشة وضيقا لا يفارقانه.
لا تُعذّبْ بصلاتك
هل تعلم أخي المسلم أنّ حبيبك وشفيعك المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- جُعلت قرَّة عينه في الصَّلاة، وكان إذا حضر وقتها خاطب بلالا ليؤذن قائلا: “أرحنا بها يا بلال”.. هذا حبيبك الذي تصلّي عليه وتتمنّى أن تشرب من حوضه وتكون في الجنّة قريبا منه، كيف ترجو ذلك وأنت الذي تُعذَّب بصلاتك وتصلّيها متثاقلا متكاسلا؟ هل تعلم -أخي المسلم- يا من تقوم إلى الصّلاة ضجِرا متمايلا، وتجرّ خطاك إلى المسجد يوم الجمعة كأنّك تساق إلى الموت، أنّ الله ذكر من صفات المنافقين الذين يسكنون الدّرك الأسفل من النّار، أنّهم ﴿إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، وأنّهم ﴿لَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾.. هل ترضاها لنفسك -أخي- يا من تظلّ في مكانك أمام التلفاز أو خاشعا أمام الهاتف، حتّى إذا كاد وقت الصّلاة ينقضي قمت إليها لتتخلّص منها وتنقرها نقر الدّيك؟ هل ترضاها لنفسك -أخي- يا من رضخت لنفسك المثقلة فسوّلت لك التأخّر عن صلاة الجمعة إلى آخر لحظات الخطبة، لتصلّي في ساحة المسجد أو في الطّريق، وتنطلق بعدها كأنّما أطلقت من السّجن؟!
ماذا لو كانت وصيةَ أبيك؟
هل تعلم أُخيّ أنّ الصّلاة هي أهمّ ما وصّى به النّبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وهو يفارق هذه الدّنيا، حين قال وهو يودّع النّاس: “الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم”، فأين أنت من هذه الوصية؟ ماذا لو كانت هذه وصية أبيك أو أمّك، هل تتهاون بإنفاذها والعمل بها؟
لا تنس أخي المسلم، وفّقك الله، أنّ الصّلاة هي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله، يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أول مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِه صَلاَتُه، فإن صَلَحَت فَقَدْ أَفْلَح وَأَنْجَح، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ”.. لن يحاسب العبد ببر والديه ولا بإحسانه إلى النّاس، قبل أن يحاسب بصلاته.. ثمّ هل تعلم يا عبد الله أنّ ترك الصّلاة والتّهاونَ بها من أعظم الأسباب الموجبة لدخول النار، يقول الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ*فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر: 38- 43].. يومَ القيامة يُدعى المعرضون الذين كانوا يجدون لأنفسهم الأعذار والمبرّرات لترك الصّلاة وتأخيرها؛ يُدعون إلى السجود بين يدي ربهم؛ فيحاولون ذلك، لكنّهم لا يستطيعون، يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم 42- 43].
صلاتك جنّتك في الدّنيا والآخرة
أخي المؤمن.. يا من وفّقك الله لتكون محافظا على صلاتك، وثبّتك لتصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، لا تضيّع صلاة منها.. يا من تصلّي الفجر في وقتها، صيفا وشتاءً خريفا وربيعا.. هنيئا والله هنيئا لك هذا الفضل العظيم.. احمد الله على توفيقه.. أخلص النية لله، وجدّد عزيمتك، واجعل غايتك بين عينيك أن تكون من أهل الفردوس الأعلى، يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.. هنيئا لك يوم تكون الصّلاة نورا يضيء قبرك، ومؤنسا لك في وحدتك، ويوم تكون نورا لك على الصّراط.. هنيئا لك يوم تدعى إلى الجنّة من باب الصّلاة: يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم من عند الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقول: إني قد فرضت على أُمَّتك خمس صلوات، مَنْ وافى بهن على وضوئهن ومواقيتهن وركوعهن وسجودهن، فإن له عندي بهن عهدًا أن أدخله بهن الجنة”.
هنيئا لك تلك الخطوات العزيزة الغالية التي تقودك كلّ يوم إلى بيت الله؛ يقول حبيبك -صلّى الله عليه وسلّم-: “من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا أو راح”.. هنيئا لك تلك الخطوات المباركة التي تخطوها إلى صلاتي العشاء والفجر، يقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
جاهد نفسك أخي المحافظ على الصلاة لتحبّ الصّلاة وتخشع فيها.. اجتهد في إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام دائما.. حافظ على ركعات من قيام الليل، وحافظ على السّنن الرواتب، وصلّ الضّحى، وتطوّع متى وجدت وقتا للفراغ… لتعيش جنّة الدّنيا والآخرة، لتكون الصّلاة سببا لتفريج همومك وغمومك وأحزانك، وخير معين لك بعد الله على الشّدائد والمصائب والمصاعب: يقول الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45].. لتجد بصلاتك البركة في رزقك؛ في مالك وأولادك: يقول تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ (طه: 132).. لتنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر، وتبغّض إليك الشّهوات المحرّمة، وتحُول بينك وبين إخلاف المواعيد والتهاون بعملك والغشّ في تجارتك، يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45).. حسّن صلاتك وزد فيها ليحفظك الله في أهلك وأبنائك ويصلحهم بك وتسعد بهم في الدنيا والآخرة: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾. كان الإمام سعيد بن المسيّب -رحمه الله- يقول لابنِه: “لأزيدنَّ في صلاتي من أجلك، رجاء أن أُحفظ فيك، ثم يتلو قول الله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}”.
أخي المصلّي.. أيها الأب.. احمد الله على توفيقك للمحافظة على صلاتك، ولا تنس أن تأخذ بيد زوجتك وأبنائك ليكونوا معك على درب المحافظة على الصلاة في الدنيا، ويكونوا معك في الجنّة بإذن الله.. إحدى الأمّهات الصّالحات كانت توقظ أبناءها للصّلاة وتقول لهم: استيقظوا يا أبنائي، إنّنا لا نريد أن نفقد أحدا منّا في الجنّة.
أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- كان يكتب إلى عُمَّالِهِ -أي ولاته- على الأقاليم قائلا: “إِنّ أَهمَّ أَمْرِكُم عِنْدِي الصَّلاَة، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع”.. فقل هذا لأبنائك، قل لهم: “إنّ صلاتكم أهمّ عندي من الدّراسة والوظيفة ومن كلّ شيء، وأقربكم إليّ أكثركم محافظة على صلاته”.
وهكذا أنتِ أيتها الأمّ المحافظة على صلاتها؛ احمدي الله، واجتهدي في أن تزرعي حبّ الصّلاة في قلوب أبنائك.. شجّعيهم وقدّمي لهم الهدايا والجوائز، وكوني قدوة لهم في اهتمامك بالصّلاة ومحافظتك عليها.. لعلّ الله يرزقك صلاحهم في الدنيا والاجتماع بهم في الجنّة، يقول الله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾.