حربٌ عالمية بجيش واحد

الذين قالوا، بعد اشتداد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، إننا على مشارف حرب عالمية ثالثة يختلط فيها الحابل بالنابل، وتتصادم قوى عالمية بينها، وتتغير الخارطة العالمية كما تغيرت غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، الذين تكهّنوا بمثل هذا المصير، جانبوا دقَّة التحليل والاستشراف؛ فقد أكدت الأيام أن ما يعانيه العالم، هو حربٌ من طرف واحد، فيها معتد متجبّر، يفعل ما يريد وفي الزمان والمكان الذي يريد، وضحية واحد يفعلون به ما يريدون ويقدّمونه كمتهم.
ما حدث في سوريا في الأيام الأخيرة ومازال يحدث، من انتهاكات إسرائيلية، وصلت إلى حد التسكُّع بالدبابات على تخوم دمشق، والتوسُّع ضمن منطقة عازلة مؤقتة على الطريقة الإسرائيلية، التي تعني فيها مفردة مؤقتة، دائمة، وقصف المواقع العسكرية والزعم بأنها متخمة بالأسلحة منتهية الصلاحية، تعود إلى العهد البلشفي، هو دليلٌ قاطع، على أن العالم قد انتقل من حياة الغاب، حيث القوي يلتهم الضعيف، إلى حياة الجلّاد، السوط والمشنقة بين يد واحدة، والجسد والعنق لشخص واحد أيضا.
المشكلة ليست في إسرائيل التي لا تعترف منذ عقود بالأمم المتحدة ولا بمحكمة العدل الدولية، وإنما في الصامتين، الذين لا أحد منهم انتقد الفعل، ولا نقول زجر الفاعل، مما يشرح الحضيض الذي بلغته الأخلاق في العالم.
التبريرات التي قدَّمتها الولايات المتحدة الأمريكية للجريمة الصهيونية في سوريا، تبصم على أننا في حرب عالمية ثالثة ولكنها من نوع آخر مختلف عن الحربين العالميتين، اللتين عاش جحيمهما العالم، في عقود سابقة، فكانت حربا من دون توقُّف ومن دون ضوابط ومن دون قوة ثانية تواجه أو على الأقل تدافع عن القيم التي ديست بالأقدام، بطريقة قد تغيِّر معادلة الأخلاق بعد أن غيَّرت السياسة العالمية.
من حظ سوريا، أنها بلاد حضارة، يقطنها شعبٌ راق، ومع ذلك وجب الاحتياط، لأن الذي دخل أرضك وأنت منهَك من سنوات الجمر، واحتلَّ مساحة منه وصال وجال وقصف، لن يتوانى في العدوان عليك مجدّدا إذا ما اشتدَّ عودُك، والذين صمتوا في هذا التوقيت الحرج أمام العدوان، سيصمتون أيضا إذا ما تصاعد العدوان.
لم يكن العالم في تاريخ البشرية الطويل أكثر وضوحا من الآن، فقد صار الشرّير يعلن عن شرّه للناس جميعا، ويباشر ممارسة الشرور، وأحيانا يصوّر ما يقوم به، معتمدا على دعم من شياطين الدنيا، من الذين تلطخت أيديهم بالدماء، ويمكن من دون اجتهاد ملاحظة أنّ كل البلدان المؤيدة لإسرائيل في أفعالها، لها ماض وحاضر أسود، وهو ما يضعنا أمام أمر واقع، هناك من سمّاه العصر الصهيوني الخطير الذي يلتهم من لا يؤيده ولا نقول من يقف على الحياد، ما بالك بمن يعترض طريقه.