حربٌ على العابثين بصحة الصائمين باللحوم والزلابية الفاسدة!

الله أكبر.. الله أكبر.. يرفع آذان المغرب… تتوقف عقارب الساعة.. تخلو الشوارع من مرتاديها.. وتؤجل كل الأمور إلى حين… يجتمع الجزائريون حول مائدة الإفطار مستمتعين بطبق الشربة، وحبات البوراك، بينما يملأ هذا الفراغ أصحاب البذلة الخضراء من رجال الدرك الساهرين عبر جميع ربوع الوطن على الأمن العام، وبحبة تمر وجرعة ماء يفطرون.. واقفون صامدون وأعينهم ساهرة لا تنام، لتأمين البلاد والعباد.. فلا مجال للتقاعس.. يرصدون كل كبيرة وصغيرة.. ويتابعون بحزم تحركات المجرمين والسائقين المناورين المتهورين.. والتجار الموسميين الذين لا ذمة لهم والذين يستغلون هذا الشهر الفضيل للإجهاز على صحة المواطنين بالسلع الفاسدة والقاتلة.
سائقون يحولون أيام وليالي الشهر الفضيل إلى مجالس عزاء وأحزان
توسلات وتبريرات وسرعة جنونية
حجز 26 قنطار موز و2600 كلغ قهوة
“الشروق” رافقت مصالح الدرك بالجزائر العاصمة في مهمة “تأمين رمضانية” ووثقت مشاهد العمل الشاق لهؤلاء طيلة ساعات امتدت إلى غاية بزوغ أولى خيوط الفجر، وتبقى فترات ما قبل موعد الإفطار مثيرة وغريبة في نفس الوقت.. فالطرقات تتحول إلى مضامير لسباقات السرعة.. ساقة يتفنون في القيام بمناورات خطيرة.. والجميع يهرول في كل الاتجاهات كأنه يوم البعث العظيم.. ويتذرعون بـ”دوخة الصيام” ويتسببون بذلك في مجازر رهيبة.. فيما يستغل أصحاب الضمائر الغائبة مواقيت الإفطار لنقل كل شيء ممنوع وخطير وخاصة أطنان من اللحوم الفاسدة. وعندما يقعون في مصيدة رجال الدرك يتحولون إلى ممارسة ادوار التوسل والاستعطاف، لكن سيف القانون يكون دوما صارما أمام إنقاذ آلاف الأرواح من الموت المحتوم… وهو ما سجلناه ونحن في الميدان سواء في الحواجز الأمنية أو نقاط المراقبة التابعة للدرك الوطني.
قاعة العمليات… هنا يتم رصد المتهورين والمجرمين
عقارب الساعة كانت تشير إلى الرابعة مساء عندما وصلنا إلى المجموعة الإقليمية للدرك بالجزائر، وقبل أن ننطلق إلى عملنا الميداني، عرجنا على قاعة العمليات.. القلب النابض لجميع العمليات الدركية والعصب الأساسي في إدارتها.. أصحاب البذلة الخضراء كانوا منشغلين بمراقبة شاشة عملاقة مقسمة إلى عدة أجزاء، وكل شاشة مصغرة تبث على المباشر حركة الطريق والمركبات بمختلف الشوارع والمحاور الكبرى للعاصمة التي تدخل ضمن إقليم اختصاص الدرك الوطني.
وهناك وقفنا على كيفية مراقبة كل شاردة وواردة، ورصد جميع المخالفات المرورية والمناورات الخطيرة للسائقين المتهورين وعشاق السرعة، حيث يتم استقبال جميع الصور والفيديوهات، بواسطة نظام الاستقبال الآني للفيديو، ثم تقوم بدورها بإرسالها عن طريق الألياف البصرية أو حزمة الترددات الهرتزية إلى مركز العمليات بقيادة الدرك الوطني بصفة آنية، من أجل تمكين القيادات المسؤولة على القطاع بمتابعة الأحداث واتخاذ الإجراءات اللازمة والقرارات المناسبة في الوقت المناسب، كما أن غرفة العمليات مزودة بمحطة راديو من أجل ربط الاتصال بأعوان الدرك المتواجدين في الميدان، حيث يقوم المشرف بربط الاتصال بتوجيه عناصر الدرك التابعين للاختصاص في حال رصد تحركات مشبوهة أو وجود سيارة مشبوهة مركونة بطريقة تعرقل حركة المرور.
كما يقوم الدركيون، باستغلال الصور والمقاطع التي ترصدها كاميرات المراقبة، من أجل كشف الجرائم بمختلف أنواعها وكذا تسهيل حركة المرور، فيما يتولى المسؤولون عن القاعة المخصصة لتخزين ومعالجة تسجيلات الفيديو عن مختلف الأحداث التي تخضع لإعادة النظر والتدقيق، لاسيما استخراج الدلائل والقرائن عندما يتعلق الأمر بعمل إجرامي، مثل التعدي على الأشخاص أو السرقات، أو تسجيل مخالفات مرورية من قبل سائقين متهورين، أو أحداث الشغب التي تحدث بعد المقابلات الرياضية والتظاهرات المختلفة.
5 دقائق ليست نهاية العالم
وفي حدود الساعة الخامسة انطلقنا في مهمة عمل برفقة أفراد سلاح الدرك، وكانت وجهتنا مقر سرية أمن الطرقات بالحراش، وفي عين المكان، وقفنا على التعزيزات الأمنية التي تم تسخيرها من طرف المجموعة الإقليمية لدرك الجزائر بمختلف التشكيلات والوحدات والفرق العاملة في الميدان، والتي شدّدت الإجراءات الأمنية بمناسبة شهر رمضان، وهذا بقيادة كل من المقدم عبد القادر بيزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، والنقيب رشيدة عايب، رئيسة خلية الاتصال بالمجموعة الإقليمية لدرك الجزائر، إلى جانب نائب سرية أمن الطرقات الإقليمية الذين رافقونا في الميدان.
“عليكم بالانضباط والصرامة.. فلا مجال للتقاعس.. عليكم بتوخي الحيطة والحذر واحترام حقوق المواطنين وتحسيسهم خاصة فيما يتعلق بالسرعة المفرطة قبيل أذان المغرب”، هذه كانت التعليمات التي أعطاها النقيب من سرية أمن الطرقات لدرك الحراش قبل أن ينطلقوا إلى أول نقطة تتموقع على مرمى حجر من ملعب “نيلسون منديلا” بالمدخل الشرقي الرئيس للعاصمة، وهو حاجز أو بالأحرى نقطة مراقبة للدرك بـ”زميرلي” بالحراش، وفي عين المكان، حضرنا جزءا من عملية تسيير حركة المرور، إلى جانب تفتيش المركبات المشبوهة رافقتها عمليات تحسيسية مكثفة حول النتائج الوخيمة لاستعمال السرعة قبل أن يرفع آذان المغرب تحت شعار “5 دقائق ليس نهاية العالم”.
صلّوا التراويح وتنزهوا واستمتعوا بسهرات رمضان في أمان
انتهت الجولة الميدانية بالضاحية الشرقية، وتوجهنا مباشرة بعد الإفطار نحو الضاحية الغربية للعاصمة.. فسبحان مغير الأحوال، كما يقال، فما كادت أن تمر لحظات على آذان المغرب حتى بدأت الشوارع تعج بالعائلات والمركبات، واكتظت المقاهي والفضاءات والساحات العمومية بالرجال والنساء والأطفال، فيما انطلق المصلون إلى المساجد من أجل أداء صلاة التراويح، وعلى طول طريق الإقليم الغربي للعاصمة توزعت الدوريات وخاصة في الأماكن والساحات التي تعرف حركة وتوافدا للمواطنين، على غرار المساجد وهو ما وقفنا عليه بالمسجد الواقع على مستوى اولاد فايت، أين انتشر أفراد الدرك من أجل تنظيم حركة المرور مع منع الركن العشوائي للسيارات بمحيطه .
وعلى مرمى حجر من مسجد أولاد فايت، تقع “دار الأوبرا” بوعلام بسايح، حيث سجلنا توافد كبيرا للعائلات التي فضلت الاستمتاع بسهرات رمضان على واقع الأغاني الأندلسية والأوركسترا السمفونية الجزائرية وفرقة الباليه الوطنية والأنشطة الترفيهية، فيما فضل البعض تمضية أوقات ممتعة بزرالدة وسطاوالي وسيدي فرج باعتبارها أماكن منتعشة خلال السهرات الرمضانية لما لها من مميزات سياحية تستقبل آلاف السيارات يوميا.
وتحت عبارات “صح صحوركم” تركنا أصحاب البزة الخضراء يواصلون مهامهم في تأمين البلاد والعباد .
تجار بلا ضمير
أكد المقدم عبد القادر بيزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، أن المخطط الأمني الذي وقفنا عليه في عاصمة البلاد، هو نفسه المطبق من طرف مصالح الدرك الوطني عبر جميع ولايات القطر الجزائري، لتأمين مختلف الفضاءات العامة، المناطق الحضرية وشبه الحضرية وكذا شبكة الطرقات ودور العبادة، الواقعة ضمن إقليم الاختصاص، ضمانا للسكينة وتمكين المواطنين من أداء فريضة الصيام في أجواء تسودها السكينة والطمأنينة.
وبلغة الأرقام كشف المقدم بيزيو، أنه في إطار الجهود الرامية لحماية صحة المستهلك خلال شهر رمضان ، تمكنت مصالح الدرك الوطني في الفترة الممتدة من 1 مارس إلى 10 مارس الجاري، من معالجة 15 قضية تم على إثرها حجز قنطار من اللحوم البيضاء، 41.41 قنطارا من أحشاء الدجاج، 31.5 قنطارا من أحشاء البقر والغنم، 183 رأس بقر “بوزلوف”، 855 رأس غنم، 336 كلغ من السمك، 100 كلغ من عجينة معدة لتحضير الزلابية غير صالح للاستهلاك البشري.
وفي إطار مكافحة الممارسات التجارية التدليسية، يضيف الضابط الأمني، فقد تم معالجة 4 قضايا، حيث تم حجز 26.46 قنطارا من فاكهة الموز و283.4 قنطار من مادة تغذية الأنعام والدواجن، 37 قنطارا من الأسمدة الفلاحية، كما عالجت الوحدات قضيتين في المضاربة غير المشروعة، أين تم حجز 2638 كلغ من القهوة، 359 قنطار من القمح اللين “الفرينة”، تم تحرير لأصحابها محاضر وسيتم تقديمهم للجهات القضائية المختصة.
أما في مجال أمن الطرقات، أوضح بيزيو أنه تم تسجيل خلال نفس الفترة أي خلال الـ10 أيام من هذا الشهر الفضيل 156 حادث مرور أسفر عن مقتل 61 شخصا وجرح 279 آخرين.