-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرب الكيان الصهيوني على إيران وضرورة تصحيح المفاهيم!

بقلم: كمال أبوسنة
  • 642
  • 0
حرب الكيان الصهيوني على إيران وضرورة تصحيح المفاهيم!

لا شك في أن كثيرا من المحسوبين على الأمة الإسلامية في الجهة السُّنية لهم حساسية مفرطة من إيران كدولة شيعية تسعى بكل قوة، بعد الثورة الإسلامية التي قادها الخميني ضد نظام الشاه، إلى توسيع نفوذها في العالم الإسلامي وإعادة المشروع الصفوي (1501–1736م) الذي أسَّسه الشاه إسماعيل الصفوي، وهي أول دولة شيعية كبرى تبنّت المذهب الإمامي الإثني عشري كمذهب رسمي للدولة، وقد قامت بإعلان التشيُّع مذهبا إلزاميًّا في إيران، رغم أن الغالبية الساحقة من سكانها حينها كانوا من السنّة.

الغريب أن بعض الجماعات المحسوبة على الفكر السلفي قد فرحت فرحا شديدا بالضربة العسكرية التي قام بها الكيان الصهيوني ضد إيران، ودفعها العداء المذهبي من حيث تشعر أو لا تشعر إلى موالاة العدو الصهيوني الذي لا تختلف الأمة على عداوته وظلمه وتجبّره في المنطقة وقتله عشرات الآلاف من المسلمين في غزة وفلسطين وبعض البلاد الإسلامية!

ومهما يكن من أمر، فإن الثورة الخمينية ذات البعد الديني الشيعي قد رسمت هدفا كبيرا فيما بعد، لم يعد خافيا عن النخبة، وهو ما سماه بعض السياسيين (الهلال الشيعي) والذي من المفترض أن يمتد من طهران إلى بيروت مرورًا ببغداد ودمشق وبعض الدول الخليجية، مما يمكّن لوجود محور سياسي مذهبي يعزز التأثير الإيراني في قلب العالم العربي، ويفرض معادلات جديدة في توازنات القوة الإقليمية.

إن هذا الطموح الإيراني التوسُّعي هو الذي جعل بعض الدول والنُّخب تقف موقفا معاديا لإيران، بل ودفع بعض الدول إلى أن تستعين بأعداء إيران -وهذا الأمر غير مبرَّر- لمواجهتها خاصة بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين الذي كان يمثل السد الفاصل بين إيران وما تطمح إليه من دور سياسي وعسكري واقتصادي في المنطقة، والغريب أن نظام الرئيس صدام كان مدعوما من الغرب وعلى رأسه أمريكا، وأسقطه حلفاء الأمس أنفسهم حين انتهى وقت صلاحيته، فهل يعتبر اللاحق بالسابق؟!

والذي يهمنا في هذا المقال هو التنبيه إلى نقطة مهمة لا بد أن لا يغفل عنها أهل السنة، خاصة المخاصمون الأيديولوجيون لإيران، وهي أن المعركة مع الكيان الصهيوني وخلفه الولايات المتحدة الأمريكية المساند الأكبر له يجب أن لا تُبنى على التفكير القاصر المرتبط بالعداء المذهبي في المراحل الفاصلة التي قد تفرز المعادلات الجديدة في ميدان الحروب والصراعات نتائج سلبية يتأذى منها أهل السنة أولا، إذ أنّ الحرب القائمة بين إيران والكيان الصهيوني ومن يسانده من قريب أو بعيد، بحساب الربح والخسارة، لا يستفيد من هزيمة إيران عسكريا إلا المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، والغريب أن بعض الجماعات المحسوبة على الفكر السلفي قد فرحت فرحا شديدا بالضربة العسكرية التي قام بها الكيان الصهيوني ضد إيران، ودفعها العداء المذهبي من حيث تشعر أو لا تشعر إلى موالاة العدو الصهيوني الذي لا تختلف الأمة على عداوته وظلمه وتجبّره في المنطقة وقتله عشرات الآلاف من المسلمين في غزة وفلسطين وبعض البلاد الإسلامية!

إن خلافنا مع إيران حين تتحوّل إلى دولة شيعية أوّلا وقبل كل شيء قبل أن تكون إسلامية فتُقدّم المذهب وتؤخر أخوّة الإسلام، وتسعى إلى التوسع المذهبي في العالم الإسلامي على حساب أهل السنة في مواقعهم، يجب أن يحصر هذا الخلاف المشروع معها والمبرَّر في هذه الدائرة، ولا يتعداه فيغلق التعاون في المجال السياسي والاقتصادي وحتى العسكري حين تدعو مصلحة الأمة إلى ذلك، خاصة في مواجهة مشروع التوسع الصهيوني في المنطقة العربية الحالم بدولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهذا الفقه أشار القرآن الكريم إلى جزء من ملامحه حين نشب الصراع الحضاري بين قوى كبرى في زمن البعثة، وذلك في سياق الحديث عن المعركة بين الروم والفرس، وهي مواجهة كانت محط أنظار العرب آنذاك، فقد تعاطف المسلمون مع الروم بصفتهم أهل كتاب، تربطهم بالمؤمنين وشائج دينية وقيم توحيدية، بينما مال المشركون من قريش إلى الفرس، لما بينهما من تقارب في المعتقد الوثني، إذ كان الفرس يومها عبدة نار لا يدينون بدين سماوي، وفي خضمّ هذه المواجهة الكبرى، أنزل الله تعالى آيات من سورة الروم تبشِّر بهزيمة الفرس وانتصار الروم، رغم الهزيمة التي مُني بها الروم آنذاك، فقال تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ}، في تأكيد قرآني على أن الغلبة ستكون في نهاية المطاف لأهل الكتاب، مما أدخل السعادة والفرح في قلوب الفئة المؤمنة، وكان بمثابة دعم معنوي لهم في زمن الاستضعاف، وهذا المشهد يُبرز البعد الديني في الاصطفاف السياسي آنذاك، ويُظهر كيف كان الانتماء العقدي مؤثرًا في مواقف الشعوب، حتى قبل تشكُّل الدول والنظم الحديثة.

إن سطحية التفكير الشرعي والسياسي عند بعض المحسوبين على أهل السُّنة خطرٌ على حاضر الأمة ومستقبلها، وخصومة أهل السُّنة لإيران، إن لم تكن مبنيّة على رؤية إستراتيجية متزنة، قد تتحوّل من موقف مبدئي مبرّر إلى عبء سياسي وخسارة ميدانية، ومع أن المشروع الإيراني في المنطقة ذو طابع طائفي توسُّعي واضح، إلا أن مواجهته بعقلية الصِّدام المطلق قد تؤدي إلى نتائج سلبية، وأخطرها إضعاف القضية الفلسطينية، وتفكيك جبهات المقاومة في الأمة، وفقدان الخطاب السُّني جزءا من شرعيته الشعبية أمام الجماهير التي لا تزال ترى في أي جهة تقاوم الكيان الإسرائيلي، قيمة مضافة، وجهة محترمة غير تابعة لمنظومة الشر المخاصِمة للأمة الإسلامية جمعاء.

إن رفض التبعية لإيران لا يعني إلغاء فرص التقاطع المرحلي معها في ميدان المواجهة مع العدو الصهيوني أو النفوذ الغربي، لأن السياسة الرشيدة تقوم على مبدأ “إدارة التناقضات”، لا الاصطفاف الأعمى، فالتعامل مع إيران يجب أن يقوم على معادلة مزدوجة: رفض واضح لمشروعها العقدي والطائفي من جهة، ووعي بضرورة استثمار أي موقف مشترك معها يخدم قضايا الأمة من جهة أخرى، ذلك هو الوعي المتوازن الذي تحتاجه الأمة، بعيدًا عن السذاجة السياسية أو التشنُّج الطائفي. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!