-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
حملات شعواء ضدهم تحت غطاء التبديع والتفسيق والتسييس

حرب معنويّة على الأئمة أخطر من الاعتداءات الجسدية

حرب معنويّة على الأئمة أخطر من الاعتداءات الجسدية
أرشيف

“مبتدع، فاسق، ضال، ليست له تزكية”.. هذا جزء من التسميات التي يتم توظيفها ضد عدد كبير من الأئمة والناشطين في الفضاء المسجدي، من طرف بعض ممن أرادوا “تسيد” المشهد الديني، مستندين في ذلك على ما يسمى “التزكية” من المشايخ في الداخل والخارج، وأن عملية “الجرح والتعديل” أهم وأسبق، وأنهم المؤهلون دون غيرهم لتقييم عقيدة وفقه الآخر.
مع توالي الاعتداءات التي طالت بعض الأئمة في الآونة الأخيرة، تعالت الأصوات الرافضة لتشويه الأئمة والإنقاص من شأنهم وهي في الأصل “قتل معنوي لهم”، من شأنها التمهيد للاعتداء المادي عليهم.
وحاليا يتم تداول فتوى سابقة، لأحد رموز التيار المدخلي في الجزائر، يرد فيها على سؤال جاء فيه: “في مسجد حَيِّنَا إمامٌ مبتدع، كيف نتعامل معه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا”، وفصَل مرجع المداخلة الجزائريين في رده بالقول: “أمّا التعاملُ مع أهل البِدْعَةِ فيختلف المقامُ باختلاف حال الضعف وحال القوة، وبين المُسْتَتِرِ ببدعته والمظهر لها الداعي إليها”، وتوصي فتواه بـ”الغلظة والشدة والهجر”.
ورد أحد الأئمة معلقا على الفتوى بالقول “هذا الإمام المبتدع (حسب فهم المفتي وأتباعه للبدعة!)، هو كل إمام لا يكون وهابيّا مدخليا.. يعني كل إمام يأتي بدعاء القنوت في الصبح فهو مبتدع، وكل إمام يدعو بعد الصلاة فهو مبتدع، وكل إمام يحمل عصا في خطبتي الجمعة فهو مبتدع، وكل إمام لا يطلق لحيته أو يتركها خفيفة فهو مبتدع، وكل إمام يحتفي بالمولد النبوي فهو مبتدع، وكل إمام من أتباع أحد المذاهب الأربعة فهو مبتدع، وكل إمام إخواني أو صوفي أو تبليغي أو حزبي أو من جمعية العلماء (المعاصرة).. فهو مبتدع”.
ويؤكد أستاذ التعليم العالي بقسم العلوم الإسلامية، بجامعة أدرار، والمشرف على مدرسة الريحان، للعلوم الشرعية، الدكتور عبد الحميد كرومي، أن ما يحصل للأئمة من تبديع وتفسيق هو “اغتيال معنوي لهم”، يتبعه “اغتيال مادي”.
ويقول الدكتور كرومي لـ”الشروق”، في هذا الخصوص، إن “معاناة الأئمة والدعاة والاعتداء عليم بل واغتيالهم يتم عبر طريقين، الأولى التي أسميها الجهة المعنوية والتي تحدث اغتيالا معنويا، وهي أخطر لأنها تؤسس للاغتيال المادي”.
ويفصل الدكتور كرومي في الاغتيال المعنوي، بالقول “هذا الاغتيال يشمل الحملات التشويهية والتشويش على بعض الدعاة والأئمة، والدعوة إلى عدم السماع لهم والصلاة خلفهم وعدم استفتائهم بحجج تبدو للبعض أنها شرعية كدعوى التصنيف والتفسيق والتبديع ولربما الإخراج من الملة والتكفير”، ويتابع: “للأسف الشديد هذا استساغه البعض تحت ذريعة فتاوي المشايخ المعتبرين والعلماء الربانيين كما يقول من ذهب في هذا المسلك، وهو ينطوي على مغالطة فكرية وشرعية ومن أعطى لهؤلاء الحق في التبديع والتفسيق؟ وما هي المعايير الدينية لذلك؟”.
ويجيب الدكتور كرومي، على السؤال الذي طرحه بالقول “هؤلاء يسلكون مسالك ملتوية تدل على أن الدوافع في الحقيقة هي دوافع شخصية أو نفسية أو فكرية أو حزبية لا أكثر، ولا صلة لها بالشرع”.
أما أستاذ الفقه الإسلامي في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الوادي، الدكتور عبد القادر مهاوات، فيؤكد أن هنالك من “الأكاديميين وهم قلة وبعض الأئمة وبعض ممن ينتمون للعلم الشرعي سلكوا مسلك التبديع والتضليل والتقليل من شأن الآخر حتى لو كانوا متمرسين”.
وتساءل الدكتور مهاوات والذي يتولى الإمامة في مسجد عمر بن الخطاب بالوادي، عن “الجرأة في تفسيق وتبديع المشايخ ممن تخرجوا من الزيتونة أو الأزهر كما هو حال الشيخ عبد الكريم بلقط”، ويجزم المتحدث في تصريحات لـ”الشروق”، على أن “هذه الجهة تعمل على تكسير المراجع والطاقات”، لكنه يعتقد أن “العامة لا يمشون في هذا السياق ولا يستسيغون هذا الأمر، إلا إذا وجدوا إهمالا وعجزا ظاهرا من الإمام الذي له ضعف في التكوين العلمي والشرعي واللغوي”.
ومن جهته، تفاعل وزير الشؤون الدينية السابق محمد عيسى مع هذه الحملة التي طالت الأئمة، وكتب مقالا نشره على صحفته بشبكة فايس بوك تحت عنوان: “لا تفلح أمّة تهين أئمتها”، قال فيه: “كنتُ كتبتُ منذ سنتين مقالا بنفس هذا العنوان نشرته على هذه الصفحة وحذّرت فيه من مغبّة إهانة الأئمة والتطاول عليهم؛ كان السياق يومئذ هو التجاذب السياسي لعضوية المجلس الشعبي الوطني حين لَمَزَ بعضُ المترشحين الإمامَ وتناولوه بالتشهير والتجريح والتحريض عليه”.
وشدد محمد عيسى على ضرورة حماية الإمام، بالتأكيد: “كانت تقع على عاتق مختلف مصالح الدولة مسؤوليةُ تفعيل قوانين الجمهورية المتعلقة بحماية موظفيها وإطاراتها ومنهم أطر المساجد بمختلف رتبهم، فإنه يقع عليها أيضا واجبُ تفعيل القانون 20-05 الصادر في 28 أفريل سنة 2020 والمتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها”.
وأكد الوزير السابق أن هنالك جهات تدفع للاعتداء على الأئمة وهنا أورد “أغلب ما يعاني منه أئمتنا في هذا المجال هو تصنيفهم من طرف أرباب الملل السياسية والأهواء الطائفية والنحل المذهبية في خانة المبتدعة القبوريين”، وخانة “الحزبيين”، وخانة “أئمة السلطة”، مضيفا أن ذلك يتبع “إصدار التوجيهات لمريدي تلك الملل والأهواء والنحل ليشتدوا على الأئمة ويضيِّقوا عليهم ويُلْجِئوهم إلى هجر منابرهم وإخلاء محاريبهم؛ بالغِلظة والشِّدَّة والهجر، حسب مصطلحاتهم المتداولة؛ وقد ينساق الغوغاء والسوقة والدهماء وراء خطاب الكراهية ومسلك التصنيف فيقترف مجانينهم المحذور، لا قدّر الله”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!